شكوك بإخفاء معلومات لتعطيل التحقيقات الجنائية (علي علوش)
بعد مضي أسبوع كامل على انطلاق مهمتها في أعماق البحر، بحثًا عن المركب الغارق قبالة شاطئ طرابلس، توقفت الغواصة الهندية عن عملها، بعدما بلغ فريقها مرحلة اليأس من إمكانية انتشاله. وتتحدث معطيات "المدن" عن تقرير نهائي يعمل كابتن الغواصة سكوت واترز على إعداده، وتسليمه للجيش اللبناني والنائب أشرف ريفي، قبل مغادرة لبنان، فيما تسود حالة من الغضب لدى أهالي المفقودين، الذين يطالبون بتسلم رفات أبنائهم أو حتى قطع من ثيابهم بأي ثمن. توازيًا، لجأ 11 محاميًا بتوكيل عن أربعة من أهالي المفقودين إلى التصعيد ضد الرواية الرسمية التي يقدمها الجيش حول عمل الغواصة وظروف تموضع المركب.
إنجاز المهمة
يعتبر فريق الغواصة أنه أنجز مهمته كاملة وبالفترة التي حددها على مدار أسبوع لاستئجارها. وتمكن هذا الفريق، بأقصى إمكانياته المتاحة، أن يحدد مكان المركب بعمق 459 مترًا وعلى مسافة 130 مترًا من مكان غرقه، وأن يلتقط صورًا له وينقل مشاهداته من محيط غرقه.
ويقول النائب أشرف ريفي لـ"المدن" إنها لا تملك إمكانيات استخراج المركب لأنه مغروس بمواد طينية، ويحتاج لوسائل وتقنيات عالية أخرى وباهظة الثمن، غير متوفرة لدى فريق الغواصة.
وفي بيان توضيحي، قال ريفي الاثنين إن الغواصة أنجزت المهمة في جزئها الأول، حيث تم تحديد مكان المركب، أما انتشال المركب الذي غرز عميقاً في قعر البحر، فيحتاج إلى معدات أكثر قدرة مما وفرنا.
وطالب ريفي الدولة وأجهزتها باستكمال المهمة، حيث كان يفترض أن تبدأ بها بالأساس ومنذ اللحظة الأولى للكارثة، وفق تعبيره. وتوجه للأهالي قائلًا: ومع الأسف والاعتذار لأن ما أردناه لم يتحقق إلا جزئياً، بسبب ضعف إمكانياتنا.
كما أوضح نائب طرابلس أن فريق عمل الغواصة يعمل حاليًا على توثيق كل مشاهداته وملاحظاته طيلة رحلة الغوص، إضافةً إلى الصور والفيديوهات، وأنه سيضع هذه المعلومات بين أيدي أهالي المفقودين.
وحسب معلومات "المدن"، تمكنت الغواصة من النزول خمس مرات بأعماق البحر، وعلقت عملها منذ صباح الأحد 28 آب.
تصعيد المحامين
يجد خبراء أن انتشال المركب أضحى مهمة صعبة للغاية بظل ضعف الإمكانيات في لبنان، ما قد يدفع السلطات إلى إبقائه في عمق البحر على قاعدة جثامين المفقودين تحولت لرفات وتحللت.
لكن الأهالي، وكذلك المحامين عن الوكلاء، يجدون أن هذا المركب بمثابة أقوى قرينة لتحديد ظروف غرقه. وكذلك لتحديد مسارات التحقيقات شبه المعطلة، بعد الاتهامات التي وجهت لنحو 13 عسكرياً، بينهم الضابط فواز الدهيبي، كانوا على متن زوق القوات البحرية التابع للجيش الذي قام بمطاردة المركب.
مذكرة المحامين
وصدر مساء الاثنين، مذكرة عاجلة إلى نيابة العامة العسكرية في بيروت من قبل 11 محاميًا عن الوكلاء، وهم المحامون والمحاميات: ديالا شحادة، محمد صبلوح، جاد طعمه، واصف الحركة، شوكت حولا، علي عباس، نجيب فرحات، زين علّاو، عروبة الحركة، مريم بوتاري وبثينة بيان.
وفندت المذكرة ملاحظاتها على المؤتمر الصحافي المشترك الأخير برعاية قيادة أركان البحرية العسكرية في الجيش اللبناني لعرض نتائج عمل فريق الغواصة الهندية في مرفأ طرابلس ("راجع المدن"). وأبرز ملاحظات المحامين حوله:
- إجراء المؤتمر من دون حضور مترجم محلّف لتمكين الإعلام غير المتحدث بالإنكليزية من طرح أسئلته مباشرة على ربان الغواصة الكابتن سكوت والترز، الذي أدلى بمعلومات تشكل أدلة وقرائن جنائية مهمة لمسار القضية.
- التنديد بقرار منع أهالي الضحايا وخصوصاً الناجين منهم من حضور المؤتمر، ما خلق لديهم الإحساس بإقصاء متعمد لهم عن مسار التحقيقات ومجريات عملية البحث عن المفقودين.
- في بداية المؤتمر أوضح رئيس فريق الغواصة الكابتن سكوت والترز بأن عملية البحث تمّ تصويرها وتوثيقها بجودة عالية جداً (4K) إلا أنه لم يتم عرض أي من هذه الصور عالية الدقة خلال المؤتمر، وإنما عرضت صور مختلفة غير دقيقة، أوضح الكابتن أنها غير الصور الدقيقة المُشار إليها في كلمته؛ وقد أكد الكابتن في كلمته وجود ضربات وعلامات اصطدام واضحة في مقدمة المركب الغارق، وشرح بأن عدد الجثث التي تم العثور عليها لا يتجاوز ربع إلى ثلث عدد الركاب المفقودين، فيما ألمح قائد أركان البحرية العسكرية العقيد هيثم ضناوي إلى احتمال عدم انتشال المركب (!) بذريعة أن الجثث الموجودة فيه قد تتفتت إلى أشلاء.
- خلال المؤتمر، تم الإعلان عن نية توجيه طلب إلى سماحة مفتي الجمهورية من أجل حسم مسألة انتشال الجثث التي عثر عليها بداخله، وما إذا كان يجوز انتشالها بهدف إقامة الحداد عليها برغم إمكانية تلف (تفتّت) بعضها إلى أشلاء، فيما أن القرار في هذه المسألة يعود إلى أصحاب الحقوق المشروعة أي أهالي الضحايا وحدهم دون غيرهم.
- لم يحسم المؤتمر مسألة انتشال المركب الغارق بهدف الكشف عليه جنائياً، علماً أنها نقطة لا تقلّ أهمية لدى الناجين وأهالي الضحايا عن انتشال جثث ضحاياهم الغارقين مع المركب. وتوجه المحامون للنيابة العامة العسكرية بالقول: "إننا على قناعة بأن نيابتكم الكريمة لا يمكن أن تقبل بإجهاض عملية انتشال المركب وتعطيل التحقيقات الجنائية في هذه القضية استطراداً، بذريعة فتوى منتظرة من مرجع ديني تغيّب إرادة أصحاب الحقوق وأهالي الضحايا المتضررين الحقيقيين من هذه الفاجعة الاستثنائية".
وبناء عليه، طالب المحامين في مذكرتهم التي اطلعت عليها "المدن"، بالموافقة على طلباتهم العاجلة قبل احتمال مغادرة فريق الغواصة الهندية والكابتن سكوت الأراضي اللبنانية، علما أن دورهم محوري لاستكمال التحقيقات الجنائية الجارية في هذا الملف.
ولخصوا طلباتهم بالآتي: أولًا، تعيين جلسة للاستماع إلى كابتن الغواصة، بصفته خبيرًا رئيسيًا في هذه القضية، بحضور المدعين/الشاكين الناجين و/أو ممثليهم القانونيين، بهدف تدوين مشاهداته وإفادته في محضر التحقيقات كدليل جنائي مهم وحاسم، وتكليفه تسليم نسخته من التقارير والبيانات والصور والفيديوهات التي أكد أنه التقطها بنفسه لعملية البحث والغوص بنسخها الكاملة الأصلية من دون تقطيع أو مونتاج.
ثانيًا، تمكين المحامين الموكلين بالاطلاع على جميع المستندات الموجودة في الملف.
ثالثا، تسطير كتاب إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر وغيرها من المنظمات الدولية ذات الخبرة في عمليات انتشال الجثث، طلباً لإبداء رأيها ومساعدتها التقنية حول كيفية انتشال الجثث، وذلك في ضوء خبرتها الدولية المكثفة في هذا المجال.
رابعًا، اتخاذ كل ما يلزم من أجل التعجيل بانتشال المركب الغارق والكشف عليه جنائيًا من قبل خبراء دوليين محايدين.
ومع ذلك، تخشى أوساط المحامين وكذلك الأهالي من عدم الاستجابة لكل هذه المطالب والضغوط، وفرض بقاء المركب غارقًا مع رفات أكثر من 30 مفقودًا كأمر واقع بذريعة عدم توفر الإمكانيات اللوجستية والمادية لانتشاله.
تعليقات: