عنوان المرحلة الراهنة: لا خبز (Getty)
قَطَعَت أزمة الخبز مرحلة عدم توفّر الخبز العربي المصنوع بطحين مدعوم، لتصل إلى مرحلة شحّ في أصناف أخرى من الخبز غير المدعوم، كخبز التنّور والمرقوق وما شابه. فعملية البحث عن ربطة خبز، من أي نوع كانت، باتت عملية صعبة ومكلفة، ليس فقط على مستوى سعر الربطة، بل كلفة النقل. لأن العثور على ربطة خبز يعني التنقّل بين أكثر من فرن أو سوبرماركت. والأصعب في هذه المرحلة، هو عدم امتلاك وزارة الاقتصاد أي حلّ. أما المواطن، فلا يجد أمامه سوى شتم الدولة والسوريين! فالدولة "لا تفعل شيئاً"، والسوريون "يأخذون الخبز من دربنا"، وهو لسان حال العديد ممّن توافدوا إلى الأفران والسوبرماركت.
لا خبز
ليس مبالغة القول بأن عنوان المرحلة الراهنة هو "لا خبز". وهي عبارة يقولها أصحاب السوبرماركت وموظّفو الأفران بابتسامة صفراء تعبّر عن واقع الحال. وتُرفَق بعبارة "إبحث في مكان آخر.. إن وَجَدتَ رغيفاً". إلى هذا الحدّ يوقن هؤلاء بأن لا مجال لإيجاد رغيف خبز أفلتَ من باحثٍ عنه. ومع ذلك، قد يوفَّقُ الباحث بربطة أو ربطتيّ خبز هنا أو هناك، مكتوب عليها "خبز تنّور". فتتحوّل الربطة إلى صيد ثمين. ومَن يجد أكثر من ربطتين، فهي جائزة كبرى.
في بعض السوبرماركت أنواع من خبز التنّور والمرقوق، ويضطرّ الزبون إلى شراء أكثر من ربطة إن أتيح له ذلك. فالعائلة التي تحتاج إلى ربطة خبز عربي في اليوم، ستستهلك ما يزيد عن ربطة من خبز التنّور ذات الشكّل المربَّع، والتي تباع الواحدة منها بـ38 ألف ليرة، أي تدفع العائلة نحو 76 ألف ليرة ثمن خبز يكفي ليوم أو يوم ونصف. ولأن القلق يزيد معدّل التخزين، ترتفع الفاتورة إلى نحو 152 ألف ليرة، إذا قرّر أحدهم تخزين ربطتين إضافيّتين. وهذه المعادلة الحسابية تفترض بيع الربطة بسعرها "الطبيعي" وليس بسعر السوق السوداء المفتوحة احتمالاته على حسب اتّساع ذمّة البائع. إذ تباع الربطة المذكورة بنحو 60 ألف ليرة في بعض المناطق.
وما يلفت النظر في هذه المحنة، هو استمرار بعض الأفران بانتاج الخبز العربي المدعوم، وبكميات كبيرة، ما يؤدي إلى ازدحام وطوابير طويلة وساعات من الانتظار للظَفَر بربطة واحدة.
"السوريون يأكلون خبزنا"
يتهافت السوريون والفلسطينيون وكافة المقيمين إلى الأفران ككلّ اللبنانيين. فهم يحتاجون الرغيف بمعزل عن جنسياتهم وألوان بشراتهم ولغاتهم وثقافاتهم، وهو ما لا يقبله لبنانيون غاضبون من لجوء سوريين إلى توزيع عدد أفراد عائلاتهم على الطوابير بهدف الحصول على أكثر من ربطة خبز. فعلى الأقل، يحصلّ كلٌّ من الأب والأم وولدين، على 4 ربطات خبز خلال يوم واحد، يُستَهلَك واحدة، وتُخَزَّن أخرى لليوم التالي، وتُباع اثنتان. وتتكرّر العملية في اليوم التالي. وكلّما ارتفع عدد أفراد الأسرة، كلّما زادت ربطات الخبز وزادت غلّة البيع.
لتفادي هذه الظاهرة، عَمَدَت بعض الأفران إلى فصل اللبنانيين عن السوريين بطابورين مختلفين. يحظى اللبنانيون بأفضلية المرور مقابل السوريين. وبعض الأفران لجأ لختم يد السوريّ الذي يشتري ربطة خبز، بالحبر، في محاولة لمنعه من الشراء مرة أخرى. وفي أسلوب آخر، تُسَجَّل أسماء السوريين بعد إبرازهم بطاقات تعريف. وهذه الاجراءات تؤخّر عملية البيع للسوريين وتحدّ من استهلاكهم للخبز المدعوم، لكنها لا تحلّ مشكلة النقص.
وزارة الاقتصاد
المضحك في ملف الخبز هو الاعتراف الصريح من وزارة الاقتصاد أنها لا تملك الحلول، فيما تعترف أيضاً بوجود "زعران" في قطاعيّ المطاحن والأفران. وتعترف أيضاً بضآلة انعكاس قرض الـ150 مليون دولار المخصص من البنك الدولي لاستيراد القمح. وفي مقابل انخفاض اللهجة مع الزعران والمهرّبين، يرتفع الصوت على حجم استهلاك السوريين للخبز. إذ يشير سلام إلى أن السوريين يستهلكون نحو 40 بالمئة من القمح المستورد، ويحتاجون يومياً إلى 500 ألف ربطة خبز. أما المجتمع الدولي، فلم يقدّم أصداءً إيجابية رغم إثارة الموضوع معه ووعده بتقديم الحلول.
هي أزمة ذات أبعاد مختلفة، عمادها فساد داخلي وضغط النزوح السوري المتروك لمواجهة مصيره عبر الاحتكاك مع مجتمع مضيف يغرق في مشاكله المتراكمة، ما قد يولّد عنفاً متنقّلاً بين المناطق، فيما ربطة الخبز المدعومة تختفي رويداً لصالح رفع الدعم وتحرّك سعر الخبز حسب سعر دولار السوق.
تعليقات: