أمام حزب الله عدة خيارات لمهاجمة منصة كاريش (جيروزاليم بوست)
تقف القيادات اللبنانية عاجزةً عن اتخاذ موقفٍ واضح حول ملفاتٍ داخلية وخارجية عدة. ومن هذا المنطلق، يبقى رهانها على دورٍ فاعلٍ للوسيط الأميركي أموس هوكشتاين، لإعادة تحريك المفاوضات غير المباشرة مع الجانب الإسرائيلي، بمثابة خشبة الخلاص الوحيدة للخروج من النفق المظلم. وعلى الضفة المقابلة، تصاعدت التحذيرات الإسرائيلية من جدّية تهديدات حزب الله، وبدأت الأوساط العسكرية هناك تبدي يقظتها لأي سيناريو حاد، يتطلب اتخاذ إجراءات ميدانية احترازية، تحسّباً لوقوع هجومٍ مفاجئ.
خيارات انتقامية
لم يعد خافياً على أحد أن تهديدات أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، لإسرائيل، وتلويحه بالتدخل عسكرياً لوقف عملياتها بالتنقيب عن النفط والغاز في المنطقة البحرية المتنازع عليها بين البلدين، قد أدخلت الدولة العبرية في حالة ترقّبٍ مربكة. وهذا بالفعل ما أضاء عليه الخبير العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشاع، بقوله أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تأخذ تهديدات نصرالله الأخيرة على محمل الجد تماماً.
يذكر يهوشاع في تقريره، أنه جرت نقاشات حساسة حول موضوع تهديدات الحزب في الأيام الأخيرة بمشاركة رئيس الحكومة يئير لابيد، ووزير الحرب بيني غانتس، ورئيس الأركان أفيف كوخافي. وطرح الثلاثة خياراتٍ انتقامية في حال نفذ نصرالله تهديداته. علاوةً على ذلك، أثار المسؤولون، وفق ما ينقل من معلومات، خيار الرد على إطلاق حزب الله للمسيّرات حتى لو كانت غير مدججة بالأسلحة، وهو الأمر الذي غضت إسرائيل الطرف عنه في الماضي.
تأكيد على الرد
من خلال اختيار القتال مع إسرائيل، يحاول نصرالله، حسب يهوشاع، صرف انتباه الجمهور عن القضايا الداخلية المتفاقمة وتصوير نفسه على أنه الحامي الوحيد للبنان. وفي غضون ذلك، يحاول حزبه تحميل إسرائيل مسؤولية أزمة الطاقة الحادة في لبنان، لدرجة أنه يطرح فكرة استعداده للحرب.
أبعد من ذلك، يرى يهوشاع أن أمام نصرالله عدة خيارات لمهاجمة منصة كاريش عبر مسيّرات مفخخة، أو تشغيل غواصين، أو ما يبدو مرجحاً وفقاً لتوقعات الجيش الإسرائيلي، عبر إطلاق طائرة مسيّرة لجمع المعلومات، لأنه لا يريد المخاطرة بإصابة مدنيين. وينقل عن مصادر رفيعة في الجيش الإسرائيلي اعتقادها بأنه سيكون من الخطأ الاستمرار في الاكتفاء بإسقاط المسيّرات من دون أي انتقام. لافتاً إلى أن المعضلة تكمن في أيٍّ من الخيارات سيتم انتقاؤه كي لا يُدفع بالجانبين إلى الوقوع بالمحظور.
ومن الخيارات المطروحة في تل أبيب لردع الحزب عن إطلاق المسيّرات، يكشف يهوشاع عن خيارين، أولهما تحديد أهداف حزب الله في سوريا، والتي يمتلك الجيش الإسرائيلي بالفعل عدداً قليلاً منها. وثانيهما مهاجمة البنى التحتية البعيدة داخل لبنان، كمستودعات الصواريخ الدقيقة. ومع ذلك يعود ليؤكد أن ما يريده نصرالله ليس الحرب، لأنه يتفهم الآثار الباهظة المترتبة عنها.
عتبٌ على بايدن
وعلى صعيدٍ متصل بزيارة بايدن للمنطقة وملف الحدود البحرية، انتقد رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق، الجنرال غيورا آيلند، الرئيس الأميركي، معتبراً أنه وجب عليه التوجه علناً إلى الرئيس والشعب اللبناني ليقول إن الولايات المتحدة أجبرت إسرائيل على الموافقة على خط الحدود البحرية المقترح من قبل لبنان. وبرأيه، إن قولاً علنياً كهذا من جانب الرئيس الأميركي، كان سيجبر الحزب على أن يوقف تهديداته، وكان سيؤدي إلى ترسيم متفق عليه للحدود البحرية ويسحب من تحت أقدام نصرالله البساط الذي ينسجه منذ سنين.
وأضاف آيلند أن نصرالله غير معني بالحرب ، لكنه يحب أن يلعب بالنار، كما أنه لم يرغب في حرب 2006، لكنه مع ذلك أشعلها. معتبراً أنه كان من السهل إقناع بايدن بإصدار مثل هذا التصريح، فهو لا يتناسب مع المصلحة الأميركية وحسب، بل يمسّ بإيران؛ من دون إطلاق رصاصةٍ واحدة.
الغاز الإسرائيلي!
أما فيما يتعلق بتصدير الغاز المصري إلى بيروت عبر الأراضي السورية لنقل 650 مليون متر مكعب كل عام، والذي ينتظر تلبية شروط البنك الدولي وموافقة الولايات المتحدة الأميركية على استثناء مصر من قانون العقوبات على سوريا.. فقد أكدت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، أن بعض الغاز أو كله الذي سيصل إلى محطة توليد الكهرباء في دير عمار سيكون إسرائيلياً يتم استخراجه من حقل غاز ليفياثان الإسرائيلي في شرق البحر المتوسط.
ورغم نفي الحكومة اللبنانية المتكرر لهذه المسألة، تستند الصحيفة الإسرائيلية على حد قولها، على أدلةٍ دامغة تدعم هذا الاتجاه. إذ يقول أميت مور، الرئيس التنفيذي لشركة "إيكو إينيرجي فايننشال كونسالتينغ EcoEnergy Financial Consulting، والمحاضر في جامعة "ريتشمان"، ما يلي: "لا شك أن الصفقة التجارية قد أُبرمت مع شركة الغاز المصرية. لكن الغاز نفسه سيكون جزيئات من حقل ليفياثان حيث يتدفق الغاز الإسرائيلي هذه الأيام في خط الأنابيب العربي عبر الأردن إلى مصر".
أدلة دامغة
ويبدو، حسب الصحيفة، أن المراقبة الدقيقة لنمط استهلاك الغاز المصري، والبنية التحتية لخطوط الأنابيب التي ستزود لبنان بالغاز، تدعم هذا الرأي. ذلك أن مصر تستخدم تقريباً كل غازها المستخرج للاستهلاك المحلي. ووفقاً لتقرير صدر مؤخراً عن موقع "مدى مصر" (المرتبط بالمعارضة المصرية)، يبلغ الإنتاج المحلي اليومي من الغاز في مصر ما بين 7 و 7.5 مليار قدم مكعب. فيما يبلغ الاستهلاك المحلي حالياً 6 مليارات قدم مكعب يومياً. تستحوذ الحكومة المصرية على 5 مليارات منها، وتتولى شركة التنقيب الشريكة الباقي. وبالتالي، لا تمتلك مصر في الوقت الحالي مخزوناً كبيراً من الاحتياطيات المستخرجة محلياً المتاحة للتصدير. فهي تصدر بعض الغاز إلى أوروبا، من محطتيّ تسييل الغاز في إدكو ودمياط. ويتم استيراد بعض هذا الغاز المصدر نفسه من إسرائيل.
والأهم من ذلك، وفق الصحيفة الإسرائيلية دائماً، أن هيكل خط الأنابيب المستخدم حالياً لن يسمح بنقل الغاز المصري المستخرج محلياً إلى الأردن ثم سوريا ولبنان باستخدام خط إنتاج الغاز. ويتقاطع خط الأنابيب هذا مع خطوط الأنابيب الإسرائيلية عند نقطتين: في العريش في مصر، ومع خط أنابيب إسرائيلي من حقل غاز ليفياثان، والذي يلتقي مع خط الأنابيب في نقطة في مدينة المفرق الأردنية. ولكي تقوم مصر بنقل الغاز إلى الأردن باستخدام الخط العربي، ستحتاج إما إلى وقف استيراد الغاز الإسرائيلي، أو بناء خط أنابيب جديد لنقل الغاز المستخرج محلياً من بورسعيد إلى العريش، والذي سيتم نقله بعد ذلك إلى الخط العربي. لذا، لن يكون أي من هذين الإجراءين عملياً، ولا يبدو أن أياً منهما قيد التنفيذ.
وعليه، تجزم الصحيفة أن الغاز الذي سيصل لبنان عبر الأردن وسوريا، سوف تستخرجه إسرائيل بالفعل من حقل ليفياثان. وفي حال تنفيذ هذا الاتفاق، فإنه سيمثل إنجازاً ملحوظاً لنظام الأسد في جهوده لإنهاء عزلته. كما أنه سيقدم وضعاً تكون فيه قيادة حزب الله قادرةً على إضاءة وتدفئة مخابئها في جنوب بيروت.
تعليقات: