ابتدعت السلطة ما سمّته «تعويض بدل حضور يومي» يضاف إلى ما يَتقاضاه موظفو القطاع العام من رواتب وبدلات نقل ومساعدات اجتماعية، باعتباره معالجة تحلّ محلّ تصحيح الأجور. ويعتقد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير المال يوسف الخليل، أنه يمكن تشريع هذه البدعة والإنفاق الجديد الناتج منها، بمرسوم يحمل ثلاثة تواقيع، بدلاً من إقرار قانون في مجلس النواب. لكن ما قامت به السلطة بشكل أساسي هو كبح إضراب الموظفين، إذ إنهم لن يحصلوا على بدلات الحضور في حال استمرار الإضراب، وبالتالي ستصبح المؤسسات والإدارات العامة مقسومة بين أولئك الذين يرفضون هذا الترقيع الهزيل للأجور، وأولئك الذين ما زالوا يقدّسون قوى السلطة.
هذه كانت خلاصة الاجتماع الذي عقد أمس في السرايا الحكومية برئاسة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مع المديرين العامين والذي نسّقته رئيسة مجلس الخدمة المدنية نسرين مشموشي مع ميقاتي. وبحسب نصّ الدعوة، فإن جدول الأعمال الذي حدّد بالتوافق مع ميقاتي يتضمن واقع القطاع العام وتعزيز قدرات الموارد البشرية فيه، واستقطاب كوادر جديدة، ومعالجة ما سمّته «الخلل في الانتظام العام»، فضلاً عن اعتماد آلية موحّدة لمواءمة دخل الموظفين العموميين مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتقلبة. وهو ليس الاجتماع الأول من نوعه، إنما يأتي بعد شهر ونصف شهر من مراوغة ميقاتي وتهرّبه من مسؤولية التعامل مع إضراب العاملين في القطاع العام.
وفي الاجتماع، تعهّد ميقاتي بالموافقة على تمويل بدل حضور يومي لكل موظف، وهو الاقتراح - البدعة التي تركّز النقاش حولها. واتفق على إعطاء الموظفين، إضافة إلى المساعدة الاجتماعية، تعويض بدل حضور يومي يوازي جزءاً من 20 من أساس الراتب الشهري، ليصبح مجموع ما يتقاضاه الموظف: الراتب وملحقاته، بدل النقل، المساعدة الاجتماعية التي تعادل أساس الراتب، إضافة إلى بدل حضور يحتسب على النحو الآتي: الراتب مقسوماً على 20 يوماً، ويضرب بعدد أيام الحضور الفعلي.
إذاً، هل يمكن إخضاع الموظفين في القطاع العام بهذه الطريقة؟ قبل أشهر، استقرّ رأي ميقاتي وثلاثة من وزرائه على منح الموظفين مساعدة اجتماعية تساوي نصف راتب مشروطة بالحضور، إلا أنهم عادوا عن الشرط وحرّروا «المكرمة» من الحضور، إذ تبيّن أن الموظف يحتاج إلى ما يتخطّى قيمتها لبلوغ مركز العمل. أما في الاجتماعين الأخيرين، فاتفق على مضاعفة قيمة المساعدة الاجتماعية لتعادل راتباً كاملاً، ثم ربطوها بالحضور يومين في الأسبوع، فانتهى الأمر بمواصلة الموظفين إضرابهم المفتوح، ما دفع ميقاتي إلى اختلاق تعويض بدل الحضور. وانتهى الاجتماع إلى اتفاق على تشكيل لجنة متابعة من المدير العام للمالية جورج معراوي، ورئيسة مجلس الخدمة المدنية نسرين مشموشي، والمدير العام للمهجرين أحمد محمود، والمدير العام للشؤون الاجتماعية عبد الله أحمد، ورئيس مجلس إدارة النقل المشترك وسكك الحديد زياد نصر. مهمة اللجنة تحضير مسوّدة مشروع قانون لتصحيح الرواتب واقتراح مصادر التمويل، والمقصود بعملية التمويل الدولار الجمركي وبعض الزيادات الضريبية التي يقترحها وزير الأشغال العامة.
الربط بين تصحيح الأجور وإقرار الموازنة بكل ما تتضمّنه من ضرائب جديدة على صعيد الدولار الجمركي، خلفيته استعجال مستجدّ لدى قوى السلطة لتغطية إهمالها المقصود منذ سنوات تجاه التعامل مع الأزمة، وإبراء الذمّة تجاه الضغوط الفرنسية التي حملها الموفد الفرنسي السفير بيار دوكان.
وهذا المسار يعدّ طبيعياً ومتوقّعاً من ذهنية حاكمة اعتادت الهروب إلى الأمام واجترار حلول جزئية ترقيعية للتنصّل من تحمّل مسؤولياتها المحتّمة. فهي تمتهن شراء الوقت وتفريخ اللجان ومراكمة الخسائر حتى يتاح لها فرصة تمرير الدولار الجمركي بلا ضجّة مستغلّة معاناة الموظفين.
تعليقات: