قطاع البيطرة ومستلزمات الحيوانات الأليفة ينهار

أحد ملاجئ الحيوانات الأليفة التي تخلى عنها أصحابها (Getty)
أحد ملاجئ الحيوانات الأليفة التي تخلى عنها أصحابها (Getty)


لم يكن من السهل على فادي رمو (طبيب بيطري) أن يغلق عيادته التي أسسها في شارع الحمراء منذ العام 2018، ليقرر الهجرة إلى إحدى الدول الخليجية، لتأمين لقمة العيش. يقول رمو لـ"المدن": "اضطررت إلى إقفال العيادة، بسبب تراكم الديون، نتيجة عدم قدرتي على سداد قيمة الإيجار، وشراء المستلزمات الأساسية للحيوانات". يضيف: "في السابق كان لدي أكثر من 350 مراجعًا يأتون شهريًا للكشف عن حيواناتهم. لكن الوضع بدأ ينهار تدريجيًا مع الأزمة الحاصلة. فلم يعد يزور العيادة أكثر من 50 مراجعًا كل ثلاثة أشهر تقريبًا". ويؤكد رمو أنه خسر ما يقارب 50 ألف دولار من قيمة العيادة التشغيلية، فيما يطالبه المصرف بنحو 25 ألف دولار، كان سبق واقترضها لتمويل مشروعه.


هروب جماعي

أكثر من 50 طبيبًا بيطريًا تركوا الأراضي اللبنانية خلال النصف الأول من العام الحالي، حسب تقييم أجراه نديم الجوهري، وهو مؤسس مركز Fluffy Feathers المتخصص بشؤون رعاية الحيوانات الأليفة. وقال الجوهري إن الأزمة الاقتصادية انعكست بطبيعة الحال على قدرة اللبنانيين الذين يعتنون بالحيوانات، ولم يعد جزء كبير منهم قادر على تقديم الرعاية الصحية لهذه الحيوانات، أو حتى إطعامها.

وخسر قطاع تجارة مستلزمات الحيوانات الأليفة في لبنان خلال العامين 2021 و2022، ما يقدر بنحو 450 مليون دولار تقريبًا، بعدما عجز أكثر من صاحب متجر عن استيراد المواد الأساسية من الخارج، بسبب التغييرات التي حصلت على سعر الصرف، فلم يعد الطبيب قادرًا على شراء المستلزمات الأساسية من أدوية وأطعمة وبيعها للزبائن.

يقدر رمو، أن نحو 70 مؤسسة متخصصة ببيع المستلزمات الأساسية للحيوانات أقفلت خلال العامين الماضيين في العاصمة بيروت وضواحيها. مما اضطر أصحابها إلى بيع ما تبقى في مخازنهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ومواقع إلكترونية بسعر الجملة، كي يتمكنوا من تسديد فواتير الاستيراد.


خسائر القطاع

في السنوات الماضية، باتت فكرة الاعتناء بالحيوانات الأليفة رائجة جدًا. وكان بمقدور عائلات كثيرة اقتناء قطة أو كلب صغير. لكن انهيار سعر الصرف، جعل من زيارة الطبيب حكرًا على فئة لا تتجاوز 5 في المئة من مجموع الأشخاص الذين يعتنون بالحيوانات، حسب نديم الجوهري. ويقول لـ"المدن": "يوازي سعر وجبة الطعام المخصصة للكلاب أو القطط نحو 4 دولارات تقريبًا، أي 120 ألف ليرة، فيما يصل سعر كيس الطعام المجفف وزن 10 كيلوغرامات إلى أكثر من الحد الأدنى للأجور المعمول به، ويبلغ نحو مليون وثلاثة مئة وخمسين ألف ليرة، وهو رقم صعب للعائلات التي تعتني بالحيوانات الأليفة، خصوصًا الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية".

يرى الجوهري أن أسعار الأطعمة المستوردة للحيوانات الأليفة ارتفع منذ العام 2019 وحتى نهاية العام 2021 بنحو خمسة أضعاف، فيما شهدت الأسعار، بعد وصول سعر الدولار إلى أكثر من 35 ألفًا منذ بداية العام الحالي، ارتفاعات ناهزت عشرة أضعاف.

يضيف الجوهري: "لا تقف مشكلة انهيار قطاع مستلزمات الاعتناء بالحيوانات الأليفة عند هذا الحد. إذ تحتاج الحيوانات إلى مستلزمات أخرى للعناية بالنظافة. وهي ذات تكاليف مرتفعة جدًا، لا يمكن تسديدها حتى من الأشخاص الذين يتقاضون رواتبهم بالدولار". ويربط الجوهري تفاقم الأزمة في لبنان بعوامل جيوسياسية أيضًا. يرى أن الأزمة الحقيقية تبلورت أكثر مع الحرب الروسية-الأوكرانية، ولم يتمكن تجار علف كثيرين من استيراد هذه الأطعمة. ما زاد من حجم المشكلة.

ولم يعد الانهيار حكرًا على المؤسسات التي تعنى بالحيوانات الأليفة فحسب، بل وصل أيضًا إلى المزارع التي تهتم بتربية الدجاج والأبقار والأغنام.

ويسلط الجوهري الضوء على مشكلة أعمق يعاني منها قطاع تجارة المستلزمات الحيوانية، وتتعلق تحديدًا بعدم القدرة على استيراد الأدوية أو التطعيمات، ما يجعل الكثير من الحيوانات حتى الغذائية بلا رعاية صحية مطلوبة. وسنويًا يستورد لبنان مستلزمات طبية للحيوانات تقدر بنحو نصف مليار دولار. وانخفضت نسبة استيرادها إلى النصف تقريبًا في العام 2021.


غياب الخطط

لا تنفي سمر مروة، وهي متطوعة تعمل في مجال رعاية الحيوانات المشردة، أن جزءاً كبيراً من هذه الأزمة يعود إلى بنية الاقتصاد اللبناني. تقول لـ"المدن": "قد يتفهم البعض حاجة لبنان لاستيراد الأدوية الخاصة بالحيوانات من الخارج، على اعتبار أن ذلك يتطلب معايير طبية. ولكن السياسة التوجيهية لاستيراد أبسط ما يمكن من الخارج، وعدم التشجيع لبناء مصانع غذائية مخصصة للحيوانات، فاقمت من الأزمة الحالية، وجعلت الكثير من العائلات، تضطر إلى التخلص من حيواناتها التي باتت متشردة في الطرق.

لا ينفي الجوهري، أن الكثير من اللبنانيين تخلصوا من حيواناتهم، إما عن طريق توزيعها على مراكز إيواء، أو وهبها إلى عائلات قادرة على الاعتناء بها. ورغم ذلك زادت ظاهرة الحيوانات المشردة في الشوارع، حسب تعبيره.

رغم الضائقة الاقتصادية، والخسائر التي أصابت أصحاب المؤسسات الخاصة بتجارة مستلزمات الحيوانات، لم يمنع هذا بعض الأفراد من تأمين الحماية لحيواناتهم المنزلية، من خلال تقديم وجبات عادية يتم تحضيرها يدويًا. تشجع سارة علم على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، كيفية تحضير الأطعمة الخاصة بالحيوانات منزليًا. فقد انشأت مصنعًا صغيرًا في منطقة جزين جنوب لبنان لتصنيع علف للحيوانات. وذلك ضمن مبادرة لرعاية القطط والكلاب، وتهدف من وراء ذلك، إلى تأمين الحماية للحيوانات في لبنان.

تعليقات: