خسر مربّو النحل أكثر من ثلث زبائنهم المنتمين إلى فئة موظفي الدولة (الأخبار)
لم تؤدّ الأزمة الاقتصادية إلى زيادة أعداد النحّالين لتحسين مستوى الدخل كما كان مفترضاً، بل لعبت عوامل عدة في تراجع هذا القطاع منها ارتفاع أسعار السلع المستوردة، وغياب الرقابة على العسل المغشوش، وانتشار الأمراض التي تقضي على النحل، إضافة إلى توقف دعم النحّالين من قبل الدولة اللبنانية والمنظمات الدولية المعنية مثل «الفاو»
منذ تحرير الجنوب عام 2000، بدأت تربية النحل تشهد تطوّراً تدريجياً ولافتاً في القرى والبلدات الجنوبية، أدى في سنوات ما قبل الأزمة الاقتصادية الأخيرة إلى ارتفاع عدد النحّالين في منطقة بنت جبيل وحدها من 100 نحّال، إلى ما يزيد عن 1000 نحّال يملكون ما يزيد على 6 آلاف قفير، بحسب رئيس تجمّع نحّالي جبل عامل طارق ياسين. لكن هذا القطاع بات يواجه مشكلات كثيرة اليوم لأسباب متعدّدة، منها ما يعدّده مسؤول «جهاد البناء» في الجنوب والمهندس الزراعي سليم مراد «بات النحّالون يعتمدون على أنفسهم بالكامل من دون أي دعم حقيقي وفعّال من الدولة اللبنانية، وفي غياب متابعة تسويق الإنتاج في الخارج، واستخدام المبيدات بشكل عشوائي، وغلاء المواد المستعملة، إدخال ملكات النحل غير المتأقلمة إلى خلايا النحل، ودخول العسل المغشوش بكميات كبيرة».
خسائر لصغار المربّين
في عام 1993 بدأ بلال العلي، ابن بلدة شقرا (بنت جبيل) العمل في تربية النحل «كانت الفكرة جديدة، وبدت لي مربحة جداً». يومها بدأ بلال بثلاثة قفران، واستطاع بعد سنوات طويلة من العمل أن يمتلك 700 قفير، وكان في استطاعته مضاعفة هذا العدد كلّ عام، كما يقول «لولا تردّي الأوضاع الاقتصادية وانتشار تجار العسل المغشوش». يؤكد العلي على أن «سعر كيلو العسل المغشوش قد يصل إلى 150 ألف ليرة، أي ما يقلّ عن 5 دولارات، بينما لم يكن سعر كيلو العسل البلدي يقلّ عن 20 دولاراً، ليصبح اليوم أقلّ من 15 دولاراً، وهذا يؤدي إلى خسائر كبيرة لصغار مربّي النحل».
يذكر العلي أن قطاع النحل شهد في سنوات ما قبل الأزمة، وتحديداً منذ عام 2000 تطوّراً لافتاً، ساهم في زيادة أعداد مربي النحل وزيادة إنتاج العسل، «لكن ما يجري اليوم يهدّد قطاع النحل بأكمله، ومن يصمد هم كبار المربّين، الذين تساعدهم إمكاناتهم المالية على تخطي الأزمة».
ومن أهمّ التحديات التي تواجه مربّي النحل برأيه هي «خسارة ثلث الزبائن، وهم طبقة الموظفين الذين يتقاضون أجورهم بالعملة الوطنية، إضافة إلى زيادة أعداد تجار العسل المغشوش المستورد والمصنّع في لبنان، خاصة في الشمال وطرابلس، والذي يصعب اكتشافه في مختبرات وزارة الزراعة، وكلفة فحصه في المختبرات المتطوّرة مرتفعة جداً». ومن المشكلات المستجدّة أيضاً هي ارتفاع أسعار الخشب وأدوات النحل بالدولار الأميركي. فعلى سبيل المثال «ارتفع ثمن متر خشب الشوح المستخدم لصناعة صناديق قفران النحل تدريجاً من 270 دولاراً إلى 550 دولاراً، وارتفاع ثمن لوح الحديد «الصاج»، الذي يستخدم لتغطية القفران، من 8 دولارات إلى 12 دولاراً. كما ارتفعت أسعار الشمع والأدوية ولوازم تربية النحل بنسبة تزيد على 20%".
جابر غريب هو واحد من كبار مربّي النحل في منطقة بنت جبيل، تراجع عدد قفرانه من 200 إلى 50 قفيراً، وكذلك خسر إبراهيم العلي أكثر من ثلثي عدد قفرانه، «بسبب المنافسة غير المشروعة وزيادة الأمراض وكلفة الأدوية».
توقف الدعم
منذ عام 2016 توقفت وزارة الزراعة عن دعم الأدوية المستخدمة لمواجهة الأمراض التي يتعرّض لها النحل، كما يشير رئيس مركز بنت جبيل الزراعي، التابع لوزارة الزراعة، علي ياسين، كاشفاً بأن «الوزارة كانت بصدد إعادة تزويد المزارعين بالأدوية، بدعم من منظمة «الفاو»، لكن الأخيرة قرّرت أخيراً تقديم الدعم المادي لمرة واحدة ( 300 دولار لكل نحّال)، ولكن لعدد محدود، ضمن معايير غير دقيقة. وفي غياب تقديم الأدوية المرتفعة الثمن انتشرت الأمراض المعدية التي أدّت عند بعض النحّالين إلى خسارة ما يزيد عن نصف عدد القفران».
وفي هذا السياق يقول بلال العلي إن «الوزارة كانت تقدّم الدواء مجاناً للقضاء على الحشرة المعروفة بالفاروا، عبر مراكز الإرشاد الزراعي، لكن غياب الدعم اليوم جعل معظم النحّالين يلجؤون إلى شراء أدوية رخيصة غير مجدية، ما ساهم في انتشار هذه الحشرة التي أدّت إلى الأمراض المعدية، وخسارة مئات قفران النحل، حتى أن أحد النحالين من أبناء بلدة مركبا خسر 12 خلية من أصل 160، وأحد النحالين في بلدة حولا خسر 57 خلية من أصل 60، وهذا يعدّ كارثة على صغار النحالين الذين لا يملكون المال لشراء الأدوية الفعالة».
سبل الاستمرار
يرى المهندس مراد أن أهمّ الحلول لمواجهة المشكلات التي يتعرّض لها النحّالون هي «منع دخول وتصنيع العسل المغشوش، زراعة أشجار رحيقية، فتح أسواق جديدة، إيجاد مختبرات حديثة توثّق العسل ومحتوياته، إخضاع النحالين إلى دورات تدربية، وتقديم الدعم لمواجهة أمراض النحل».
في حين يكشف العلي عن سبل ضرورية للاستفادة القصوى من النحل، من خلال «نقل النحل من مكان إلى آخر، للاستفادة من خمسة مواسم، بدل موسم واحد أو موسمين»، مؤكداً على أن تجارب كبار النحالين في الجنوب جعلتهم ينقلون قفران النحل إلى جبل الشيخ في آخر فصل الصيف للاستفادة من نبات «الشنداب» وزهور «شرش الزلوع»، ومن بعدها إلى بساتين صور للاستفادة من موسم الموز، ثم إلى شرق صيدا للاستفادة من زهور أشجار «الايكيدنيا»، إلى أن يحلّ الربيع للاستفادة من زهوره في كلّ مكان، ومطلع الصيف حيث تتواجد زهور الشوكيات المختلفة.
كانت الوزارة تقدّم الدواء للقضاء على حشرة الفاروا وتوقفت عن ذلك
كما يلفت إلى أن خضوع النحّالين إلى دورات متخصّصة تجعلهم يستفيدون من كلّ عطاءات النحل المختلفة، إضافة إلى العسل، والتي من بينها غذاء الملكة، إذ تنتج كلّ خلية 20 غراماً منه، ثمن الغرام الواحد 20 دولاراً. كما تنتج 100 غرام من صمغ النحل الذي يستخدم كعلاج لمحاربة البكتيريا في الجسم، وخبز النحل الذي يُباع بأسعار مرتفعة، ناهيك عن الشمع الذي يصل ثمن الكيلو البلدي منه إلى 12 دولاراً، وسمّ النحل الذي يستخدم في تصنيع البنج ويباع الغرام الواحد منه بـ8 دولارات.
لكن ارتفاع أسعار البنزين حرم معظم النحالين من نقل قفرانهم من مكان إلى آخر للاستفادة من المواسم المتعدّدة، كما يقول علي ياسين، لافتاً إلى جشع التجار الذين «يعملون سرّاً على استيراد العسل المغشوش والعسل ذي الجودة المنخفضة، وإعادة تصديره على أنه عسل بلدي، ما دفع عدة دول إلى وقف استيراد العسل اللبناني».
472 طناً استهلاك محلي
يبلغ معدّل إنتاج قفير النحل في الموسم الواحد عادة بين 15 و20 كيلوغراماً من العسل، وقد يزيد عن ذلك أو يقلّ بحسب الموسم، الذي يتأثر بموقع القفران وبكمية الأمطار، وبحرارة الطقس، وبغيرها من العوامل. ويلفت مسؤول جهاد البناء في الجنوب والمهندس الزراعي سليم مراد إلى أن «الإحصاءات بيّنت أن نسبة الاستهلاك المحلّي للعسل هي 472 طناً، وكمية فائض الإنتاج هي 150 طناً، أما عدد النحّالين في محافظتي الجنوب والنبطية فوصل عام 2020 إلى 6283 نحّالاً يملكون 131.199 قفيراً، 60% منها في أقضية بنت جبيل، مرجعيون وصور».
تعليقات: