عدنان سمور: نعمةٌ أن يعيش الإنسان في لحظةِ انعطافٍ حضاريٍ هائل

الكاتب المهندس عدنان إبراهيم سمور
الكاتب المهندس عدنان إبراهيم سمور


تعريف التغيير.

يمثل التغيير سُنَّة تاريخية ثابتة وقد عَرَّف إبن خلدون التغيير تعريفاً دقيقاً حيث قال :"إن أحوال العالم والأمم وعوائدهم ونِحَلَهم لا تدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر، إنما هو إختلاف على الأيام والأزمنة وإنتقال من حال إلى حال" ، ويتابع إبن خلدون مصنفاً التغيير حيث يقول أن هناك تغيير بطيء لا يظهر فيه الجديد بقوة ، وتغيير متسارع يأخذ شكل الإنقلابية الكاملة ، وينقل المجتمعات من حقبة تاريخية معينة إلى مرحلة أخرى متباينة عنها جذرياً.

مصداق التعريف اليوم.

لا شك أن المفكر المبدع إبن خلدون يلامس بعبقريته تعريف التغيير الإجتماعي والحضاري العام ، خاصة في المنعطفات التاريخية الحادة التي تشبه المرحلة التي نعيشها اليوم والتي يمكننا الإستفادة منها في فهم المرحلة التاريخية الإستثنائية التي يشهدها العالم اليوم وخاصة منطقة غرب آسيا التي تشهد تسارعاً مدهشاً للأحداث كما تشهد علامات عجز وضعف وإرتخاء في القدرة على التحكم في مسار الأحداث لدى منظومة إستعمارية عمرها مئات السنين ، كما تشهد في المقابل نشوء ونهضة قوى مناهضة لهذه المنظومة الإستعمارية لدرجة باتت تهدد إستمرارها(أي للمنظومة الإستعمارية)في ممارسة هيمنتها وسطوتها وفرض إرادتها وقراراتها على بقية شعوب العالم . الأمر الذي يجعل ترويجها لفرض منظومة القيم التي تعتمدها وللنظام النيوليبرالي الذي تعمل على نشره

وفرضه على بقية دول العالم أمراً بالغ الصعوبة والتعقيد ، إذا لم نقل أنه بات متعذراً بسبب التغييرات الكبرى التي حصلت لتاريخه والتي ما زالت تتدحرج بإندفاع كبير نحو المستقبل لتغير الكثير من الأوضاع التي إعتاد عليها الناس وسادت وحكمت العالم لعقود وقرون طويلة ، وقد حان اليوم وقت تغييرها كما حان وقت تغيير قواعد اللعبة وإدخال لاعبين جدد إلى الحلبة الدولية ، لاعبون يمتلكون خبرات وتجارب ورؤى جديدة وواعدة ، وهي قادرة على القيام بإجراء تعديلات جوهرية وتطوير لبنى النظام العالمي بحيث يتحقيق بموجب هذه التغييرات قدر أكبر من العدالة والإنصاف بين بني البشر ويتحقق أمن وسلام مستدامين بسبب الإرتكاز على مفهوم العدل أولاً بدل الإرتكاز على مفهوم الحرية المتفلتة من الضوابط والقيم.

لماذا جيلنا ؟

وهنا يُطرح سؤال كبير "لماذا كان من نصيب جيلنا أن يعيش هذه المرحلة الغنية بالتغييرات الكبرى على كافة الصعد لا سيما منها التغييرات السياسية والإقتصادية والتقنية الهائلة ؟"

وللإجابة على هذا السؤال لا بد من إستعراض سريع لأهم الأحداث ولأبرز محاولات النهوض التي شهدتها منطقتنا منذ القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا ، أي منذ بدأ أبناء منطقتنا على غرار كافة الشعوب المستعْمَرَةِ في آسيا وأفريقيا وأميركا بالبحث عن دور يمكِّنهم من تحقيق شراكة حقيقية ومستقلة في المشروع الحضاري الإنساني الشامل والذي ينسجم مع دور تاريخي كان لهذه الأمة في مرحلة زمنية سابقة ، وقد كان هذا الدور مشرقاً ومشرفاً في العديد من زواياه الإنسانية والعلمية والفنية والثقافية والعمرانية وغيرها الكثير ، ونتيجة وقوع شعوب منطقتنا في مرحلة ضعف تاريخية تحت سطوة شعوب تمكنوا في غفلة من الزمان من الوصول إلى حكم المنطقة تحت شعارات إسلامية أدخلت شعوب المنطقة في حقبة من التهميش والمراوحة والقمع ومحاربة الطاقات البشرية القادرة على تطوير حياة شعوبها من خلال فرض النظام الإقطاعي الذي لا هم له إلا تسخير طاقات وموارد شعوب المنطقة لمصلحة نظام سلطنة بينها وبين مصالح الشعوب عداوة تاريخية. وقد إستمرت هذه المرحلة ما يزيد على الأربعة قرون ، أي إلى الفترة التي تمكن فيها الغرب من تنضيج ظروف الموت البطيء للرجل المريض الذي هو السلطنة العثمانية ، وحتى توافقت القوى الغربية الإستعمارية والقابضة على آليات وأدوات التطور العلمي والتقني والإداري ، إضافة لإختزانها تجربة إستعمارية عريقة على إمتداد بلاد وشعوب الأرض ، من أقصى القارة الأميركية غرباً إلى الصين شرقاً مروراً بقارة أفريقيا وغرب آسيا وغيرها ، وقد توافقت هذه الدول الإستعمارية فيما بينها على تقاسم إرث وتركة الرجل المريض ، التي كنا نمثل نحن وأرضنا وثرواتنا جزأً منها ، وهكذا راحت هذه الدول الإستعمارية تُفَصِّل لنا دولاً وقيماً وأنظمة حياة تحفظ تشرذمنا وتناحرنا وتمكنها في ذات الوقت من إبقائنا مرتهنين لإرادتها وخاضعين لإملاءاتها وراضين بنهبها لثرواتنا ، ولكن وسط هذه الأجواء المظلمة خرجت شخصيات وحركات متنورة وطامحة إلى تحقيق الإستقلال الحقيقي والإقتدار الحقيقي والتنمية الحقيقية لشعوب المنطقة ، ولكن نتيجة فتوة تجربة التحرر المتأثرة بداية بالشعارات الكبرى والجذابة للثورة الفرنسية ونتيجة التأثر بما حققته الدول الغربية من ثورة صناعية وعلمية كبرى إضافة لتطويرها نظماً ديمقراطيةً مبنيةً على تعاقب السلطة ومشاركة الشعوب في إختيار قادتها وممثليها ، وقد عمل رواد النهضة في المنطقة بأساليب مختلفة وانقسموا إلى فئات ثلاث ، منها مبهور بالحضارة الغربية وراغب بالذوبان فيها وترك الإنجازات الحضارية الأخرى بغض النظر عن مدى أهميتها ومدى حاجة الناس إليها.ومنها رافض للحضارة الغربية وإنجازاتها ويريد التمسك بتجارب تاريخية يعتقد بقداستها وصلاحها لوحدها لحل مشكلات الإنسان في هذا الوجود ، ومنها فريق ثالث يفضل أن يأخذ من الحضارة الغربية ما يحقق له الرفاه وتسهيل أمور الحياة ، في وقت يؤمن فيه بوجوب أن يعمل على تطعيم الأنظمة الغربية بما يتناسب مع منظومة القيم الإنسانية والإجتماعية لمجتمعه وتاريخه وثقافته . ولم تكن الدول الإستعمارية بعيدة عن الصيد في بحر هذه التباينات وتسخير جزء كبير منها في خدمة مشاريع التفرقة والشرذمة والتفتيت التي تمكنها من التحكم ونهب الثروات وفرض إرادتها في رسم مسارات الأمور وإعاقة أي مشروع نهضوي حقيقي . وقد مثل زرع المشروع الصهيوني وسط المنطقة بين الجزء الآسيوي والجزء الأفريقي منها ، مرتكزاً لمشروع الهيمنة على المنطقة ومقدراتها من خلال أجواء التوتر والعدوان والتآمر ومن خلال حماية النظام الدولي لهذا المشروع الصهيوني الذي سعى وما زال يسعى لإجتثاث الشعب الفلسطيني وتشتيته في العالم بغية تضييع حقوقه بوطنه وأرضه وبغية إبقاء ثروات المنطقة تصب في مصلحة قوى الهيمنة والإستعمار.

إنقسمت المنطقة وتناحرت دولها وتمكن كل قطب من القطبان الحاكمان العالم أيام الإتحاد السوفياتي وأميركا ، من إستقطاب جزء من دول المنطقة ، ودارت صراعات بين هذه الدول وعُقِدت تحالفات بينها في العلن وفي الخفاء ، الأمر الذي سبَّب إعاقة كادت تصل إلى مرحلة العقم في إمكانية إيجاد مخرج يمكِّنُ شعوب المنطقة من التفلت من مشروع الهيمنة الإستعماري الذي تحول إلى قطب أوحد بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي الذي عجز عن الصمود في وجه آلة الغرب الإستعمارية الأخطبوطية ، وذلك نتيجة أزمة بنيوية في نظامه العقائدي والإقتصادي الذي كان يعاني منها ولم يتمكن من إيجاد حلول حقيقية لها ، فضعف نتيجتها بمرور الزمن كما ضعف نتيجة الضغوطات والمؤامرات الغربية لا سيما نتيجة الدعاية والإعلام الموجه ، حتى وصل به الأمر أن تنحى في نهاية الأمر عن دوره في إدارة النظام العالمي ودَعْمِ ما أسماه بحركات التحرر في العالم . وترك للولايات المتحدة الأميركية ودول الغرب التي تدور في فلكها أمر إدارة شؤون العالم ، ولكن روسيا التي خرجت من رحم الإتحاد السوفياتي بقيت محتفظة بتجربة غنية في إدارة المؤسسات الضخمة في كافة المجالات والإختصاصات وتمكنت خلال فترة قصيرة نسبياً من معالجة نقاط الضعف التي كان يعاني منها نظامها ، وطورت أساليبها الإدارية ، وحفظت تجربتها في فهم طبيعة النظام الغربي وما هي نقاط ضعفه ونقاط قوته ، كما تمكنت من تنشيط وتحسين وتطوير وضعها الإقتصادي والأمني والعسكري وراحت تترقب الفرصة السانحة لها للعودة إلى مسرح الأحداث العالمية من الباب الواسع ، مستغلة هفوات وأخطاء الإدارة الأميركية الغربية التي كثرت تجاوزاتها وفرضها لإرادتها بالقوة المفرطة وكأنها فوق المساءلة أو كأنه لا يوجد منظمة دولية تنظم علاقات الدول وترعى وتحفظ مصالح الشعوب في هذا العالم .

التجربة التنموية الرائدة للصين.

بموازاة التحضيرات الروسية لمعاودة النهوض أنتجت الصين مشروعا تنموياً نهضوياً نقلها في فترة لا تتجاوز العقدين من الزمان ، من دولة متخلفة من دول العالم الثالت إلى دولة تحوي ثاني أقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية وقد حققت كل هذه الإنجازات متكئة على الإستفادة من الإنجازات العلمية الكبرى للحضارة الإنسانية الحديثة ، مع حرصها الكبير على حفظ خصوصياتها وشخصيتها التاريخية وعدم الذوبان في المشروع الحضاري الغربي الذي عمل على تهميش كل دولة أو نظام لا يكون تابعاً بالكامل لإرادته ، الأمر الذي جعل كافة القوى المناهضة لمشروع الأحادية القطبية في إدارة شؤؤن العالم يجتمعون ويتبادلون الخبرات ويتكاملون فيما بينهم تمهيداً لنضوج اللحظة التاريخية التي يتمكنون فيها من الوقوف في وجه المشروع الأميركي الغربي المتسلط على العالم مستعينا بتفوقه العسكري وبهيمنته على منظمة الأمم المتحدة والمؤسسات التابعة لها.

مشروع النهضة العربية.

بعيداً عن التجربتين الروسية والصينية حصل مشروع نهضوي في العالم العربي بقيادة جمال عبد الناصر وكانت عمدته فكرة وحدة الأمة العربية وإستعادة مجدها التاريخي الضائع ، وقد تبنَّى هذا المشروع خيار مقاومة المشروع الصهيوني وإسترجاع الحقوق الفلسطينية المغتصبة كخطوة أولى معيقة لتحقيق الإستقلال والنهوض ، وقد حقق هذا المشروع في خلال مسيرته نجاحات كبيرة ومني أيضاً بإخفاقات لا بأس بها ، كان سبب هذه الإخفاقات الرئيسي ، وجود جو من التناحر والإنقسام العربي حول كيفية تحقيق النهضة المرجوة لشعوب المنطقة وحول طبيعة العلاقة مع القوى الغربية المهيمنة على النظام العالمي بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي ، وقد حقق التيار المبهور بحضارة الغرب والمنسحق تحت تأثير قوته تقدماً ملحوظاً أدى إلى خروج مصر من موقع زعامة العالم العربي ومن قيادة مشروع مقاومة الإحتلال الصهيوني المغتصب لفلسطين ، الأمر الذي ساهم في تجرُّوء بعض الأنظمة العربية على الجهر بقبولها بالنظام الصهيوني المحتل لفلسطين ومعاداة أي مشروع مقاومة جاد في السعي لتحرير فلسطين . وعلى رأس هذه الدول كانت المملكة السعودية تتبعها بقية دول مجلس التعاون الخليجي وقد حصل هذا الأمر بعد إلزام منظمة التحرير الفلسطينية بالتنازل عن تبنيها خيار المقاومة لتحرير فلسطين ، وهكذا إعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بالكيان المغتصب لأرض فلسطين وخرجت من ميدان المواجهة والصراع .

ظاهرة الأنظمة العربية الديكتاتورية.

بعض الأنظمة العربية غرقت في تثبيت قواعد حكمها الذي تحول إلى حكم ديكتاتوري عائلي لا يتورع عن إرتكاب الإعتداءات الدموية على شعبه كلما شعر بتهديد لنظام حكمه وقد مثل صدام حسين النموذج الأصدق لهذا النوع من الحكم . حتى أنه تم توريطه من قبل الغرب ودول الخليج في حرب طاحنة ضد مشروع الجمهورية الإسلامية الفتية التي حملت شعار التخلص من النظامين العالميين الشرقي والغربي والذين كانا حاكمين قبل إنهيار الإتحاد السوفياتي . كما رفعت شعار الوحدة الإسلامية ووحدة المستضعفين على امتداد العالم . واستمرت الحرب التي خاضها صدام حسين ضد ايران بمؤازرة الجزء الأكبر من الدول العربية مدة ثماني سنوات أثمرت دماراً وخراباً هائلين كما تسببت بسقوط مئات آلاف الضحايا وخسارة موارد كبيرة من رصيد الأمة ، كما أدت لضياع العراق ولو بعد حين من إنتهاء الحرب ، بينما أثمرت هذه الحرب في المقلب الآخر تمتين نظام الجمهورية الإسلامية التي بقيت متمسكة بالقيم والمبادىء الإستقلالية والمتمايزة عن الأنظمة الموجودة في العالم . كما تمكنت الجمهورية الإسلامية لاحقاً من إستنهاض معظم القوى الحية الطامحة للخلاص من الهيمنة والتسلط الغربيين في منطقة غرب آسيا ، وأستعادت إيقاظ وتفعيل القوى الحية المتبقية من منظمات الثورة الفلسطينية . وساهمت مساهمة فاعلة في دعم مشروع المقاومة في لبنان حتى تمكن اللبنانيون بفضل هذا الدعم من تحرير الأجزاء المحتلة من وطنهم ، وتشكيل منظومة ردع حقيقية للعدوان الصهيوني على لبنان ، وظلت هذه الحالة المقاومة في لبنان تتطور بإستمرار، لدرجة باتت معها تمتلك قابليات كبرى تمكنها أن تحقق في فترات قصيرة نسبياً إنجازات نوعية على مستوى تخلص المنطقة من قبضة الهيمنة الغربية بزعامة أميركا ، كما يمكن أن تمكنها في المستقبل من إيجاد حلٍّ مشرف للقضية الفلسطينية بما يحفظ حقَّ هذا الشعب بأرضه وثرواته ويعيد للمنطقة إستقلالها وأمنها.

الجمهورية الإسلامية تحقق الخرق الحلم ، فتستقل وتحقق مشروع تنموي إستنهاضي شامل.

أما فيما يتعلق بموضوع الإنجازات الكبرى التي حققتها الجمهورية الإسلامية بعد ثلاثة وأربعين عاماً من إنتصارها ، تتمثل بتحقيق الإستقلال السياسي والأمني والعلمي والثقافي ، وقد دفعت أثمانا باهضة نتيجة إصرارها على تحقيق هذا الإستقلال وما زالت جاهزة لدفع المزيد في مواجهة المصاعب والتحديات ، وقد إستفادت الجمهورية الإسلامية من أجل تحقيقها لقوة قادرة على ردع أعدائها من نظرية عسكرية بسيطة وقديمة عمدتها تطوير قوة صاروخية فاعلة إضافة لروحية قتالية وعقائدية مستَلهَمة من التاريخ الإسلامي الغني بالتضحيات ، لا سيما ملحمة الإمام الحسين الكربلائية الخالدة . وبذلك تحولت إيران إلى قطب تتمحور حوله كل حركات التحرر في منطقة غرب آسيا ، كما تحولت إلى حليف معتد به للدول الناهضة والساعية للتفلت من هيمنة النظام العالمي الحاكم ب عامة أميركا.

عودة روسيا إلى مسرح الأحداث الدولية الكبرى.

بالعودة إلى التجربة الروسية المنتظِرَةِ للفرصة السانحة لعودتها إلى المشاركة الفاعلة في صناعة الأحداث العالمية وهي التي هَزَمت في السابق كل من حاول أن ينال من كرامتها الوطنية من أصحاب مشاريع الهيمنة الغربية على النظام العالمي برمته وكل من كان من هؤلاء طامحاً لأن يكتب هو وشعبه نهاية التاريخ ، أمثال نابليون بونابارت في فرنسا وأودولف هتلر في ألمانيا . وقد وجدت روسيا في نفسها ، الأهلية لهزيمة مشروع الهيمنة الغربي الجديد بزعامة أميركا ، وها هي الفرصة سانحة وقد آن الأوان لقيام تحالف عالمي لقوى المقاومة والممانعة التي تسعى للتفلت من قبضة قوى الهيمنة الغربية التي راحت تعبث بأنظمة دول المنطقة بعد ثورات الربيع العربي ، وقد إمتصت روسيا بصبر وحكمة وهدوء أول عملية غدر غربية أميركية لها في ليبيا ، وفهمت أنه لم يعد هناك مجال للصبر وخسارة الفرص ، وقبل أن يدخل الغرب المغرور والمتعجرف إلى دارها ويخوض حروبه بواسطة وكلائه على أرضها . قررت أن تقفز وتنقل قوتها الضاربة لمنع سقوط سوريا بأيدي الغرب كخطوة أولى تبعتها خطوة منع تمدد حلف الناتو إلى أوكرانيا ولو كلف الأمر حرباً عالمية ثالثة ولو كلف دمار العالم والحضارة الإنسانية . وبعد ذلك راحت تطور تحالفها مع الجمهورية الإسلامية التي رفضت فيما مضى التعاون مع الإتحاد السوفياتي يوم كان قوة هيمنة وتسلط ، ولكنها لاحقاً وضعت يدها بيد روسيا ليتشاركا في حماية وإنقاذ المشروع الحضاري الإنساني من أيدي المستعمرين المستغلين والناهبين التاريخيين لثروات وحقوق الشعوب المستضعفة .

اللحظة التاريخية التي مكنت جيلنا من معايشة تفاصيل الإنعطاف الحضاري المرتجى.

إن نشوء هذا التحالف ( الروسي – الإيراني – الصيني ) مثَّل تتويجاً لنضالات وتضحيات شعوب حرة أبية على إمتداد العالم ولقرون متمادية ، كما جعل الأحداث والتغييرات الكبرى تتسارع وتتدافع ، نتيجة إنكشاف ضعف وفشل القوى الغربية الأميركية أمام المطالب المحقة للشعوب المستضعفة والتي هُضِمت حقوقها وخيضت عليها مؤامرات وحروب وعدوان أزهقت فيها ملايين الأرواح على مدى قرون ودمر فيها الحرث والنسل ، وأطفأ ما لا يعد ولا يحصى من الآمال والأحلام لمئات الأجيال المتعاقبة . وعلى شعوب العالم اليوم لا سيما شعوب منطقتنا التمسك بقوى المقاومة المخلصة التي تمثل الأمل الوحيد للوصول بمشروع الخلاص من الهيمنة المتوحشة إلى نهاياته السعيدة المرجوة ، وتحقيق الإستقلال والنمو والأمان والإستقرار للشعوب المستضعفة ، كما ينبغي على شعوب منطقتنا التمسك بكل ما يوحد جهود المخلصين من أبناء الأمة من كافة الأديان والطوائف والقوميات والإثنيات ونبذ كل ما يفرق هذه المكونات ويشتت جهودها .

خلاصة وتوصية.

مع ضرورة التنبه إلى السعي الدؤوب لإنتاج نظام عالمي أكثر عدلاً وأكثر تمسكاً بالقيم الأخلاقية والإنسانية التي يستحقها الإنسان ، لا سيما المستضعفين الذين قدموا التضحيات الجسام وصمدوا في وجه آلة القهر الجهنمية التي أنتجها نظام عالمي رفع شعارات إنسانية براقة لكنه مارس سياسات متوحشة ومجرمة لا تمت للإنسانية بصلة.

ولا شك أن التاريخ لن يسامح ولن يرحم ولن يغفل ، وسينصِفُ المدَّعون ظلماً وعدواناً بأنهم رواد حضارة مادية نيولبرالية حرة وسيضعهم في المرتبة التي يستحقونها في هرم الحضارة الإنسانية والتي تتناسب مع جرائمهم وعدوانهم على أمم وشعوب مستضعفة لا تعدُّ ولا تحصى ، ولأن هذه الحضارة الغربية كانت عديمة الرحمة وعديمة القيم الأخلاقية إتجاه المستضعفين في العالم ، وبعيدة كل البعد عن كل ما يمت للإنسان والإنسانية بصلة. سيكون موقعها في قعر الهرم الحضاري الإنساني ولن تكون القمة في هذا الهرم إلا لرواد الحضارة الإنسانية المرتكزة في مشروعها الحضاري على قاعدة العدل والتراحم بين بني البشر ، كل بني البشر.

عدنان إبراهيم سمور.

باحث عن الحقيقة.

23/07/2022

تعليقات: