مصرف لبنان يقلّص دعم البنزين.. والشركات تُخزِّن لتزيد أرباحها

لا آلية فعّالة لضمان حقوق المستهلكين (علي علّوش)
لا آلية فعّالة لضمان حقوق المستهلكين (علي علّوش)


مَهَّدَ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة منذ أيام، لخطوة إضافية في طريق رفع الدعم عن استيراد البنزين. وبوادر الحصاد بدأت بالظهور منذ يوم أمس الاثنين، عبر إقفال بعض المحطات أبوابها واحتشاد المواطنين أمامها في مشهد يعيد التذكير بالطوابير. فحاكم المصرف المركزي قرَّرَ سابقاً عدم تسليم الشركات دولارات الاستيراد المدعومة على سعر منصة صيرفة إلا "بعد انتهائها من توزيع البنزين وبيعه في السوق"، فأثار حفيظة شركات استيراد المحروقات التي قلّصت توزيع البنزين، وتزامن ذلك مع نهاية الأسبوع والعطلة الرسمية يوم الاثنين، فشحَّت الكميات. أما الخطوة الجديدة، فهي إبلاغ المركزي للشركات قراره تخفيض نسبة تأمينه للدولارات إلى 70 بالمئة بدل 85 بالمئة، ما يستوجب تأمين الشركات 30 بالمئة من السوق السوداء، بدل 15 بالمئة. ما أدّى إلى ارتفاع الأسعار.


طوابير خجولة

بعض المحطات فتحت أبوابها أمس كالمعتاد، ثم أقفلتها بعد تواتر أنباء حول عدم توزيع البنزين في اليومين المقبلين، أو توزيعه "بالقطّارة". واحتشدت بعض السيارات أمام المحطات في المناطق، في مشهد يُذكِّر بمأساة الطوابير الطويلة. ومع أن الانتظار الحالي لم يتحوَّل بعد إلى أزمة فعلية، إلاّ أن لا شيء مستحيلاً في هذه الجمهورية.

استمر القلق صباح الثلاثاء 16 آب، رغم تطمينات المحطات بعدم وجود أزمة. لكن مَن اختبر الطوابير لن يصدّق التطمينات فجأة. على أن اتّضاح معالم المرحلة الجديدة، ساهَمَ في تخفيف قلق المواطنين. فممثّل موزّعي المحروقات فادي أبو شقرا، أكّد لـ"المدن"، أن "العطلة هي السبب في تأخير التوزيع". أما مع انتهاء العطلة ووضوح قرار المركزي المتعلّق بنسبة الدعم "ستبدأ شركات المحروقات بالتوزيع لتتأمّن الكميات في السوق بشكل طبيعي".


زيادة الأرباح

علمت الشركات المستوردة أن المركزي يحضّر لخطوة جديدة ستساهم في رفع الأسعار. فسارعت لتقليص حجم البنزين الموزَّع على المحطّات التي بدورها قلّصت حجم المبيع، فساهمت الشركات والمحطات بزيادة الطلب. أما ذريعة "العطلة"، فمردودة، لأن الكميات كانت تتوفّر بشكل طبيعي في أيام العطلة والأعياد قبل قرار المركزي، فما الذي تغيّر في اليومين الماضيين؟ حتى أن بعض الشركات كانت توصل البنزين للمحطات خلال أيام العطلة، وهذا الأمر ظاهر للعيان.

إلى ذلك، وبموجب الآلية الجديدة لتأمين الدولارات، ستطالب الشركات المحطات بنسبة أكبر من الدولار، والمحطات ستحصّلها من المواطنين، ما يعني تعديل الأسعار، وهو ما استجابت له وزارة الطاقة التي أصدرت جدولاً جديداً تضمّن ارتفاعاً لأسعار المحروقات، وفي مقدّمها البنزين الذي ارتفع 16 ألف ليرة، بعد أن كان تراجع بالمعدّل نفسه يوم الجمعة الماضي. وبذلك، تكتمل عناصر رفع الدعم تدريجياً. فالمركزي قرَّرَ اتخاذ الخطوة مذ أعلن العودة إلى آلية تأمين 85 بالمئة من الدولارات بدل تأمين 100 بالمئة منها.

إلاّ أن قرار المركزي برفع الدعم جزئياً، لا يبرّر لمستوردي المحروقات والمحطات تخزين البنزين. فالكميات المخزّنة مدعومة وفق الآلية المعمول بها حالياً، فيما الآلية الجديدة لم تُنَفَّذ بعد. أما ذريعة الشركات بوجود مستحقات عالقة لدى المركزي، فهذا لا يعطيها حق تحميل المسؤولية للمواطنين وتدفيعهم الثمن عبر تقنين التوزيع واستيفاء ثمن البنزين القديم وفق السعر الجديد.

وحول ارتفاع الأسعار، أشار أبو شقرا إلى أن "نسبة الارتفاع طفيفة لأن أسعار النفط عالمياً انخفضت". لكن مفاعيل انخفاض الأسعار عالمياً مرحلية وليست دائمة. فارتفاع الأسعار وارد في أي لحظة، وسيؤدي إلى ارتفاعها محلياً بصورة أعلى في ضوء زيادة نسبة الدولار المطلوب من السوق.

لا استراتيجية لتوزيع البنزين بما يضمن حق المستهلك. فالشركات والمحطات هما طرف واحد يملك القوة لأنه المتحكّم في حجم وتوقيت التوزيع. أما وزارة الاقتصاد المناط بها التحقّق من حسن التوزيع والالتزام ببيع الكميات المتوفّرة، فقاصرة عن القيام بدورها. فتبقى القاعدة التي تسير عليها الشركات والمحطات، هي تقنين البيع مع بدء الدخول في مرحلة دعم جديدة، وصولاً إلى رفعه كلياً في المستقبل القريب.

تعليقات: