جلسة النفاق التلفزيوني: هل تمر موازنة 2022؟

رئيس الحكومة مصغياً إلى خطب النواب (علي فواز)
رئيس الحكومة مصغياً إلى خطب النواب (علي فواز)


كافة الكتل السياسية في مجلس النواب انتقدت الموازنة، جَلَدها النواب وفنّدوا مخالفاتها وتفاصحوا أمام الرأي العام، وهم الذين شاركوا بأنفسهم أو عبر زملاء لهم في صوغها وتعديلها. ومَن مِن الأفراق السياسيين المعترضين على الموازنة ليس ممثلاً في لجنة المال والموازنة؟ يعترضون عليها ثم يعودون ويمنحونها أصواتهم بكل رضى في نهاية الجلسات، وفق ما هو متوقع.

وكما جرت العادة تضمنت مواقف كافة النواب المتحدثين في جلسة مجلس النواب المخصّصة لمناقشة موازنة 2022، انتقادات تمحورت حول تفريغ الموازنة من بنود إصلاحية، ومن أي تقديمات اجتماعية وصحية، رغم الارتفاع الهائل بمعدلات البطالة وتراجع نسب النمو بشكل دراماتيكي.


مواقف شعبوية

تشدّدَ المتحدثون من النواب بتمثيلهم الدفاع عن مصالح المواطنين وتجنيبهم المزيد من الضغوط عبر فرض رسوم جديدة ورفع الدولار الجمركي، رافضين القبول بتسويات على حساب المواطن. ولكن على الرغم من كل ذلك تتّجه غالبية الكتل النيابية إلى التصويت بالموافقة على موازنة 2022، علماً أن عامها المالي قارب على نهايته، بمعنى ان إقرارها اليوم فقد جدواه الفعلية وباتت كما وصفها كُثر "لزوم ما لا يلزم".

قلة من النواب من بينهم النائب جميل السيد أبدوا أراءً خلال جلسة مناقشة الموازنة، بردّ مشروع الموازنة للحكومة والاستمرار باعتماد القاعدة الإثني عشرية، والبدء بالعمل لمشروع موازنة 2023. هذا الموقف قابله موقف الاختيار بين السيء والاسوأ من قبل بعض النواب باعتبار أن الموازنة لا تلبي الطموحات، لكن إقرارها يبقى ضرورياً.

أما النائبة بولا يعقوبيان فوصفت مشروع الموازنة العامة بـ"الساقط بالشكل قبل المضمون" فالموازنة عبارة عن لعبة أرقام لا تستند إلى خطة استراتيجية واضحة، وستؤدّي إلى مزيد من الانكماش وستبقى الثقة مفقودة. كما أن الموازنة تفتقر إلى التوازن.

افتقاد الموازنة إلى التوازن بين الإيرادات والنفقات لم تغفل عنه لجنة المال والموازنة. فقد أوردته في تقريرها التفصيلي عن الموازنة، باعتبار انه مهما بلغ سعر الصرف المطروح سواء 12 ألفاً أو 14 ألفاً أو 16 ألفاً فإنه لن يتمكن من تغطية النفقات.

العديد من النواب طالبوا بموازنة إصلاحية، ومنهم النائب آلان عون، الذي دعا إلى العودة التدريجية لإعادة النظر بين الإيرادات والنفقات والعجز بشكلٍ جذري ونهائي، ووقف طبع العملة، لافتاً إلى أننا نعيش أكبر انهيار اقتصادي مالي شهده لبنان والعالم، والمطلوب من الموازنة أن تُحاكي الواقع، لأنّ التدحرج المتدرّج يؤدّي إلى تغيير الأرقام، وبالتالي إعادة النظر بالموازنة.

مواقف شعبوية ردّدها معظم المتحدّثين من النواب، فانتقدوا الموازنة من دون أن يردّوها. ومنهم النائب محمد رعد الذي ربط التعاطي مع هذه الموازنة بالرؤية العامة لوضع البلد النقدي والمالي، وهو في أسوأ حاله. لافتاً إلى أن أرقام الموازنة تكشف عمق الأزمة الخانقة التي نعيشها.

مواقف كثيرة أطلقت من نواب يعتزمون -حسب مصادر- التصويت بالموافقة على الموازنة بنداً بنداً، بعيداً عن كل الكلام الشعبوي الذي صدر وسيصدر عنهم في الجلسة المقبلة. وحده النائب أسامة سعد وضع إصبعه على الجرح بالقول "قبل الموازنة، وقبل الصندوق، وقبل الغاز والنفط، وقبل كل خطط الاصلاح والتعافي الموعودة.. كلُّ هذا يبقى بلا جدوى إذا لم نسأل أكثرَ الأسئلة جوهرية: كيف وصلنا إلى هذا الخراب الكبير؟ ومَن أوصلنا إليه؟ ومَن عليه أن يدفع الفواتير؟" ويلفت سعد إلى أنه "بمنطوقِ الموازنة المعروضة، الناس هم مَن عليهم أن يسددوا كلَّ الفواتير من مستويات معيشتهم". ودعا سعد إلى رد الموازنة.


مزايدات لجنة المال

انتقد رئيس لجنة المال والموازنة ابراهيم كنعان الإرباك الحاصل لدى الحكومة حتى آخر لحظة، في تحديد سعر صرف الدولار الجمركي، وفي تحديد سعر صرف يقتصر تطبيقه على احتساب بعض الإيرادات والنفقات، وفي تقدير النفقات المعقولة حتى آخر السنة، معتبراً أنه قد حال دون التمكن من البت نهائياً بمشروع الموازنة، وأدى إلى ترك الأمر من قبل لجنة المال للهيئة العامة، فإما أن تبت به وإما تعيده إلى الحكومة.

لا شك أنه بإمكان الهيئة العامة اتخاذ أي من هذين الخيارين، لكن هل ستجرؤ على إعادة الموازنة إلى الحكومة رغم أهمية إقرار قانون الموازنة وضرورة إنجازه، كأحد شروط صندوق النقد الدولي. وفي حال إعادة الموازنة إلى الحكومة، هل لدى الأخيرة أي خطة إنقاذية تتجاوز بمفعولها إقرار موازنة حسابية لا قيمة لها ولا تحاكي عمق الأزمة المالية الحاصلة؟

انتقادات لجنة المال لعجز الحكومة عن البت بسعر الصرف، يسري عليها أيضاً. فاللجنة عجزت عن البت باقتراحاتها لجهة تحديد سعر صرف للدولار مقابل الليرة. وهو ما دفعها لوضع أكثر من سيناريو لأسعار الصرف. مع اعترافها بأن جميعها لن ينجح بإحداث توازن بين الإيرادات والنفقات.

ثم أن زيادة الرسوم ورفع الدولار الجمركي بما يُضني الناس ويفيد التجار، لم يأت على ذكره أي من النواب بشكل اعتراضي جدّي، فمن سيتحمّل وزر الرسوم التي تم رفعها بشكل اعتباطي؟ ومن سيتحمّل مسؤولية زيادة الإيرادات غير المجدية؟

تعليقات: