صيدا تواجه: مبادرة تنموية بلا الدولة الفاشلة

إطار جامع للمدينة لمعالجة مشكلات وأزمات الخدمات الأساسية (المدن)
إطار جامع للمدينة لمعالجة مشكلات وأزمات الخدمات الأساسية (المدن)


تعمل مبادرة "صيدا تواجه" (أطلقت قبل ثلاثة أيام) على تنشيط المبادرات الإنمائية في المدينة، لمواجهة الأزمات الحياتية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والبيئية التي تعاني منها المدينة، ولتخفيف أعباء هذه الأزمات عن المواطنين.

حمل المبادرة أمين عام التنظيم الشعبي الناصري، النائب أسامة سعد، مكتوبة إلى فاعليات المدينة وفي مقدمهم بهية الحريري، لوضع الملاحظات والتعديلات عليها. وتضم نواتها ممثلين عن سعد والحريري والنائب عبد الرحمن البزري والجماعة الإسلامية إضافة الى ممثلين عن البلدية حاضنة هذه المبادرة، وممثلين عن القطاعات المجتمعية المختلفة والحراك المدني في المدينة.

وتقوم مبادرة "صيدا تواجه" على فكرة تشكيل إطار جامع للمدينة تتمثل فيه مكوناتها السياسية والاقتصادية والأهلية، تحت مظلة البلدية لتكون مرجعاً لكل ما يطرأ من مشكلات وأزمات في الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه ورغيف وغيرها، بسبب غياب أو تقصير أو عجز مؤسسات الدولة عن تلبيتها.


سعد والحريري وحمود

وعلى هذا الأساس تجاوبت فاعليات المدينة وقطاعاتها وقواها السياسية التي لم يكن سعد ولا التنظيم الناصري يلتقي معها سياسيًا، ولا حتى بطريقة مقاربة الملفات الحياتية والتنموية للمدينة، وفي مقدمهم تيار المستقبل ممثلًا ببهية الحريري. لكن بعد الانتخابات النيابية الأخيرة التي تلقى فيها سعد دعم تيار المستقبل، الذي كان له دور كبير في فوزه بهذا الاستحقاق، ارتفعت وتيرة التقارب بين سعد والحريري، فاتخذ شكل تشاور شبه يومي عبر الهاتف أو من خلال لقاءات ثنائية يجري خلالها التفاهم حول القضايا التي تهم المدينة، وصولًا إلى "مبادرة صيدا تواجه".

وكان أعلن عن هذه المبادرة في لقاء موسع عقد في القصر البلدي، ووجهت الدعوة إليه باسم "القوى السياسية والمجتمعية وبلدية صيدا"، فشارك فيه الأقطاب الأربعة الأساسيين: سعد، الحريري، البزري، والجماعة. وحضرت المرجعيات الروحية الإسلامية والمسيحية في المدينة ومن بينهم الشيخ ماهر حمود (رئيس اتحاد علماء المقاومة والمقرب جدًا من حزب الله) ورؤساء بلديات اتحاد صيدا- الزهراني وممثلو كافة القطاعات.


تباين حول الأهداف

طرح إطلاق هذه المبادرة تساؤلًا لدى شريحة كبيرة من المنخرطين فيها، وتردد على لسان بعض المتحدثين في حفل إعلان المبادرة سؤال: صيدا تواجه من؟ وظهر أثناء التحضير للمبادرة تباين في طريقة مقاربتها وأهدافها، بين سعد وفريق التنظيم الناصري من جهة، وبعض الأفرقاء الآخرين ومنهم المستقبل من جهة ثانية. وتلخص هذا التباين في نقطتين: الأولى رغبة القسم الأكبر من شركاء هذه المبادرة في إبقائها في إطارها التنموي والمطلبي، بعيدًا من السياسة والتوظيف السياسي. والنقطة الثانية هي إشراك مؤسسات الدولة المعنية بالأزمات الحياتية المختلفة في هذا الإطار لمساءلتها ووضعها أمام مسؤولياتها.

قوبلت النقطة الثانية برفض حاسم من سعد وبعض الأفرقاء المشاركين في المبادرة، ففضلوا عدم اشراك مؤسسات رسمية "كي لا تتخذ المبادرة غطاءً لتبرير تقصيرها وعجزها". وظلت النقطة الأولى عالقة حتى انعقاد لقاء موسع في البلدية، فحملت كلمة النائب أسامة سعد خلاله ما اعتبره البعض إطاحة بالحياد السياسي للمبادرة. فسعد أطلق مواقف سياسية عالية السقف مهاجمًا من وصفهم بـ"الجماعة الحاكمة"، مستحضرًا مفردات ووهج ثورة 17 تشرين وواضعًا "مبادرة صيدا تواجه" في سياق مسار تصعيدي، مطالبًا بالتغيير السياسي وبالمحاسبة، ومذكرًا بـ"رسائل 17 تشرين لوطنٍ أنهكته الجماعةُ الحاكمة فسادًا ونهبًا وفشلًا وتبعية لدولٍ شتى". وقال: "كيلت الاتهامات ضد الشعب الثائر بأوصافِ العمالةِ والارتهان وتخريب البلاد. وظنّت الجماعةُ الحاكمة أن 17 تشرين انكسرت وانتهت. 17 تشرين روحُها حيّة وإنْ تراجعت في الميدان، تحيا بشرعيتها الثورية وبحتميةِ انتصارها. هذا أمل. بالأمل واليقين والثقة تنطلق مبادرة "صيدا تواجه".

وأكد سعد أن القيمين على المبادرة ليسوا بدلاء عن الدولة وقال: "لا نسعى لإدارةٍ ذاتية. وندركُ أن الحلَّ الكامل للأزمات وطني لا مناطقي. وسنمارسُ كلَّ أشكالِ الضغط والتحركات لإجبارِ الدولة على القيام بوظائفِها".

قسم من الحاضرين أيد كلام سعد، الذي أثار حفيظة آخرين ومن بينهم الشيخ ماهر حمود الذي حاول مقاطعة كلمة سعد مرارًا معترضًا على "أخذ اللقاء إلى مكان آخر باعتبار أن ليس هذا هو هدف المبادرة المتفق عليها". وقبل أن يغادر مستاءً أوضح في بيان أن "الهدف من اللقاء إيجاد الحلول وتخفيف وطأة المعاناة عند المواطن. ولكن النائب أسامة سعد خالف هذا التوجه وشرع يشرح وجهة نظره في أسباب الأزمة في لبنان، مركزاَ على الجماعة الحاكمة كما أسماها، ومغفلا الدور الأميركي والسعودي المباشر وغير ذلك من التدخلات. وعندما اعترضنا بما يشبه الهمس مع بعض الحاضرين، واجهنا بكلام غير لائق وكان لا بد لنا من الانسحاب".

أما النائب عبد الرحمن البزري فأكد في كلمته أن "مبادرة صيدا تواجه قائمة على التضامن والتعاون في ما بيننا، بعيدًا من أي شكل من أشكال الاختلاف. ولسنا بديلا عن الدولة حتى لو غابت. نحن شركاء مع مختلف الإدارات من أجل تفعيل خدماتها. ولا يجب استغلال الأوضاع من أجل تحقيق المكاسب على حساب المواطنين واحتياجاتهم".

واعتبرت بهية الحريري أن "هذه المبادرة المميزة تأتي في ظروف بالغة الدقة والصعوبة في لبنان والمنطقة، وهدفها التّشاور والتّنسيق وتحديد أولوياتنا الصيداوية والوطنية ورسم خارطة طريق لتكافل وتكامل الإرادات والطّاقات والخبرات. ونتطلّع إلى النّجاح في وضع آليات جامعة. وتحديد الأولويات الدقيقة من أجل مواجهة كلّ ما يهدّد سلمنا الأهلي. وما يقوّض دولتنا ويجعلها غير قادرة على القيام بواجباتها الوطنية تجاه مواطنيها".

ورأى المسؤول السياسي للجماعة الإسلامية بسام حمود أن "مبادرة صيدا تواجه تشكل حاضنة سياسية واجتماعية لأننا في ظرف نحتاج فيه إلى التكاتف والعمل الجماعي". وقال: "سنشكل من خلال هذا العمل لجانًا فعلية تخصصية تستطيع وضع تصور واقعي للأزمات التي نعيشها في المدينة على كل المستويات الحيوية، لننتقل بعدها إلى عمل جماعي يجسد وضع الحلول وإمكانية تخفيف الأعباء التي نعيشها في هذه المدينة".


خشبة خلاص

وقال رئيس البلدية محمد السعودي "إن المبادرة خشبة خلاص قد نستطيع من خلالها استعادة زمام المبادرة. وندعو كل من يستطيع من أبناء المدينة وجوارها، مقيمين ومغتربين، إلى المساعدة بأي جهد ولو كان متواضعًا. فالمهمة صعبة ولا يمكن تحقيقها إلا إذا تحمل كل منا حصته من المسؤولية".

وجرى التشديد على ضرورة تشكيل لجان تطوعية من الناشطين المهتمين والمختصين تقوم بدراسة المشكلات ولا سيما في مجالات الكهرباء والمياه والبيئة والصحة والتعليم والأمن الغذائي، لإيجاد الحلول المناسبة.

تعليقات: