يبدو أن مصرف لبنان يذهب في اتجاه تحرير «صيرفة» من أعباء تمويل استيراد البنزين بشكل كامل، أي أن الهدف احتساب سعر الصفيحة بنسبة 100% على أساس سعر صرف السوق الحرّة. وهذا يعني أن سعر صفيحة سيبلغ 20.5 دولار إذا احتسب على أساس الأسعار العالمية الرائجة اليوم، والأكلاف الثابتة بالليرة ضمن جدول الأسعار. وسيتغيّر سعر الصفيحة تبعاً لتقلبات سعر الصرف في السوق الحرّة، والأسعار العالمية. وربما يتأثّر أيضاً بتقلبات متصلة بتغيّر الجعالات المحليّة لشركات التوزيع وأصحاب المحطات. باختصار، إن الـ20.5 دولار تساوي 656 ألف ليرة وفق سعر صرف يبلغ 32 ألف ليرة، أي بفرق يبلغ 12% أو 70 ألف ليرة عن السعر المعلن ضمن جدول تركيب الأسعار الصادر عن وزارة الطاقة صباح أمس.
والاتجاه نحو تحرير «صيرفة» من هذا العبء، ليس أمراً مستجداً، بل هو سياسة اتّبعها مصرف لبنان منذ أيام الدعم. وهي سياسة نُفّذت على سعر صفيحة المازوت ليصبح بالدولار النقدي، في ظل الحديث عن البطاقة التمويلية التي لم تبصر النور بعد. نفّذت أيضاً على أسعار الأدوية أيضاً. وها هو مصرف لبنان ينفذها تدريجياً على سعر صفيحة البنزين الذي كان في البداية مدعوماً على سعر 1520 ليرة مقابل الدولار، ثم أصبح التسعير ينقسم بين سعر صيرفة والسعر المدعوم، ليصبح كاملاً على سعر «صيرفة»، واليوم أصبح 70% على سعر صيرفة، و30% وفق سعر السوق الحرّة. بمعنى أوضح يتوجّب على المصرف المركزي تأمين 70% من الدولارات اللازمة لاستيراد البنزين على سعر «صيرفة» 26200، وفي المقابل على التجّار توفير 30% من الدولارات لاستيراد الكميات اللازمة، من السوق الحرّة بسعر 32 ألف ليرة وربما أكثر.
توصل مصرف لبنان إلى معادلة الـ70% مقابل 30%، عبر افتعال مشكلة متصلة بآلية تسديد ثمن الشحنات المستوردة. فقد «اكتشف» أن الشركات تقبض الدولارات على مراحل، بينما هي تخزّن الكميات وتبيعها لاحقاً مستفيدة من فروقات الأسعار العالمية. لكن هذا السلوك ليس حديثاً، بل كان يحصل منذ عقود وكانت الشركات تبرّر تمسكها بآلية التسعير هذه، بأنها تتحمّل مخاطر تقلبات الأسعار العالمية، فيما برزت أصوات خبراء تقول أن كارتيل المستوردين يحققون أرباحاً هائلة غير شرعية بفعل البيع بأسعار سابقة أدنى. رغم ذلك، استغلّ مصرف لبنان الأمر، وأثار بلبلة أدّت إلى انقطاع البنزين من السوق، إذ إن الشركات رفضت التعديل في آلية الدفع، فيما سارعت بعض المحطات في المناطق إلى استغلال قرارات الحاكم للامتناع عن بيع الكميات في خزاناتها قبل صدور جدول الأسعار الجديد، للاستفادة من فروقات السعر. ثم انتهى الأمر «بسحر ساحر» بـ«اتفاق» على تقليص حجم التمويل المخصّص للبنزين على منصّة «صيرفة» من 85% إلى 70% منها. وبالطبع دفع المستهلك ثمناً لهذه البلبلة، إذ اعتاد سلامة أن يفتعل الأزمة من أجل إقناع المستهلكين أن ما سيحصلون عليه هو أفضل من استمرار الأزمة. وهكذا سيصبح وقف تمويل استيراد البنزين عبر صيرفة، أفضل من الاستمرار بالتمويل مع أزمة توافر الكميات في السوق.
مصرف لبنان يسعى إلى تحرير منصّة «صيرفة» بنسبة 100% من أعباء تمويل استيراد البنزين
وبموجب الاتفاق بين مصرف لبنان ووزارة الطاقة والشركات المستوردة، صدر أمس جدول تركيب سعر صفيحة البنزين متضمناً ارتفاعاً بقيمة 16 ألف ليرة للصفيحة الواحدة، أي ما يعكس الفروقات نسبة أسعار صرف صيرفة والسوق الحرّة في الصفيحة. وهو ارتفاع يأتي أيضاً رغم انخفاض الأسعار عالمياً. ولا يتوقع أن تنخفض الأسعار في جداول تركيب الأسعار المقبلة، لأن الارتفاعات المحلية في مكوّنات سعر الصفيحة، يطغى على انخفاض الأسعار العالمية.
ومن تداعيات هذه الخطوة، وما سيليها من خطوات لتصبح صفيحة البنزين بنسبة 100% مموّلة من السوق الحرّة، أنها ستضع ضغوطاً إضافية في الطلب على الدولار. بحسب التقديرات فإن الطلب اليومي على البنزين يبلغ 350 ألف صفيحة بقيمة 7.1 مليون دولار، أي أن الطلب الشهري يبلغ 200 مليون دولار، أو ما يوازي 2.6 مليار دولار سنوياً. وهذه كمية ليست بسيطة وسيكون لها أثر واسع في السوق يغذّي ارتفاع سعر صرف الدولار. تداعيات ذلك على الاقتصاد والمجتمع، ستترجم في ارتفاع كلفة النقل للأفراد والبضائع.
تعليقات: