الفوضى الشاملة: قبول تشكيلة ميقاتي وإسقاطها بجلسة الثقة!

مرحلة تشبه الحقبة العونية الأولى بين العامين 1988 و1990 (عباس سلمان)
مرحلة تشبه الحقبة العونية الأولى بين العامين 1988 و1990 (عباس سلمان)


وصل لبنان إلى لحظة مفصلية تشبه الانقلاب على كل القواعد القائمة. هي مرحلة تشبه الحقبة العونية الأولى بين العامين 1988 و1990، وما بعدها الانقلاب على اتفاق الطائف وفق الترجمة والتطبيق السوريين.


مزاج المرحلة الراهنة

شهدت مرحلة 1988-1990 كل أشكال الخروج على القواعد والقوانين. ما دفع البلاد إلى صراعات سياسية وعسكرية ودستورية أدت إلى تدمير كل شيء. في ما بعد جاء اتفاق الطائف الذي افترض أنه أرسى بعضًا من التهدئة والقواعد القانونية والدستورية، لكنه لم يطبق، بل ظل خاضعًا لموازين القوى.

حاليًا لا تحكم لبنان أي قاعدة قانونية، إنما تُتنج السلطات وفق توازن القوى اللحظوية، في ظل اختلال كبير في الموازين. وهذا ما ينطبق سياسيًا على كل الاستحقاقات، وأهمها انتخاب رئيس جديد للجمهورية. ويشمل أيضًا الوضع الاقتصادي والمالي.


نيوليبرالية سيئة

في خضم هذه الأزمات، هناك نظرية في لبنان تركز على ضرورة الانحلال الكامل. لذلك تستمر الصراعات والخلافات بلا سعي جدي للعمل على وضع خطّة واضحة للحدّ من الانهيار.

بعض القوى في لبنان يستخدم ما جاء في السياسات النيوليبرالية استخدامًا سيئًا في عناوين ثلاثة أساسية: الخصخصة، وتحرير التجارة، وتفكيك القوانين. وقد يكون هذا الأشد خطورة في ما يتعرض له لبنان في هذه المرحلة، لتقويض فكرة الدولة وقراراتها وإدارة شؤونها في تنظيم مسارها الاقتصادي والاجتماعي. ويتركز الأمر على إلغاء القوانين والقيود التي من شأنها أن تضع ضوابط لإدارة رأس المال، لا سيما الخارجي أو الخاص.


فوضى إسقاط ميقاتي

ويشمل التفكيك المجالات كلها: الدستور على وقع الجدل الدستوري القائم على خلافات سياسية، بين من يؤيد تولي حكومة تصريف الأعمال صلاحيات رئيس الجمهورية، ومن يرفض ذلك. ما يعني وضع الدستور في مهب الريح وإسقاطه، تمهيدًا لطرح تعديله، مع طرح فكرة عقد اجتماعي جديد أو مؤتمر تأسيسي، أو البحث في تعديل النظام.

هذا التفكيك يطال أيضًا عملية تشكيل الحكومة والصراع المفتوح حولها وحول صلاحياتها، بما في ذلك سحب التكليف، أو الدعوة لاستشارات نيابية جديدة. وهذا له طريق واحد: قبول تشكيلة ميقاتي والسعي لإسقاطها في مجلس النواب بعدم نيلها الثقة. عندها يوجه عون الدعوة لاستشارات نيابية جديدة لتكليف شخصية أخرى.


فوضى المضاربات

لذا لبنان أمام خيار من إثنين: إما التمسك بالدستور والقوانين للحؤول دون الانهيار والفوضى الشاملة. وإما التخلي عن كل القوانين والقواعد بذريعة أن الظروف استثنائية، ولا بد من تسيير القوانين باختراقها بما يتلاءم مع مصالح أصحاب مواقع وأصحاب مصالح. وهذا ما يحصل أيضًا في النقاش حول الموازنة: الدولار الجمركي، الكابيتال كونترول، رفع السرية المصرفية وغير ذلك.

النتيجة الاجتماعية لذلك: المجتمع كله ينقاد إلى التلاعب بالمضاربات بالليرة مقابل الدولار. وهذا ما يشمل قطاع التربية والتعليم. فبدل السعي للالتزام بالقانون نظرًا للظروف الاستثنائية، تعتمد آلية التحايل على القانون: دولرة الأقساط المدرسية وإنشاء صناديق.


الفوضى الشاملة

يقود هذا كله إلى تفتيت ما تبقى من قانون وقواعد تحكم آلية عمل المؤسسات. ويصل الأمر إلى الجوانب الثقافية، كما حصل في صيدا مثلًا، لدى الاستعداد لإحياء حفل فني رفضه مشايخ ورجال دين. وفيما من واجب البلدية كسلطة مدنية تطبيق أحكام القانون، أقدمت على إلغاء الحفل، نزولًا عند ضغوط رجال الدين. وهذا يتعارض مع مبدأ القوانين المدنية.

وفي الجانب الثقافي، لا بد من التعريج أيضًا على التحلل الاجتماعي الذي يكرس مبدأ الثأر أو الصراعات القبلية والعشائرية، والتعديات الذكورية على النساء.

إنها الفوضى الشاملة. وبدل ضرورة التفاوض لإنهاء هذا الواقع استنادًا إلى الدستور، يتجه الوضع إلى التخلي عن العقد الاجتماعي والقانوني أو الدستوري، لتوسيع مسار الفوضى، الذي يقود بوضوح إلى انهيار ليس من السهل الحدّ منه أو وقف مساراته، ولا رسم مسارات جديدة للخروج منه في ما بعد.

تعليقات: