خمس عمليات اقتحام لاسترداد الودائع: «الذئاب المنفردة» تغزو المصارف


خمس عمليات اقتحام لمصارف، هدفها استرداد ودائع، هي حصيلة ما أسماه كثيرون أمس "يوم الثورة على المصارف"، الذي انطلق صباحاً من الغازية في الجنوب، وتواصل في الطريق الجديدة والرملة البيضا في بيروت، مروراً بالكفاءات في الضاحية الجنوبية، وصولاً إلى شحيم في إقليم الخروب.

مودعان نجحا سريعاً في الحصول على مبالغ مالية من مصرفي "بيبلوس" و"اللبناني الفرنسي"، فيما استمرّت المفاوضات حتى وقت متأخر أمس مع المودعين في مصرفي "لبنان والخليج" و"ميد"، أما المودع في "لبنان والمهجر"، الذي حظي بالقدر الأكبر من التغطية الإعلامية فبدا أنه لن يحصل على شيء بعدما سلّم سلاحه سريعاً وانطلق في مفاوضات أكثر ظلماً من التعاميم التي تقتطع الودائع.

إلى الانتشار الجغرافي للعمليات، كان لافتاً أيضاً اختلاف المهن التي يعمل فيها المودعون. من سائق تاكسي جمع وديعته بادخار خمسين دولاراً فوق خمسين، إلى تاجر كان مرتاحاً في السابق وبات غارقاً في الديون، وبينهما ملازم في الجيش لم يعد يكترث باستمراره في وظيفته وهو الذي قدّم استقالته منها ولم يحصل على موافقة بعد. اختلافات تؤكد فداحة الجريمة المنظمة المرتكبة بحق اللبنانيين، مودعين في المصارف أو لا، وهذا ما عبّر عنه المودع في "اللبناني الفرنسي" محمد الموسوي في فيديو انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، آسفاً لأن هناك من أوصله إلى أن يقتحم مصرفاً ليستردّ ماله.


قرقماز في «بيبلوس»

افتتح محمد قرقماز مسلسل الاقتحامات، مستقلاً سيارة "التاكسي" خاصته، متجهاً من بلدته عنقون باتجاه فرع بنك "بيبلوس" في الغازية. برفقة نجله إبراهيم، حاملاً مسدس خرز حصل عليه من محل ألعاب الأطفال. شهره باتجاه الحراس والموظفين وأمرهم بتسليمه وديعته التي تحتجزها إدارة الفرع.

تحت تهديد السلاح، حصل على غالبية مستحقاته البالغة 19 ألفاً و200 دولار أميركي. سلّمها إلى أحد أقاربه وجلس مع نجله ينتظر وصول القوى الأمنية التي اتصلت بها إدارة الفرع، للقبض عليه. بابتسامة عريضة وبإشارة النصر، صعد محمد وإبراهيم إلى الآلية العسكرية التي نقلتهما إلى مخفر مغدوشة.


نجح أربعة مودعين في استرداد جزء من أموالهم وفشل الخامس

وبحسب مصدر أمني، فقد أوقفا بناءً على إشارة النيابة العامة الاستئنافية في الجنوب و الدعوى التي رفعها "بيبلوس" بتهمة السطو المسلح.

في عنقون، غصّ منزل قرقماز بالمهنئين. يحرص علي (21 سنة) على التوضيح بأن والده من صغار المودعين. "منذ 15 عاماً يجمع وديعته بـ50 و100 دولار حتى وصل ما ادّخره إلى 19 ألفاً هي جنى عمره في العمل كسائق تاكسي". بشكل متكرر، حاول قرقماز استعادة أمواله بالحسنى. "كانوا يذلونه للحصول على 200 دولار كأنه يشحذها وليست أمواله".

"نحن لسنا زعران" تقول أمينة محيدلي زوجة قرقماز. ابنة الخامسة والخمسين عاماً لم تستطع ترك عملها كمعلمة متعاقدة برغم تراجع قيمة راتبها. "جمعنا هذا المبلغ بطلوع الروح. وعندما طلبنا الحصول على أموالنا لتركيب طاقة شمسية وافتتاح محل لابني، قالت لنا الإدارة خذوا قرضاً. لماذا أرتب عليّ ديوناً إضافية؟".


سرحال في «البحر المتوسط»

بعد ساعات، حذا الملازم أول في الجيش اللبناني كريم سرحال حذو قرقماز في فرع بنك البحر المتوسط في شحيم. دخل شاهراً مسدسه الحقيقي وأطلق رصاصتين في الهواء، مطالباً بتسلّم وديعته البالغة 180 ألف دولار أميركي. فور شيوع نبأ ما فعله سرحال، توجه جمع غفير من أهالي بلدته داريا لمساندته. وسجل انتشار مكثف للقوى الأمنية والجيش اللبناني في محيط المصرف. حتى ساعات المساء، ظل سرحال متمسّكاً برفضه الخروج من المصرف. وافق بعد مفاوضات طويلة، السماح بخروج الموظفات بعد الساعة السادسة مساء، ليتم الاتفاق معه قرابة السابعة على إعطائه مبلغ 25 ألف دولار.

ولفتت مصادر من داريا بأن سرحال "انقطع منذ مدة عن الالتحاق بالخدمة العسكرية بعدما رفضت استقالته التي قدمها، وهو غير مكترث بالعقوبة التي سيتلقاها على فعلته باقتحام المصرف، "لا بل سعى إلى ارتكابها عله يطرد من السلك العسكري".


سليم في «لبنان والخليج»

ببارودة صيد اختار المودع جواد سليم أن يقتحم فرع الرملة البيضا في مصرف "لبنان والخليج"، محتجزاً سبعة موظفين من ضمنهم مديرة الفرع لاسترداد وديعته البالغة قيمتها 50 ألف دولار.

وأشار حسن سليم، شقيق المودع، إلى أن جواد، وهو أب لسبعة أولاد، «كان يعمل متعهداً، توقف عن العمل منذ ثلاث سنوات ولا يستطيع إعالة عائلته، فيما يعطيه البنك شهرياً نحو 3 ملايين ليرة فقط ما دفعه إلى اتخاذ هذه الخطوة».

مفاوضات طويلة دارت بين الطرفين، خلصت مساء إلى الاتفاق على حصول سليم على مبلغ 15 ألف دولار نقدي، و35 ألف دولار شيك مصرفي «كما كانت قد أودعت» نقلاً عن مديرة المصرف.


سوبرة في "لبنان والمهجر"

وحده عبد الرحمن سوبرة لم يوفق في محاولته استرداد وديعته على الرغم من حجم التعاطف الذي حصده. تخليه سريعاً عن سلاحه أفقده عامل القوة في المفاوضات التي استمرّت طويلاً بعروض ظالمة كان يتلقاها من إدارة المصرف، تفقده نسبة كبيرة من وديعته البالغة قيمتها 165 ألف دولار.

بحسب شهود "شهر عبد الرحمن سلاحه في المصرف مهدّداً بإطلاق النار على نفسه. وكانت الأمور تسير لصالحه، إذ حصل على وعد من إدارة المصرف بالحصول على أمواله وجيء بمحفظة المال، إلى أن حضرت القوى الأمنية. عندها انقلبت الموازين إذ سلّم عبد سلاحه، فتخلّف المصرف عن تنفيذ وعده. ما دفع المودع إلى انتزاع شريط كهرباء مهدّداً بإيذاء نفسه شنقاً أو عن طريق الكهرباء ما لم يحصل على حقه".

رفض عبد المغادرة خالي الوفاض، أخرج العملاء من المصرف وأبقى الموظفين الذين احتجزهم أبناء طريق الجديدة رهائن. أقفلوا الباب بالجنزير وانتظروا دوامة طويلة من المفاوضات دامت لساعات بين المودع ومديرة المصرف. رفض عبد جميع العروض التي ستقضم وديعته، أوّلها الحصول على 40 ألف دولار على سعر صرف 12 ألفاً من أصل وديعته. ثم عرض الحصول على 12 ألف دولار فريش، وكان آخرها عرض بالحصول على 125 ألف دولار على سعر صرف 12 ألفاً للدولار الواحد. وأثار غيظه اقتراح المصرف "تنويم" القصة إلى الاثنين المقبل.

كان عبد وهو أب لخمسة أولاد "مسالماً" في عمليته، كما يرى أبناء منطقته، الذين غالطوا تسليم سلاحه. يتحدث صديقه فادي عن "الديون التي غرق فيها والأزمات في العمل، فهو يملك محلاً لبيع لوازم الهاتف بالجملة وأوقفت الصين بضاعته فاشتدّ الخناق عليه مع مطالبة التجار بتسديد المال لهم". ويقول فادي إن "عبد على مدار 3 سنوات يطالب المصرف بماله ويجري إذلاله".


* آمال خليل، زينب حمود،


تعليقات: