جورج نصر الله... أو «هادي»: المقاوم الاستثنائي

جورج نصر الله استشهد في 16 حزيران 1988 في سفوح جبل الشيخ
جورج نصر الله استشهد في 16 حزيران 1988 في سفوح جبل الشيخ


لكلّ من المنخرطين في عمليات «جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية» مآثر وبطولات أسهمت في إنجاز التحرير، إلا أنهم يجمعون على أن واحداً منهم كانت مسيرته «صاخبة» بالضربات الموجعة للاحتلال بما يكفي ليقال عنه إنه مقاوم استثنائي.


هو جورج نصر الله، أو «هادي» الاسم الحركي الذي عُرف به. أحد القادة الميدانيين لـ»جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية» في منطقة مرجعيون - حاصبيا، وصولاً إلى البقاع الغربي. ابن بلدة إبل السقي، انخرط في المجموعات الأولى للجبهة، ونفّذ أول عملية عسكرية له ضد دورية للاحتلال، استهدفت سيارة عسكرية قرب بلدة كفرمشكي، ثم تتالت العمليات التي شارك فيها وقاد منها 75 عملية، إلى أن استشهد في 16 حزيران 1988 في عملية نوعية في سفوح جبل الشيخ.

يومها التحم جورج وعناصر المجموعة، ومن بينهم ابن عكار مخايل إبراهيم، بقوات الاحتلال وقاتلوهم بالسلاح الأبيض، وتمكّنوا من أسر جندي إسرائيلي، قبل أن تدفع قوات الاحتلال بتعزيزات إضافية إلى أرض المعركة، بالإضافة إلى الطيران الحربي، فارضة حصاراً بالنيران أدّى إلى مقتل الأسير الإسرائيلي واستشهاد مقاومَين وأسر ثالث.

استمرّت المعركة التي خاضها جورج ومخايل ورفاقهما عشرين ساعة، أسفرت عن مقتل عدد كبير من الإسرائيليين، اعترف الاحتلال بمقتل اثنين وجرح 18 جندياً. فيما لم يُعلن خبر استشهاد جورج نصر الله إلا بعد ثلاثة أشهر، خوفاً من أن ينتقم الاحتلال من عائلته التي لم تنجُ من التنكيل والاعتقال (شقيقه نعمان نصر الله)، والإبعاد من إبل السقي الى صيدا.

في كلّ مرة كان جورج يتلقى فيها خبر تكليفه بمهمة، كانت الحياة تعود إليه. هو الذي جهد ليجد عملاً كحداد افرنجي يشكل تغطية مناسبة لعمله المقاوم داخل المنطقة الجنوبية المحتلة. عندما تسلّم العمل، صار باستطاعته التصرّف بحرية أكبر. يمكنه التجوّل بعيداً عن مراقبة العدو وعملائه، بعدما اتفق مع قيادته على أن تتولى هي إيصال السلاح والذخائر لتخزينها واستخدامها في العمليات.

وجورج، المستعجل لإنزال الخسائر بالاحتلال، وصلت إليه يوماً رسالة صغيرة تحدّد الهدف «مهاجمة المعسكر الإسرائيلي في إبل السقي». أحسّ بالانتعاش وبنشاط لا مثيل له يدفعه إلى الإسراع في تنفيذ المهمة. تسلّم الأسلحة وكانت تحتوي على صواريخ 107 ملم وعبوات ناسفة وقاذف ب7 مع قذائف بكمية كبيرة. حسناً، خبَّأ «الهدايا» في ثلاثة مخابئ، وعاد إلى البيت بعدما ودّع رفيقيه الرسولين.


قاد 75 عملية عسكرية واستشهد في 16 حزيران 1988 في سفوح جبل الشيخ

خلال الليل، جهّز ساعة التوقيت وأوصلها بالبطارية. إنه فجر يوم 18 آب 1983، كان جورج قد نقل صاروخين على دفعتين ونصبهما في المكان المحدّد. راقب جورج المعسكر الإسرائيلي ساعة بساعة. ليلاً، أشعل الجنود النار داخل المعسكر وتجمّعوا حولها، بعضهم كان يُنشِد، بالقرب منهم غرف منامة للجنود، ومنزلان لكبار الضباط. اتخذ جورج قراره، وجّه صاروخاً نحو تجمّع الجنود، وآخر على مقرّ الضباط، ركّز ساعة التوقيت جيداً، تأكد من الاتجاه والتسديد، وعاد الى المنزل. عند الساعة الواحدة والنصف فجراً، انطلق الصاروخان إلى الهدفين داخل المعسكر، بينما جورج في مكان ما ينظر إلى اللهيب الذي أشعل المعسكر. تحرّكت سيارات الإسعاف، وبعد ثلث ساعة ظهرت طائرات مروحية تولّت اثنتان منها نقل المصابين، فيما بدأت عملية تمشيط للمنطقة.

إنها التاسعة والنصف صباحاً، يعترف بيان عسكري إسرائيلي بتعرّض أحد المواقع لهجوم صاروخي، فيما ذكرت تقارير صحافية أن خمسة قتلى إسرائيليين سقطوا في الهجوم. يومها لم تسلم قرى كفرشوبا وكفرحمام والهبارية وراشيا وإبل السقي من حملة المداهمات، لقد تصرّف جنود الاحتلال كالمجانين، فيما كان جورج يسير بهدوء في شوارع إبل السقي، يسترق السمع من بعض شهود العيان الذين تناقلوا معلومات عن الهجوم.

تعليقات: