الحافلة التي استهدفها التفجير في طرابلس أمس
شكل 13 آب "تاريخاً" لتطورين متناقضين وضعا لبنان امام مفترق معقد وغامض. فالتفجير الارهابي في طرابلس صباح امس ايقظ المخاوف من موجة ارهابية جديدة تهدف الى زعزعة الامن والاستقرار من خلال الاستهداف الواضح للجيش. والثمرة الاولى لزيارة رئيس الجمهورية ميشال سليمان لدمشق، باعلان سوريا ولبنان اقامة علاقات ديبلوماسية بينهما، فتحت الباب امام صفحة جديدة بين البلدين نظراً الى "تاريخية" هذه الخطوة غير المسبوقة في علاقاتهما التي شابتها تجارب موغلة في السلبية والقطيعة في السنوات الاخيرة.
وفي انتظار استكمال نتائج القمة بين الرئيس سليمان والرئيس السوري بشار الاسد اليوم وما يمكن ان تحقق من نتائج في الملفات الاخرى المدرجة في جدول اعمالها، أثقل تفجير طرابلس على الحكومة التي فوجئت غداة نيلها ثقة مجلس النواب بالتحدي الارهابي الذي ضرب في طرابلس موقعا 14 قتيلاً تسعة منهم من العسكريين ونحو 50 جريحا. واتسم هذا التفجير بخطورة بالغة نظرا الى اختيار مكانه في وسط طرابلس في ساعة الذروة الصباحية لايقاع اكبر عدد من الضحايا. كما ان توقيته استرعى الانتباه نظرا الى تزامنه مع مجموعة تطورات مهمة من ابرزها زيارة الرئيس سليمان لدمشق، وانطلاق الحكومة في عملها غداة نيلها الثقة، وتعزيز الخطوات التي يتخذها الجيش في طرابلس لمعالجة الاشتباكات بين باب التبانة وبعل محسن.
وحيال هذه الاستهدافات الخطيرة للتفجير، علمت "النهار" ان الاتصالات التي اجريت قبيل توجه الرئيس سليمان، الى دمشق، وبعد وصوله اليها، ادت الى اتفاق بين المعنيين على عقد اجتماع للمجلس الاعلى للدفاع مساء اليوم، عقب عودة الرئيس سليمان الى بيروت من دمشق. وافادت المعلومات ان ثمة اتجاها الى اتخاذ خطوات استثنائية او القيام بتحرك يكون على مستوى هذا التحدي الارهابي لتحصين الامن، ومواجهة احتمال وجود مخطط لزعزعة الاستقرار برزت ملامحه مع تزامن تفجير طرابلس ومجموعة تفجيرات تلاحقت اخيرا في مخيم عين الحلوة فضلا عن عودة ظاهرة رمي القنابل ليلا بين التبانة وبعل محسن.
وقد سقط في انفجار طرابلس العدد الاكبر من الضحايا في سلسلة التفجيرات التي شهدها لبنان منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005. وهو التفجير الثاني يستهدف حافلة للركاب بعد تفجير حافلتين في عين علق في شباط 2007.
وتبين ان العبوة الناسفة وضعت قرب حافلة للركاب تعمل بانتظام بين طرابلس والجنوب وتنقل عسكريين. وقدرت زنة العبوة بكيلوغرامين ودست بين حقائب الركاب على مسافة اربعة امتار على الاكثر من الحافلة المستهدفة. وتبين ايضا ان جميع العسكريين والمدنيين الذين قتلوا كانوا يقفون خارج الحافلة على الرصيف في شارع المصارف في انتظار انطلاقها. وقد ادعى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي جان فهد الذي كشف على مكان الانفجار على مجهول وعلى كل من يظهره التحقيق بجرم الاعتداء على امن الدولة الداخلي والقيام بأعمال ارهابية وتفجير عبوة ناسفة في حافلة مدنية مما ادى الى سقوط عدد من القتلى والجرحى وألحق الضرر بالمباني والسيارات والمنشآت العامة والخاصة والطرق العامة. واحيل الادعاء على قاضي التحقيق العسكري المناوب مارون زخور الذي انتقل بدوره الى طرابلس وعاين مكان الانفجار وباشر تحقيقاته ميدانيا، وجرى الاستماع الى افادات عدد من الشهود.
واعلن رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة مساء امس "الحداد العام على ارواح الشهداء الضحايا من عسكريين ومدنيين "الذين سقطوا في التفجير الارهابي و"لذلك يتوقف العمل مدة ساعة اعتبارا من الساعة الثانية عشرة ولغاية الأولى ظهر الخميس (اليوم) على جميع الاراضي اللبنانية". وطلب في مذكرته من جميع اللبنانيين "الوقوف مدة خمس دقائق من الأولى ظهراً حيثما وجدوا استنكاراً لهذه الجريمة النكراء وتعبيراً لبنانياً وطنياً شاملاً ضد الارهاب والارهابيين وتضامناً مع عائلات الشهداء الأبرار والجرحى وعائلاته.
----------------------
14 شهيداً بينهم 9 جنود وعشرات الجرحى في عبوة امام تجمع حافلات
الجيش: استغلال لسجالات حادة تضمن بعضها تنكّراً لتضحيات المؤسسة
استهدف الجيش ولبنان امس بضربة ارهابية قاسية سقط فيها تسعة شهداء من الجنود ونحو خمسة مدنيين، إضافة الى اكثر من 35 جندياً ونحو 25 مدنياً اصيبوا بجروح بعضها خطر. وأجمعت كل القوى على ان هذه الجريمة الكبرى تشكّل رسالة دموية الى رئيس الجمهورية الذي يحزم ملفاته استعداداً لزيارة دمشق عبر الجيش الذي قاده طويلاً، ورسالة أخرى الى الحكومة التي نالت الثقة قبل ساعات من موعد الانفجار. وكان اجماع على ان تضع الحكومة في أعلى سلم أولوياتها معالجة الوضع الأمني وضبط البلد وتأمين سلامته المعرّض كل دقيقة للارهاب وزعزعة الاستقرار وضرب الامن.
جاء الانفجار بعد ليل سادته اجواء التوتر في مدينة طرابلس، وتوقع كثيرون عودة الاشتباكات بين مسلحي جبل محسن وباب التبانة بعد افتعال مكشوف لحادثة اخلاقية وامنية. وجاءت المفاجأة للجميع من قلب المدينة نحو الثامنة الا عشر دقائق صباحاً، اذ انفجرت عبوة في شارع مكتظّ بالمارة والسيارات وتحديداً عند سياج مرأب عمومي للسيارات تقف داخله وقربه عند الرصيف حافلات "فان" تنقل جنوداً ومواطنين نحو أعمالهم، كل صباح من طرابلس الى مراكزهم العسكرية في بيروت والمناطق الاخرى، مما يؤكد اهداف الاعتداء، خصوصاً ان التحقيق العسكري والقضائي تعرف على مواصفات شخص اعطاها شهود وذكروا انه كان ينقل في يده حقيبة "سامسونايت" وضعها قرب حاجز المرأب الشبك على مقربة من حافلة "فان" مليئة بالركاب وأخرى متوقفة قبالتها تنتظر ركاباً كانوا يتوافدون على الرصيف للالتحاق بها.
وفور دويّ الانفجار سارعت قوة كبيرة من عناصر الجيش والدرك والادلة الجنائية والدفاع المدني والصليب الاحمر وتم نقل الجرحى وجثث الضحايا الى المستشفيات. كذلك حضر المدعي العام العسكري جان فهد وقاضي التحقيق العسكري مارون زخور الذي امر بابعاد الناس عن موقع الانفجار حفاظاً على الادلة التي منها حفرة بعمق 50 سنتيمتراً. وتبين ان الانفجار ناتج من عبوة مزنرة بالمسامير وزنها نحو كيلوغرامين من مادة شديدة الانفجار. وتم الاستماع الى بعض افادات الجرحى وخصوصاً ناطور الكاراج.
وأمر المدعي العام العسكري بتحويل السير عن الشارع الذي دوّى فيه الانفجار، كذلك طلب من رجال الادلة الجنائية الاستعانة بالكلاب البوليسية لفحص السيارات المتوقفة في الشارع والشوارع القريبة للتأكد من عدم وجود عبوة كانت عادة المرتكبين تفجيرها فور تجمع الناس في مكان الانفجار الاول.
وتسلمت مخابرات الجيش أشرطة عن جميع كاميرات التصوير المركزة في المصارف في هذا الشارع الذي يضم اكثر من عشرة فروع للمصارف، بغية التعرف على هوية الجناة الذين وضعوا الحقيبة تبعاً للمواصفات التي اعطاها الشهود والجرحى للشخص الذي كان يحملها. وعلم انه شاب في حدود الـ 27 او 28 من عمره، اسمر طويل شعره مجعّد ويلمع بمستحضر الجل.
شهداء واصابات
وقد تعذر حصر اسماء شهداء الجيش والضحايا المدنية بسبب تشوّه عدد من الجثث واحتراقها.
وتبين من سجلات المستشفيات وجود جثامين لشهداء الجيش وهم: محمود ابو بكر، فواز خلف، محمد رياض الحسين، وعمر خضر العيشة، وعبد الحميد زريقة، وحبيب الياس بطش، محمد علي العمري، اضافة الى جثة تم جمع اشلائها تبين انها تعود الى شخص من عائلة كنجو، ومصطفى العشي، وسائق احد الباصين ضياء ياسين.
اما جرحى الجيش فعرف منهم: شربل جرجس، كيروز خليل كيروز، عماد الشعار، زياد عبدالكريم، عقاب علي ابرهيم، احمد الايوبي، عبد الحميد عوض، محمد الحص، محمد الدهيبي، منذر خضر، كفاح حمادة، جمال حبشيتي، بلال عيسى، وائل حنا، حسين الزعبي، خضر شديد، محمود عوض، علي عبد الكريم، توفيق خضر، جرجي حنا جرجس احمد علي هدول، علاء موسى العبد وعلي احمد سعد، محمود محمد العبد ربيع علي خالد، خالد اسعد مصطفى، علاء كيروز، خضر محمد بحري، خالد عبد الله، محمد حمود، احمد الحسين، محمد خضر سيف، ربيع نجيب، هيثم قاسم، محمد مرعي، محمد حيدر، ربيع الدهيبي، ربيع الكك.
وعرف الجرحى من المدنيين سائق "الباص" الاخضر اسعد درويش، سائق "الباص" الابيض ضياء ياسين الذي توفي ظهرا، وكل من زكريا السعيد واحمد العلي ومحمود حمود وطلال شبيب ومصطفى العشي ونبيل الشامي ومحمد سليمان ورشاد نشابة وعبد الحليم بدرة، ومحمد البب.
اجتماع امني
وبعيد الظهر وصل الى المدينة وزير الداخلية والبلديات زياد بارود يرافقه عدد من الضباط، وعقد فور وصوله الى سرايا طرابلس اجتماعا امنيا في مكتب قائد منطقة الشمال الامنية العميد علي اللقيس حضره جميع قادة السرايا في الشمال ورؤساء المفارز الجنائية والامنية والتحري. واطلع على المعلومات المتوافرة عن الجريمة ثم انتقل الى مكتب محافظ الشمال ناصيق قالوش يرافقه القادة الامنيون.
وبعد اللقاء رد على اسئلة الصحافيين فقال: "جئت الى هنا لأقول ثلاثة اشياء: الاول للتضامن التام مع شهداء الجيش والضحايا المدنية البريئة والجرحى في آلامهم. ثانيا: هذا الموضوع لا يعني اي طرف لبناني، وفي السياسة مهما كانت خلافاتنا، فهذه الجريمة تطول بالضرر كل لبنان واللبنانيين، وهذا ما يدعونا الى الوحدة اكثر لمواجهة ما يحصل. فالارهاب مضر بالجميع بدون استثناء لذلك اعتقد بوجود تضامن بين تلك الافرقاء السياسيين بدليل التصريحات التي سمعناها من الجميع رافضين هذا الاسلوب في التعامل مع اللبنانيين.
ثالثا، لن انتقل الى مسرح الجريمة احتراما لدور الادلة الجنائية. فقد جرى تطوير وسائل القوى الامنية وهي في حاجة الى الكثير ليتم التعامل مع الجرائم بصورة علمية تحفظ الدولة ولا تشوهها.
وهناك تنسيق بين الادلة الجنائية ومختلف الاجهزة الامنية والعسكرية وتحديدا بين الجيش وقوى الامن الداخلي. وهو تنسيق كامل ممكن ان يؤدي الى نتائج افضل. ولن اتحدث عن اي تفصيل حول الادلة والتكهنات. فالموضوع متروك للقضاء والاجهزة الامنية التي تقوم بعملها. وعندما تظهر النتائج سنحيط الرأي العام بها.
ونحن سنعمل بهدوء ونترك اصحاب الاختصاص يقومون بعملهم".
وشدد بارود على انه وجميع اجهزة الدولة يعملون "بكل جدية حول هذا الاعتداء الارهابي". ولفت الى مقررات مجلس الامن المركزي الذي عقد في 5 آب، مشيرا الى ان جميع الامور ستستكمل بناء على توجيهات رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، "فالجريمة ارهابية بامتياز وهي هجمة عدوانية واضحة ولا يجوز التعامل معها الا بالجدية وبالمستوى المطلوب".
وعن استمرار الانتهاكات بعد وقف النار بين التبانة وجبل محسن قال: "نحن نتعامل مع الموضوع انطلاقا من هذا التصميم على معالجة الامن بكل الجدية المطلوبة. والملف الامني موضوع على الطاولة ولن نتحدث عنه في الاعلام. ان طرابلس منطقة عزيزة علينا ككل المناطق. ولا يمكن السماح بان تعاني منطقة، بل يجب ان يكون الامن سائدا كل المناطق، وان ما يحصل في طرابلس يعني كل لبنان".
وخلص: "بقدر تعاون المواطنين والقادة وبقدر التضامن بين الجميع، نحصد نتائج جيدة لمصلحة الامن والاستقرار في كل لبنان. وبقدر ما نعقد الخناصر ننتصر على الارهاب ونكشف وجوه المجرمين".
تفجير لاسلكي
كذلك تفقد المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء اشرف ريفي مكان الانفجار قبل ان ينتقل الى سرايا طرابلس، حيث عقد اجتماع ضم كبار ضباط قوى الامن الداخلي.
بعد الاجتماع، قال ريفي: "جئت بناء على توجيهات رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ووزير الداخلية زياد بارود. وستوضع المعلومات التي جمعتها القوى الامنية في تصرف الجيش للتوصل الى معرفة الجناة".
وكشف ريفي في حديث الى موقع الكتروني ان الجيش اوقف شخصا يشتبه في ضلوعه في الانفجار.
وقال "ان التحقيقات الاولية تشير الى ان العبوة التي اتضح انها موجهة كانت موضوعة خارج الباص، ويرجح ان تفجيرها تم لاسلكيا عن بُعد.
بيان الجيش
واصدرت مديرية التوجيه في قيادة الجيش البيان الآتي: "عند الساعة 7:45 من صباح (امس) وفي محلة التل، شارع المصارف – طرابلس، انفجرت عبوة ناسفة موضوعة داخل حقيبة عند نقطة توقف لباصات يقصدها العسكريون للانتقال الى مراكز عملهم، مما ادى في حصيلة اولية، الى استشهاد تسعة عسكريين ومدنيين اثنين، واصابة نحو 30 عسكريا ومدنيا بجروح مختلفة، تم نقلهم الى المستشفيات القريبة للمعالجة، فيما فرضت قوى الجيش طوقا امنيا حول المكان، وباشرت التحقيق في الحادث. ان قيادة الجيش اذ تشير الى ان هذا الانفجار الارهابي يستهدف بشكل مباشر، الجيش ومسيرة السلم الاهلي في البلاد، تلفت الى ان ما حصل، يصب في خانة الاستغلال الواضح من الارهاب لتداعيات السجالات السياسية الحادة، التي ازدادت وتيرتها في الآونة الاخيرة، مع ما جاء في بعضها من تنكر واغفال لتضحيات المؤسسة العسكرية، ولدورها في حماية الاستقرار العام، وضمان وحدة الوطن وصيغة العيش المشترك بين ابنائه".
الصليب الاحمر
كذلك اصدر الصليب الاحمر البيان الآتي: "في تاريخ 13 آب 2008 وعند الساعة 8:05 صباحا ورد اتصال الى الصليب الاحمر اللبناني على خط الطوارئ 140 يفيد عن وقوع انفجار في حافلة نقل للركاب في مدينة طرابلس، شارع المصارف، قرب اشارة التل، وعلى الفور توجهت فرق الاسعاف من مركز طرابلس والمراكز المجاورة الى مكان الانفجار، تباعا حتى صار قوامها 24 مسعفا وثماني سيارات اسعاف، حيث قام المسعفون بمسح شامل للمكان. فأحصوا بشكل اولي: نحو 60 اصابة بين قتيل وجريح، تم نقلهم بوسائل مختلفة الى مستشفيات المنطقة.
اما فرق الاسعاف والطوارئ التابعة للصليب الاحمر اللبناني فقد عملت على نقل 25 جريحا و6 جثث اضافة الى بعض الاشلاء الى مستشفيات "المنلا" و"السلام" و"الاسلامي الخيري" و"الاسلامي الخاص" و"المظلوم" و"الحكومي" و"النيني"، اضافة الى ذلك قامت الفرق بنقل بعض الحالات الخطرة من تلك المستشفيات الى مستشفيات خارج طرابلس.
ويذكر الصليب الاحمر اللبناني انه يتلقى نداءات الطوارئ على الرقم المجاني 140 من اي هاتف خليوي او عادي".
تعليقات: