تجيد قوى السلطة تأجيج الصراعات وافتعالها كما ترتيب الصفقات (علي علوش)
تفتعل القوى السياسية كل ما يمكن للاستمرار في صراعاتها الداخلية. حتى في قلب هذه الصراعات، يبحث الجميع عن تسويات مرحلية، على الأقل، قد لا تصل إلى حدود الاتفاق على تشكيل حكومة أو انتخاب رئيس للجمهورية. من بين هذه التسويات هي الصفقة التي تم الإعداد لها حول التحقيق في تفجير مرفأ بيروت، أو صفقة أخرى يتم البحث بها تتعلق بالتشكيلات القضائية، أو حتى بمراسيم ترقية العمداء، وغيرها من التفاصيل اليومية. على هامش هذه التسويات التي تقوم على قاعدة "رابح رابح"، تستمر الصراعات التي تعطيها القوى السياسية طابعاً وجودياً، كمثل المواقف التي أطلقها جبران باسيل في مؤتمره الصحافي الأخير، معلناً بشكل واضح وصريح أنه لن يعترف بتسلم حكومة تصريف الأعمال لصلاحيات رئيس الجمهورية، "لأن الفراغ لا يمكنه أن يسدّ الفراغ"، حسب شعاره.
مشاكل هامشية
فتح باسيل الصراع الدستوري باكراً، فيما أبقى خطوته التالية طي الكتمان، يبقيها إلى فترة لاحقاً، لكن ما أصبح مؤكداً أن خروج رئيس الجمهورية ميشال عون من بعبدا عند انتهاء ولايته لن يكون سلساً، خصوصاً بحال استمرت الأزمة الحكومية، واستمر الصراع على تشكيل الحكومة. مثل هذه الصراعات ستبقى مستمرة، وسط إصرار باسيل على أنه مرشح طبيعي لرئاسة الجمهورية، فيما يعاني حزب الله من صداع إصلاح العلاقة بين باسيل وسليمان فرنجية، لا سيما أن الحزب لا يزال يحاول التقريب بين الطرفين وتخفيف منسوب التوتر.
أصبح واضحاً أن هناك من يتهرب من المشاكل الحقيقة إلى افتعال مشاكل ثانوية لتمرير المرحلة بانهياراتها المتوالية. وهو ما يقوم به باسيل من جهة، بالإضافة إلى ما تقوم به السلطة ككل، من خلال إثارة ملف اللاجئين السوريين والضغط في سبيل عودتهم. وهو ما سيقود إلى إجراءات متعددة بحقهم أمنياً أو بضغط أجتماعي وشعبي أيضاً. هذا كله يهدف إلى استدراج عروض خارجية أو لدفع الخارج إلى التدخل أكثر في الملفات اللبنانية.
داخل وخارج
وفيما رفع باسيل شعار معركته الواسع، لا يبدو أن الجو المسيحي بغالبيته أنه مؤيد لعون. لا بل الأغلبية تعارض بقاءه. ثانياً والأهم، لماذا يتم التعاطي مع الاستحقاق وفق منطق التسليم بالفراغ وبعدم إنجاز الاستحقاق في موعده؟ ثمة ما يدفع إلى الاعتقاد أن الجميع في الداخل يريد إدارة المرحلة باتفاقيات مع الخارج، وليس بالانطلاق من الداخل فقط. وهذا سيقتضي البحث عن صفقة شاملة بضمانات خارجية، بدلاً من الذهاب إلى الاتفاق بين القوى الداخلية. وعندما يصبح البحث في الاستحقاقات على هذا المستوى، يعني أن ثمة من يبحث عن مقابل من الخارج لإنجازه الاستحقاق في الداخل.
أصبح من الواضح أن المسعى يتركز على افتعال مشكلة كبرى في مقاربة الاستحقاقات وعدم إنجازها، مع فتح الباب أمام فوضى دستورية وقضائية وسياسية تستدعي تدخلاً خارجياً، بينما لا يظهر الخارج مهتماً إلى حدود بعيدة في الملف اللبناني سوى من خلال تقديم مساعدات إنسانية وغذائية، لا أكثر، على غرار التنسيق الفرنسي السعودي المستمر للبحث في آلية توزيع هذه المساعدات. ووفق ما تقول مصادر متابعة، فإن اللجنة الفرنسية السعودية المختصة بالبحث في تقديم المساعدات للبنان ستعقد اجتماعاً لها في باريس خلال اليومين المقبلين، ولكن لا تبدو هذه الاجتماعات أنها ستكون ذات أبعاد سياسية حتى الآن.
ثمة من يطرح ملف رئاسة الجمهورية للبيع على مذبح التطورات الإقليمية والدولية، ولا شيء سيستدرج القوى الباحثة عن فرص الشراء سوى من خلال الذهاب إلى فوضى شاملة تستدعي هذا التدخل. لا سيما أن هذا المسار يقود إلى نقل المشكلة الحقيقية إلى ملعب آخر، أي بدل أن تكون بين قوى السلطة والناس، إلى ما بين أفرقاء السلطة أنفسهم وصراعاتهم على تفسير الدستور والصلاحيات والمواقع، وإعطاء ذلك طابع صراع الوجود. خصوصاً في ظل افتقاد أي رؤية واضحة لمشروع إنقاذي. وهو ما لا يمكن أن يحصل بالنسبة إلى أفرقاء الداخل إلا من خلال التدخل الخارجي.
تعليقات: