يتخبط لبنان الرسمي أمام أكثر من خطة لعودة السوريين إلى بلادهم (Getty)
ظهرت أولى تداعيات انفجار الأزمة بين وزير المهجرين عصام شرف الدين مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ومن خلفه وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار، على خلفية ملف عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
وهكذا، يقف لبنان المتخبط رسميًا أمام أكثر من خطة لعودة السوريين إلى بلادهم. أولها، خطة الوزير شرف الدين، التي زار سوريا على إثرها منتصف آب لترتيب عودة 15 ألف لاجئ شهريا، ووضعها حينها بالإطار الرسمي، وأنه ذهب بتكليف من رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة ميقاتي. وثانيها، خطة لم يعلن عن تفاصيلها بعد، تعدها اللجنة الوزارية المعنية بملف النازحين، وعلى رأسها الوزير حجار، بعدما تبرأ ميقاتي عبر اللجنة من خطة شرف الدين.
وحسب معلومات "المدن"، شهد السراي الحكومي اجتماعًا الاثنين الفائت للجنة الوزارية المعنية بملف النازحين، لم تتم دعوة شرف الدين إليها، في استبعاد واضح له عن الملف، واقتصرت على الوزراء المعنيين باللجنة برئاسة ميقاتي.
وفيما تنفي اللجنة الوزارية الصفة الرسمية عن خطة الوزير شرف الدين، يمضي الأخير بها من دون أن يكترث لذلك، ويستند إلى تنسيقه مع سلطات النظام السوري من جهة، ومع مديرية الأمن العام في لبنان من جهة أخرى. وعلى قاعدة أن كل ما يفعله يندرج ضمن إطار العودة الطوعية، "إذ لا يمكن انتظار لجنة مكتوفة الأيدي، ورئيس حكومة يخاف من ضغوط مفوضية اللاجئين والدولة الأجنبية المانحة، مراعاة لمصالحه أولًا"، وفق حديث شرف الدين لـ"المدن".
لائحة بـمئة عائد!
وفي سياق خطواته العملية، أعلن وزير المهجرين أن الخطوات العملية لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم ستبدأ الأسبوع المقبل.
ويقول، إن أول قافلة ستنطلق قريبًا من لبنان نحو سوريا، ويطلعنا على لوائح تضم نحو مئة اسم لسوريين لاجئين يريدون العودة "فور سماعهم بالتسهيلات التي سنقدمها بالتعاون مع السلطات السورية"، وفق تعبيره.
وحسب ما يكشف الوزير لـ"المدن"، فإن أول قافلة للعائدين ستضم سوريين من القلمون الغربي التي تقع في الشمال الغربي من مدينة دمشق.
أما آلية العودة التي ينظمها، فهي وفق التالي، حسب الوزير: "تذهب اللوائح التي أقدمها للأمن العام اللبناني، والأخير يرسلها إلى وزارة الداخلية في سوريا للتدقيق بالأسماء، بعدها يوفرون التسهيلات اللازمة، ثم يرسلون الموافقة لإعادتهم بالقافلة". وفي حال وجود أي حالة خاصة، "حتى لا يواجه العائد أي مشكلة عند الحدود، سيتم تبليغه ذلك".
480 مركز إيواء
ويعتبر شرف الدين أنه يتحدى بخطته كل العراقيل التي وضعها له ميقاتي بعد عودته من سوريا، وكل الضغوط الدولية، ويقول: "أنا أعمل ضمن صلاحياتي، وملف العودة يجب التنسيق فيه بين الجانبين اللبناني والسوري، سبق أن عرضنا على مفوضية اللاجئين إنشاء لجنة ثلاثية لكنها لم تستجب لمطلبنا، ورغم ذلك سنمضي بما يعود لمصلحة لبنان".
ويسترجع شرف الدين مضمون زيارته مع وزير الإدارة المحلية السوري حسين مخلوف ووزير الداخلية محمد الرحمون، مذكرًا أنهما أبلغاه بوجود نحو 480 مركز إيواء شاغراً لاستقبال نحو 220 ألف سوري، ستوفر لهم الدولة السورية التقديمات والتسهيلات اللوجستية والمعيشية، على حد قوله. ويقول إنه يمضي بما طلبه منه الجانب السوري، لجهة تقديم إحصاءات بالمخيمات لإعادة كل أبناء منطقة محددة بصورة منفصلة.
وقال الوزير إن المديرية العامة للأمن العام ستنفح 17 مكتبًا لاستقبال طلبات السوريين الذين يريدون العودة مع مكتب مستقل في عرسال.
تملص حكومي؟
تنفي مصادر اللجنة الوزارية المتابعة لملف النازحين لـ"المدن" أن تكون معنية بالإجراءات التي يتخذها الوزير شرف الدين مع الأمن العام، معتبرة أنها غير معنية بصفة رسمية، وأنها منكبة على وضع خطتها التي تسعى عبرها "تنفيذ القوانين اللبنانيين علي السوريين" لتشمل العودة كل من لا تنطبق عليه القوانين اللبنانية، عمليًا ولوجستيًا وأمنيًا، ولجهة حرية التحرك بين لبنان وسوريا. وتضع المصادر خطوات شرف الدين بالإطار الشعبوي بعدما استبعده ميقاتي من اللجنة.
في حين، يحمّل كثيرون رئيس الحكومة مسؤولية كل ما يجري، من زيارة شرف الدين إلى سوريا إلى ما بلغه انقسام اللجنة وعملها. وهو حتى الآن، لم يعلن بشكل رسمي موقفه من خطوات شرف الدين ويكتفي بالإيماءات غير المباشرة.
وفي الحالتين، مع شرف الدين أو اللجنة الوزارية، يدفع التخبط الرسمي بالملف للسؤال: من يحرك فعليًا وعمليًا قوافل العودة من لبنان إلى سوريا؟ وكيف ستتنامى حركة هذه العودة بظل رفض الجهات الدولية لها بالأسابيع الأخيرة من عهد الرئيس عون، ومع إقبال لبنان على الفراغ؟
في هذا الوقت، من المرتقب تصاعد الأصوات الحقوقية داخليًا وخارجيًا التي تحذر من مخاطر العودة، في ظل الاجماع – الذي تتنكر له السلطات اللبنانية- أن سوريا ليست آمنة. في حين يرتكز لبنان الرسمي بخططه إلى عدم توقيعه على اتفاقية اللجوء الدولية سنة 1951، وتاليًا يعتبر نفسه غير مجبر بها، وهو يجعله مصرًا، على تسمية السوريين بالنازحين وليس اللاجئين.
شروط العودة وبيان الأمن العام
وتجدر الإشارة إلى أن معظم السوريين في لبنان يتحدرون من مناطق معارضة للنظام، مثل حلب وحمص والسويداء وإدلب وريف دمشق وحماه ودرعا وجميعها تفتقر للبنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأمنية كشروط للعودة.
ويرى حقوقيون أن كل عودة لا تندرج ضمن مراقبة وخطة أممية شاملة لن تكون آمنة، خصوصًا أن كثيرين عادوا، إما اختفوا، أو سجنوا، أو عذبوا، أو أجبروا على الخدمة العسكرية، التي تشكل الهاجس الأكبر للسوريين الذين يرفضون العودة.
وفي السياق عينه، يستند الوزير شرف الدين باللوائح التي يحضرها، إلى ما أعلنته المديرية العامة للأمن العام في لبنان، الخميس 1 أيلول. وقالت أنه بإطار متابعة موضوع النازحين السوريين الراغبين بالعودة الطوعية إلى بلداتهم، تعلن المديرية العامة أنها ستستأنف تأمين العودة الطوعية من لبنان إلى الأراضي السورية. وأنه سيتم استقبال الطلبات من الاثنين حتى الجمعة من كل اسبوع بين الساعة الثامنة صباحًا ولغاية الساعة الثالثة.
وأضافت في بيانها: "يمكن للراغبين بالعودة الطوعية البدء بتقديم الطلبات اعتبارًا من يوم الاثنين الواقع فيه 05/09/2022 في دوائر الأمن العام الاقليمية المنتشرة على كافة الأراضي اللبنانية خلال الدوام الرسمي، وسيصار إلى تسوية أوضاع المغادرين مجانًا فور المغادرة".
تعليقات: