منصة كاريش (جيروزاليم بوست)
لا بيان، ولا صورة، ولا حديث للإعلام..هكذا ميزت وسائل الإعلام الإسرائيلي بين الأجواء شديدة الكتمان التي صاحبت لقاءات الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، آموس هوكشتاين، خلال مجيئه خلسةً إلى الدولة العبرية، وبين اجتماعاته بالمسؤولين اللبنانيين، لنقاش "جواب الحل الإسرائيلي" المنظور.
هذه المفارقة جسدتها وسائل الإعلام الإسرائيلية، بمختلف مرجعياتها، لتأكيد حجم الحرص من تل أبيب على نهج الكتمان، الآن، إزاء ما يشبه المفاوضات غير المباشرة حول "مقترح الحل الإسرائيلي للنزاع البحري"، ومروراً بالرد اللبناني الذي تم إبلاغ هوكشتاين به، قبل أن يطير به الأخير إلى لابيد ليُخبره به.
واستعرض محلل الشؤون السياسية الإسرائيلية والعربية شمعون آران، في حديثه لنشرة تلفزيون "مكان" المسائية، المفارقة بين المناخ "المتفائل" الذي أبداه هوكشتاين في تصريحه للتلفزيون اللبناني "LBCI"، حينما حطّ في بيروت، في مقابل السرية المُشددة التي غلفت لقاء هوكشتاين مع الحكومة الإسرائلية، إذ أنه لم يخرج عن مكتب رئاسة الوزراء الإسرائيلي، ولا وزارة الطاقة الإسرائيلية، أي تفصيل عن لقاء هوكشتاين برئيس الوزراء يائير لابيد، سوى تأكيد اللقاء، لا أكثر.
وتساءل آران، أسوة بوسائل إعلام عبرية أخرى، عن سبب هذا الكتمان الشديد، ودوافع عدم خروج بيان إسرائيلي، ولو عام، عن اللقاء، على غرار البيان الصادر بعد لقاءات المسؤول الأميركي مع نظرائه الإسرائيليين في 14 من الشهر الماضي.
وفيما ارتأت بعض الصحف العبرية عدم التطرق للموضوع في أعدادها الصادرة الأربعاء؛ لعدم تمكنها من تقديم محتوى جديد عن الموضوع، راحت صحيفة "معاريف" إلى وصف لقاء هوكشتاين-لابيد "بالسريّ"، بالرغم من كونها معلومة من الناحية الإجرائية، بينما وجدت الصحيفة العبرية في اجتماع المسؤول الأميركي مع كل من رئيس الجمهورية اللبنانية، ومعه البرلمان والحكومة، دليلاً على وجود إجماع لبناني حيال الضرورة الملحة لحل ملف الترسيم باتجاه تحصيل لبنان لحقوقه من غاز المتوسط.
والحال إن الضبابية الطاغية في تل أبيب حيال تطورات ملف الترسيم، بدت على أنها تُخفي توجساً إسرائيلياً من مجرياته. فالإعلام الإسرائيلي لم يحسم سبباً وحيداً وراء هذه السرية والضبابية، في ظل عدم قدرته على انتزاع أي شيء جديد وحصري حول طبيعة التقدم الحاصل، إذ تباينت قراءاته حيال ذلك، لدرجة أن بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية استمدت معالجاتها "المتفائلة"، من تصريحات سابقة لوزيرة الطاقة الإسرائيلية، ولاحقا ما خرج من الإعلام اللبناني، وحتى هوكشتاين نفسه.
وفسرت بعض محطات التلفزة الإسرائيلية الغموض المحيط بزيارة هوكشتاين الأخيرة إلى إسرائيل، بأنها "ربما" تمثل دليلاً على حصول تقدم ما في الملف، وأن الأيام المقبلة كفيلة بكشف ذلك.
وعززت هذه القراءة الإسرائيلية نفسها، عبر الإشارة إلى تطور لافت تمثل بأنه، خلافاً للمرات السابقة التي كانت تقتصر فيها محادثات الترسيم البحري غير المباشرة، على المستوى المهني فقط، فإنها تطورت أخيراً لينخرط فيها أعلى مستوى سياسي من الطرفين اللبناني والإسرائيلي، أي صناع القرار.
غير أن قراءات إسرائيلية أخرى عكست حذراً لمدى إمكانية النجاح، ذلك أن الأسبوعين المقبلين هما حاسمان.. فإما الإتفاق، أو الحرب، وهو ما قد يعطي تعليلاً إضافياً لدوافع الضبابية الإسرائيلية بشأن تطورات مباحثات هوكشتاين في الأيام الأخيرة.
ونوهت مقالات إسرائيلية الى أنه في التسوية الظاهرة، فإنه لن يحصل أي من الطرفين على رغباته الكاملة نتيجة الحل، وهو ما يُخفي قلقاً أو حالة من عدم الرضا الإسرائيلي الكامل بالحل الذي يبدو أن دولة الاحتلال تذهب إليه مضطرة، لتسويغ عمليات استخراج الغاز من حقل "كاريش" الشهر المقبل، من دون أي ضجيج، إضافة إلى منع المواجهة العسكرية في هذا التوقيت، علاوة على رؤية أميركية ترى أن الإتفاق وسيلة مهمة لتقوية تيار "المعتدلين" في لبنان، وتوجيه ضربة سياسية لحزب الله.
ورأى مراقبون أن الصمت الإسرائيلي هو حاجة لعدم تخريب مراحل التقدم في الحل، والذهاب إلى المفاوضات الحاسمة في الناقورة، علّها تُحصل الدولة العبرية الحد الأقصى مما تطمح إليه من الحل المنظور.
ويبدو أن ثمة أمراً داخلياً إسرائيلياً وراء عدم إصدار إسرائيل موقف رسمي حتى اللحظة، إذ أن حكومة لابيد لا تريد استعجال إصدار موقفها، رغم ترجيحات المحللين الإسرائيليين بأنها ستقبل بالحل الوسط الذي يحاول هوكشتاين تمريره، وهي بأي حال، تنازل اسرائيلي، ومكسب للبنان. ويتمثل البعد الداخلي الذي يؤخر التصريح العلني الإسرائيلي، وفق ما أكده مختصون بالشأن الإسرائيلي لـ"المدن"، بمزايدات المعارضة اليمينية، التي بدأت تشن هجوماً على حكومة لابيد وتتهمها بأنها تبيع المصالح الاستراتيجية لاسرائيل؛ بسبب خوفها من تهديدات حزب الله، ومن المواجهة معه.
اللافت، أن ملف الترسيم البحري يتخذ بعداً أمنياً واضحاً في إسرائيل، إذ شاركت شخصيات أمنية وعسكرية إلى جانب سياسيين ومختصين في اجتماع المجلس الأمني والسياسي المصغر "الكابينيت" الذي عقد الأربعاء، لبحث مستجدات الترسيم، والتفاصيل التي نقلها هوكشتاين إلى لابيد بخصوص موقف المسؤولين اللبنانيين من الحل الوسط.
مع ذلك، أبقت المستويات العسكرية الإسرائيلية تأهبها في الجبهة الشمالية، على ضوء تهديدات حزب الله، لكن الإعلام الإسرائيلي نقل عن مصادر مواكبة لملف الترسيم تأكيدها بأن حزب الله التزم في هذه المرحلة بعدم التصعيد، ومنح مهلة للطرفين اللبناني والإسرائيلي لمدة أسبوعين، وصولا إلى الحل المنشود.. وإلا، فإن الوجهة نحو تصعيد متدحرج، لمنع إسرائيل من استخراج الغاز من حقل "كاريش" قبل التوصل إلى اتفاق.
تعليقات: