قامت القوى الأمنية بإزالة خيمته مرات ثلاث في الأسبوع الماضي (المدن)
آخر مواطن بساحة الشهداء: رجل أمن مضرِب عن الطعام
بمحاذاة نُصب الشهداء التذكاري في ساحة الشهداء وسط العاصمة بيروت، أقام المؤهل الأول في قوى الأمن الداخلي المتقاعد أحمد مهنا (59 سنة، لبناني من راشيا) خيمته، المؤلفة من شادر قماشي ممزق وبعض الأغلفة الكرتونية للجلوس عليها، معلقًا على جدران النصب ملاحظات خطية لمطالبه كمواطن ورجل أمن متقاعد. ويُتم اليوم المتقاعد السّتيني يومه الثامن من الإضراب المفتوح عن الطعام، أو الصيام، مستعينًا بجسده كآخر وسيلة للاحتجاج على وضعه المعيشي المأزوم، معتبرًا هذا الاعتصام السّلمي مدخلاً للتغيير ورفع الصوت.
إضراب أمني
غنيٌّ عن التذكير بأن الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي أرخى بأثقاله على عناصر قوى الأمن الداخلي اليوم، أكانوا في الخدمة الفعلية أم متقاعدين، وباختلاف رتبهم. وهم يعيشون في حلقة مفرغة من الأزمات، التي أجبرت كثيرين على اجتراح حلول ملتوية أو الاستسلام لأزماتهم. فبين عشرات حالات الانتحار والفرار في الشهرين الأخيرين (راجع "المدن")، برز خيار "الإضراب" آخر وسيلة يعتمدها حصن السّلطة المنيع للمطالبة بحقوق أفراده واستعادتهم ما سلبته إياه السّلطة علانيةً، ودفعت عائلاتهم إلى هامش الفقر والفاقة والعوز.
فالمتقاعد أحمد مهنا، وهو متأهل ولديه ثلاثة أولاد، يشير في حديثه إلى "المدن" إلى أبرز المطالب الملّحة التي قرر بموجبها الاعتصام والانقطاع عن الطعام. فهو بات يعجز عن سداد أقساط أولاده المدرسية، فضلاً عن الاستشفاء والطبابة. فوضعه المعيشي انحدر وتسبب بفقدان قيمة راتبه البالغ اليوم 90 دولاراً. وهو لا يكفي لسداد فاتورة اشتراك الكهرباء الشهرية، بعدما كان مرتبه يتجاوز عتبة الألفي دولار قبل الأزمة.
ويقول مهنا: "قررت الالتزام بهذا الإضراب بعدما شعرت بالإحباط إزاء وضعي الحالي. تركت عملي المؤقت الذي كان لا يكفيني لسداد المستحقات المتوجبة عليّ. وفضلت الاحتجاج بدل الاستسلام أو الاستفادة اللاشرعية من الفوضى التّي سببها الانهيار. وأجد أن هذا الإضراب هو وسيلتي السّلمية لرفع صوتي في وجه هذه المنظومة الفاسدة. لم أشعر إلى الآن بأي التفاتة فعلية. وقد حاول مقربون مني في عائلتي وزملائي السّابقون في السّلك الأمني، إقناعي بكسر أضرابي عن الطعام. غير أنني أرفض قطعًا، ومستمر بهذا الإضراب للوصول إلى حقوقي وإحداث التغيير".
عناصر أمنية ضد أخرى
يداوم مهنا يوميًا من السّاعة السّادسة صباحًا حتى ما بعد منتصف الليل، قابعًا في حر الشّمس ومضربًا عن الطعام في ساحة الشهداء. يزور منزله في عين الرمانة يوميًا مدة سّاعتين تقريبًا، للاستحمام والاطمئنان على أسرته، ويعود إلى خيمته التّي قامت القوى الأمنية بإزالتها مرات ثلاث في الأسبوع الماضي. ويذكر مهنا أن عناصر أمنية قاموا بإزالتها بحكم سلطتهم القانونية، لكن في جوّ من التعاطف.
ورغم تقديمه العلم والخبر لمحافظ بيروت بأنه سيعتصم في المكان، لم يتلق جوابًا حتى اليوم. ومهنا ليس وحده في ساحة الشهداء بل لا يزال عدد قليل من الخيم منصوبة في السّاحة، وتقوم الدوريات الأمنية بإزالتها دوريًا.
وضعه الصحي وتبعات الصيام
حسب مهنا، كان وضعه الصحي قبل الإضراب مستقرًا. فهو سليم البنية، ويحافظ على طاقته باستهلاكه السوائل، كالمياه ولبن العيران كل أيام ثلاثة تقريبًا. ويُسلي نفسه بتدخين جرعات كبيرة من التبغ الوطني، ليدفع عنه شعوره بالجوع أو الملل. وقد عرضت عليه جهات عدة المساعدة المادية، إلا أنه رفضها معتبرًا أن اعتصامه محق وسيبقى مضربًا حتى تصل رسالته للمعنيين، وبالتالي اتخاذهم التدابير اللازمة. وهو يلفت إلى ضرورة حشد الرأي العام والمواطنين للاحتجاج ومقاومة الوضع الجنوني الذي يعيشونه.
ينفي مهنا شعوره بالخوف أو تردده في اعتصامه وإضرابه عن الطعام. يعتبر الاعتصام استعادة لكرامته كمواطن يرفض المهانة الاقتصادية وأشكال الإفقار الممنهج الذي اعتمدته السّلطة تجاه المواطنين والعسكريين والقوى الأمنية. ويعتبر نفسه مواطنًا يلتزم بالقانون وبالتالي يطالب المسؤولين بإنعاش مؤسسات الدولة عبر تحقيق مطالب موظفيها لاستعادة هيبتها كدولية وطنية.
أصوات للتكاثر
لا شك في أن حق المواطنين بالاحتجاج في ظل أعتى الأزمات التّي أطاحت باحتياجاتهم وطموحاتهم، أمر طبيعي ومشروع. وعلى الرأي العام اليوم الاستجابة لهذه الأصوات التّي يرفعها مواطنون، في ظل التسويف والتحامل الذي انتهجته المنظومة الحاكمة واستهتارها بحقوق المواطنين وحياتهم. وهي في هذا ترتكب فضائح بحلول تلفيقية.
تعليقات: