اكّد السنة عند كل اسنحقاق التزامهم بالكيانية اللبنانية (getty)
في لحظة، تتغير الأولويات اللبنانية، بين الحلفاء والأعداء. يعيش لبنان صراعاً على الهوية، يمكنه أن يكون قاتلاً، أو يخلق تقاتلاً. يعكس ذلك مدى هشاشة القوى الإجتماعية والسياسية اللبنانية. الإنقسام المفتوح على معارك متعددة سياسياً لا بد أن يؤدي إلى مزيد من التدهور والإنقسام. اتهامات متبادلة بالعمالة والإرتهان للخارج. الجميع يبحث عن تغذية سرديات اتهاماته للآخر. هذا يحلل لنفسه ما يحصل عليه من "الخارج"، ويمنعه عن الآخرين. وذاك يبرر لنفسه إدخال ادوية من مكان لكنه يشجب ويمنع أو يعترض على إغراق البلاد بالأدوية الإيرانية أو بالمال الإيراني. مخاطر هذا الإنقسام والصراع الدائر، وإن كان ينطوي على ضغوط مكثفة لتحقيق أهداف سياسية، يكرّس ما هو أخطر وما يتخطى أي معادلة سياسية، ويتجاوز ما يعتبره البعض أنه يندرج في خانة الصراع على انتخاب رئيس للجمهورية، أو توجيه رسائل ضاغطة لتطويع البطريركية المارونية.
إتهامات متبادلة بالعمالة
الأخطر أن لا يكون ذلك كله مرتبطاً فقط بمعركة رئاسة الجمهورية وهذا الإستحقاق. إنما بتعزيز أجواء الإنقسام، في ظل اعتبار أطراف داخلية أن ما قام به المطران موسى الحاج فرض نوعا من أنواع التطبيع مع العدو الإسرائيلي، ولو كان باعتماد شكل المساعدات المالية أو الصحية. مع العلم أنه خارج على القانون، ولا وجود لتوافق وطني أو سياسي حوله.
في المقابل، يتكرس الإنقسام أكثر في وجود وجهة نظر الطرف الذي يعتبر أن لا مشكلة في ما جرى، وأن اللبنانيين الموجودين هناك لا بد من حلّ مشكلتهم وإعادتهم، من خلال تكريس هذا الأمر بفعل الواقع. ويأتي الردّ على تهمة العمالة وغيرها، بأن ما يقوم به "حزب الله" هو ما تنطبق عليه صفة العمالة. وكانت الرسالة واضحة في مضمون كلام البطريرك الراعي عندما قال "إبحثوا عن العملاء في مكان آخر". وطالما استند سياسيون معارضون لـ"حزب الله" إلى كلام أمينه العام بأنه جندي في ولاية الفقيه وأن أسلحته وأمواله كلها من إيران.
ملامح التقسيم
يتخوف بعضهم من أن تؤسس مثل هذه المواقف والإنقسامات الى عودة الكلام على الخيارات التقسيمية، وهذا أخطر ما يمكن أن يشهده اللبنانيون. فبالنظر إلى الوقوف الشيعي في صف المشروع الإيراني، مقابل انحياز المسيحيين الى محاولات تعزير "التفرد" ضمن إطار مناطقهم وبناء علاقات إقتصادية وإجتماعية بمعزل عن آراء اللبنانيين الآخرين، فإن ذلك يؤدي إلى انحلال ما تبقى من دولة أو كيان.
وفي هذه المعادلات ذات الطابع الجنوني، يبقى الغائب الأبرز هي أي معادلة يطرحها السنّة بفعل غياب فعاليتهم السياسية. ولكن، للتاريخ ومنذ الدخول السنّي في معادلة ميثاق العام 1943 التزم السنّة في المعادلة اللبنانية، وفي مرحلة ما بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية وما بعد الطائف وما بعد اغتيال رفيق الحريري أكد السنّة الإلتزام التام بالكيانية اللبنانية، وبالدولة الراعية لجميع أبنائها.
استقالة السُنّة
اليوم يعيش لبنان حالة تحلل للدولة وبروز كيانات على ضفافها ترتبط بمشاريع إقليمية، أو بمشاريع تصغيرية أو فدرالية أو تقسيمية، وصولاً إلى الإنقسام الكبير حول قضية المطران موسى الحاج. بالتالي لا يمكن للُسنّة أن يكونوا على الهامش. يقع عليهم مجدداً عاتق إستعادة المبادرة لإعادة الإعتبار للكيان الوطني، وهذا لا بد من أن يستعيد لبنان حضوره وشراكته مع العالم العربي فلا يبقي السنّة ولا لبنان متروكين. من دون ذلك وفي حال استمر الضياع أو اعتماد سياسة طفولية أو شعبوية تقوم على ترك السنّة في لبنان يتخبطون على إيقاع الصراع الكبير والإنقسام المفتوح، سيتحولون إلى جماعة تشبه إلى حدّ بعيد عرب الـ48 في الداخل المحتل.
تعليقات: