على نحو تدريجي، جمّدت الأزمة الاقتصادية عمل البلديات في قضاءَي مرجعيون وبنت جبيل، بما أن ميزانياتها بالكاد تكفي لتسديد الرواتب. بعض المجالس البلدية ابتكرت حلولاً للتخفيف من حدة الأزمة، وتأمين بعض المشاريع الإنتاجية، موقفة مشاريع باتت تعدّ من الكماليات مثل التشجير أو تأهيل البنى التحتية.
أنشأت بلدية شقرا (قضاء بنت جبيل) حديقة عامة بالتعاون مع اتحاد بلديات بنت جبيل وعدد من أبناء البلدة وافتتحت فيها خدمات ترفيهية غير مجانية، ما يعود بإيرادات للصندوق البلدي. يشير رئيس البلدية علي صالح إلى أن "الحديقة أمّنت هذه السنة 52 مليون ليرة من بدلات إيجارات الأكشاك والمسبح العام، إضافة إلى حوالي مليون ليرة يومياً، خلال فصل الصيف، يتمّ تحصيلها من روّاد الحديقة القادمين من مختلف المناطق". هذه المبالغ "تساعد جزئياً على تخطي المرحلة الصعبة" بحسب صالح، ذلك أنّ "ميزانية البلدية التي تبلغ حوالي مليار ليرة سنوياً لا تكفي لتغطية أجور العمال وتأمين خدمات النظافة العامة وتشغيل معمل النفايات". ويلفت إلى أن البلدية "توقفت عن الإنفاق على تعبيد الطرقات والتشجير وتشييد حيطان الدعم، بل خصّصت ما تيسّر لها لزيادة الأجور من دون أن نتمكن من ثني بعض العمّال والموظفين عن الاستقالة".
أما الطيبة (قضاء مرجعيون)، فقد استثمرت في شجر الخروب. يكشف رئيس البلدية عباس ذياب أن البلدة "تحصّل سنوياً ما يزيد على 9 آلاف دولار أميركي من دبس الخروب تنتجه من حوالي عشرة آلاف شجرة زرعتها قبل سنوات، وننتظر إنتاج حوالي 30 ألف شجرة صنوبر". ويوضح أن بلديته كانت قبل الأزمة تنفق ميزانيتها البالغة (ملياراً و200 مليون ليرة) في أكثر من 12 مشروعاً خدماتياً، لكنّ الميزانية نفسها تنفق اليوم على الرواتب.
التطوّع في رميش
في رميش، تجنّد الأهالي لخدمة بلدتهم. يروي رئيس البلدية ميلاد العلم "كيف تطوّع عدد من الأهالي للخدمة العامة، فتمّ جمع التبرّعات لإنشاء مستشفى ميداني تديره البلدية بمساعدة أطباء البلدة وممرضيها المتطوّعين". وساهمت روحية التطوّع لدى الأهالي في الدفع نحو "إنشاء مركز التوضيب الزراعي، ثمّ تركيب ألواح طاقة شمسية لتشغيل بئرين ارتوازيتين بعد انقطاع المياه عن البلدة التي يعيش معظم سكانها من الزراعة". ويوضح الناشط طنوس مخول أن مشروع الطاقة جاء بعد انقطاع المياه لـ5 أشهر: "تكاتف الأهالي لتأمين الدعم لمشروع البلدية المتعلق بتأمين الطاقة الشمسية لاستخراج المياه، وعملت البلدية على تأمين دعم إضافي من قوات اليونيفل". ولضمان نجاح المشروع، قامت البلدية بحسب العلم بـ"صيانة شبكة المياه الداخلية ووضع جدول عادل لتوزيع المياه على الأحياء، نشرته على موقع البلدية". ويلفت طوني العلم إلى أن "العديد من الأهالي الذين يستخدمون الطاقة الشمسية في منازلهم باتوا يحصلون على دخل إضافي، بعد بيعهم الطاقة الشمسية لأصحاب المولدات الخاصة، ما يعزّز استمرار تقديمهم لخدمة الطاقة بأسعار مشجعة ويوفرون على أنفسهم شراء المازوت".
بحثاً عن المياه والكهرباء
تزامن انهيار قيمة الليرة مع تخفيض قوات اليونيفل مساهماتها خلال العامين الماضيين، إذ كانت بلدات جنوبي الليطاني تعتمد بشكل رئيسي على تقديمات وحدات اليونيفل المتنوّعة من شقّ طرقات إلى تجهيز مستوصف وبئر مياه. وخلال العامين الماضيين، بات تأمين المياه والكهرباء هو الشغل الشاغل لبلديات المنطقة. لذا عمد اتحادا بلديات بنت جبيل وجبل عامل إلى متابعة أحوال الموظفين، الذين تنحصر مهامهم في متابعة شؤون المياه والكهرباء، وتقديم المساعدات لهم لأداء مهامهم، ولا سيّما بعدما توقفت شركات الصيانة المتعاقدة مع مؤسسة مياه لبنان الجنوبي عن متابعة أعمالها بسبب الظروف الاقتصادية الخانقة. وبحسب رئيس الاتحاد علي طاهر ياسين فإن "بلديات الاتحاد، وبمساعدة المتموّلين والأغنياء، لجأت الى تأمين الطاقة الشمسية لضخّ المياه من الآبار الارتوازية. ويسعى الاتحاد إلى الحصول قريباً على قرض مالي من الصندوق الكويتي للتنمية بقيمة 62 مليون دولار لتأمين الخدمات العامة ومساعدة الأهالي".
الاعتماد على التبرّعات
وفي هذا السياق حاولت بلدية مجدل سلم، خلال الشهرين الأخيرين "تغطية الخسائر التي تكبّدتها بسبب عجز الفقراء عن دفع فواتير الاشتراك، من خلال دعم بعض الخيّرين، وعدم تشغيل المولدات إلا في ساعات الحاجة الفعلية". كلفة تأمين الطاقة الشمسية لبلدة تضم 1400 وحدة سكنية تزيد على 750 ألف دولار أميركي، وهو "مبلغ لا يمكن لأي بلدية تأمينه إذا لم تحظَ بدعم الجهات المانحة"، بحسب رئيس البلدية علي تامر ياسين. الأخير أشار إلى أن "البلدية حصلت على موافقة من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والبنك الألماني للتنمية لتمويل الطاقة الشمسية لتشغيل البئر الارتوازية في البلدة". كما عمد حزب الله الى تأمين الطاقة الشمسية لتشغيل البئر الارتوازية في بلدة تولين. وفي الإطار نفسه، انكبّت بلدية حولا، بحسب رئيسها شكيب قطيش على محاولة تأمين الكهرباء والخدمات الاجتماعية والصحية "نعمل بفعل الخيّرين من أبناء البلدة على مواجهة المشكلات المعيشية والصحية".
بات تأمين المياه والكهرباء هو الشغل الشاغل لبلديات المنطقة
هذا ما تفعله أيضاً بلدية ميس الجبل، التي يقول رئيسها عبد المنعم شقير إن "البلدية في السنوات الأخيرة تفرّغت لمواجهة المشكلات الناجمة عن انقطاع الكهرباء وانتشار مرض كورونا، إضافة الى مساعدة المحتاجين". مبيّناً أن "مشكلة الكهرباء التي استطاعت البلديات مع أصحاب المولدات الخاصة معالجتها، تلبية لحاجة الأهالي، باتت عبئاً ثقيلاً على الجميع، ما جعل الأهالي يستغنون عنها ريثما تقوم الدولة بواجباتها". غياب الدولة فرض دور الأحزاب النافذة. وهنا، برز دور جمعية العمل البلدي في "حزب الله" التي ركّزت على تركيب شبكات الطاقة الشمسية كمخرج لانقطاع الكهرباء والمياه. بحسب مسؤول العمل البلدي علي الزين، نُفذ بالتعاون مع بلديات المنطقة حتى الآن 41 مشروعاً تؤمّن الكهرباء لمدارس وبلديات ومكتبات ومحطات لتكرير المياه.
تعليقات: