لم يتبق إلا لجوء الدبلوماسيين إلى الإضراب والتظاهر أو إقفال السفارات نهائياً (علي علوش)
في انتظار تحرك الدبلوماسيين اللبنانيين في الخارج وتنفيذ إضراب تحذيري، يعقبه إضراب مفتوح، بعدما بحت حناجرهم في الكواليس لتلقي رواتبهم، لم يبق إلا أن يطرد أصحاب الشقق أفراد البعثة الدبلوماسية من سفاراتهم ومنازلهم كي يستفيق الرؤساء الثلاثة، ويعملوا على حل للأزمة المتفاقمة منذ بداية العام الحالي. فمنذ ثمانية أشهر لم تحوَّل النفقات التشغيلية للبعثات الدبلوماسية، والتي تشمل بدلات إيجار الشقق والمباني التي تستخدم كسفارات وقنصليات عامة، ومنذ أربعة أشهر لم يتلق الدبلوماسيون رواتبهم، ولم يتحرك المسؤولون لحل هذه الأزمة التي تضر بسمعة لبنان.
مصرف لبنان
وزير الخارجية عبدالله بو حبيب يعمل منذ أشهر على حل هذه المشكلة. لكن ربما لم يعد أمامنا إلا أن نستفيق ونشهد فيديوهات مصورة عن إخلاء مبنى سفارة هنا أو هناك وطرد السفراء منها ورمي الأثاث في شوارع كبرى العواصم بسبب عدم دفع بدل الإيجار، كي يقرر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تحويل الأموال بالعملة الصعبة.
إلى أزمة عدم تحويل النفقات التشغيلية للبعثات الدبلوماسية منذ ثمانية أشهر، لم يحول مصرف لبنان رواتب الدبلوماسيين منذ أربعة أشهر، تؤكد مصادر دبلوماسية لـ"المدن". وانضم الدبلوماسيون الذين لم يتلقوا رواتبهم إلى الموظفين المحليين في البعثات، الذين لم يتلقوا رواتبهم منذ ثمانية أشهر. ففي السابق كانت تدفع البعثات الدبلوماسية النفقات التشغيلية ورواتب الموظفين المحليين من خلال فواتير ترسلها وزارة الخارجية إلى وزارة المالية، ثم مصرف لبنان لتحويلها إلى العملة الصعبة.
الامتناع عن تأمين الدولار
تعيش البعاث على دفع هذه المصاريف من حساب النفقات أو تطلب من وزارة الخارجية سلفة أو من حساب الواردات. وعادة ترسل الخارجية الفواتير إلى وزارة المالية والأخيرة تحولها إلى مصرف لبنان لتأمين العملة الصعبة. ويشمل حساب النفقات في البعثات النفقات الإدارية (كهرباء وماء ولوجستيات وصيانة) ونفقات بدلات إيجارات السفارات والقنصليات والنفقات الجارية مثل رواتب الموظفين المحليين.
وزارة المالية لا تدفع إلا بالليرة اللبنانية، تقول مصادرها، ومصرف لبنان هو المسؤول عن تحويل أموال النفقات إلى العملة الصعبة. لكن الأخير امتنع عن تحويل الأموال. وبات لبنان مهدد بدبلوماسييه وحضوره الخارجي. إذ لم يتبق إلا لجوء الدبلوماسيين إلى الإضراب والتظاهر لتحويل رواتبهم.
ميزانية أقل من رحلات الاستجمام
يعلم الدبلوماسيون أن لبنان يعيش بأزمة وجودية وأن السفارات ليست في جزيرة معزولة، لكن أن تعجز الدولة عن دفع نحو 40 مليون دولار، كلفة البعثات من ضمنها رواتب الدبلوماسيين، فهذا يعني أن لبنان بات ليس دولة فاشلة وعاجزة فحسب، بل دولة لا داعي أن يكون لها أي تمثيل سياسي أو دبلوماسي أو تجاري في الخارج. فهذه الميزانية البسيطة، لا تحسب أمام نفقات بعض المسؤولين بملايين الدولارات على رحلاتهم الاستجمامية أو السياسية لتمثيل لبنان في مؤتمرات أو لقاءات في الخارج. هذا فيما كلفة البعثات الدبلوماسية (80 بعثة، تشمل نحو 13 قنصلية وثلاث بعثات دبلوماسية، والباقي سفارات) كانت فقط 80 مليون دولار، تشمل الكلفة التشغيلية ورواتب الدبلوماسيين والموظفين المحليين ودور السكن (لرؤساء البعثات الدبلوماسية وليس لجميع الدبلوماسيين)، وتم تخفيضها إلى نحو النصف.
تقليص النفقات
قد يكون تأخر وزارة الخارجية في إقرار مرسوم تخفيض بدلات الدبلوماسيين إلى شهر تموز الفائت من الأمور التي فقامت عجز لبنان في الإنفاق على حضوره الخارجي. وربما كان يجب إصدار هذا المرسوم الذي خفض بدلات الدبلوماسيين بمعدل وسطي وصل إلى نحو 30 بالمئة، بحسب كل دولة وحجم التمثيل فيها، منذ عام، لتلافي تفاقم الأمور. لكن وزراء الخارجية منذ مجيء شربل وهبي بدأوا بخطوات كثيرة لتقليص النفقات من خلال تخفيض بدلات الإيجارات، سواء عبر التفاوض مع المؤجرين أو من خلال نقل مكان السفارات إلى مباني أقل كلفة. كما أنه منذ أكثر من سنتين توقف التدرج الوظيفي والتوظيف، ودخلت الخارجية حقبة عصر النفقات لتخفيض العجز بالعملة الصعبة. وقد عمل الوزير الحالي عبدالله بو حبيب إلى جانب خفض بدلات الدبلوماسيين على رفع الرسوم القنصلية إلى أكثر من أربعين بالمئة. لكن هذا الإجراء ليس كافياً لسد عجز الميزانية. فلا يوجد دولة واحدة في العالم تستطيع سد حساب نفقاتها من خلال حساب وارداتها من البدلات القنصلية.
في ملعب الحاكم
مصادر وزارة الخارجية أكدت أنها تقوم بواجباتها. فرداً على مصادر مصرف لبنان التي تؤكد أن المشكلة في الخارجية لا في المصرف، أكدت مصادر الخارجية أن الوزارة تقوم بتحويل النفقات إلى وزارة المالية التي تحولها إلى مصرف لبنان لتأمين الدولارات. وبالتالي الطابة في ملعب الحاكم الذي يرفض منذ مطلع العام تأمين المبالغ المطلوبة.
وإلى حين إفراج الحاكم عن أموال البعثات والدبلوماسيين يسأل الأخيرون: ما هي المشكلة التي تعيق تحويل رواتب الدبلوماسيين والكلفة التشغيلية للبعثات؟ هل هي في مصرف لبنان أم في وزارة المالية أم مشاكل سياسية بين الحاكم وجبران باسيل وميشال عون؟ فالبعض يعتقد أن "الخارجية" للتيار العوني ويمكن الضغط على العونيين من خلال حرمان السفارات والدبلوماسيون من مصادر عيشهم. وفي حال وصلت الأمور إلى هذا الدرك فهذا يعني أن لبنان بات تحت القعر.
الدبلوماسيون ينفقون منذ أشهر بدل سكنهم والتأمين صحي والمدارس ومعيشتهم من مدخراتهم ولم يتوقفوا عن العمل. لكنهم باتوا يفكرون في تنفيذ إضراب تحذيري. ويسألون إذا كانت المشكلة في افلاس الدولة وهي غير قادرة على دفع نحو 40 مليون دولار سنوياً لتمثيل لبنان في الخارج. ففي هذه الحالة على المسؤولين أخذ القرار لكيفية تمثيل لبنان وحجمه. ففي حال كانت الدولة غير قادرة على هذه النفقات عليها أقله وضع خطة لكيفية اقفال بعض السفارات، رغم أن لبنان بحاجة لافتتاح المزيد من السفارات لا إقفال الحالية. غير ذلك يجب على المسؤولين العمل لتدارك حجم هذه الفضيحة.
تعليقات: