نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي
رغم كل التشدّد الذي أظهره صندوق النقد الدولي تجاه استعمال المال العام لتمويل الخسائر، إلا أنه لان في النهاية ووافق على إتاحة استعمال إيرادات أصول الدولة لتسديد ودائع كبار المودعين. الضوء الأخضر من صندوق النقد الدولي لم يأت موارباً، بل كان علنياً وذُكر بوضوح في النسخة الأخيرة من خطة النهوض المالي التي أعدّتها الحكومة.
صندوق النقد «لا شعبي»
هذا التوجه ورد بشكل واضح في البند 26 من الخطة من ضمن «الأفكار التي عرضها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في جلسة لجنة المال والموازنة في سياق تطوير الخطوط العريضة التي وردت في مذكّرة التفاهم مع صندوق النقد الدولي بخصوص تأهيل القطاع المصرفي»، والتي تهدف إلى «تحسين وضع المودعين التي تفوق ودائعهم 100 ألف دولار». وبحسب ما ورد في هذا البند، فقد تمّت مناقشة هذه الأفكار مع صندوق النقد الدولي، وتبيّن أنه يمكن الشروع ببعض التعديلات بناءً على مستجدات ومعطيات تتغير بحكم الوقت، وفي ضوء المحادثات مع الصندوق توصّل النقاش إلى الآتي: «... في حال منح عقود إدارة أصول الدولة للقطاع الخاص، ومع تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي وبنجاح ووصل الدين العام إلى مستوى أدنى مما هو مستهدف في البرنامج للحفاظ على استدامة الدين، وكذلك الإبقاء على مستوى لائق للإنفاق الاجتماعي والبنى التحتية، يمكن عندئذ الأخذ في الحسبان تخصيص بعض الإيرادات المستقبلية في حال تجاوزت معايير محددة مقارنة بدول مشابهة لصالح صندوق استرداد الودائع».
في المبدأ، الشروط تعجيزية وغير قابلة للتحقيق، لكن مجرد موافقة صندوق النقد على استخدام المال العام لتسديد ودائع كبار المودعين، فذلك يُعدّ إشارة ايجابية تجاه هذا الطرح ورضى بتنفيذه ولو جرى إقرانه بشروط. ففي القاموس السياسي اللبناني، إن مجرد التصديق على الأمر يعني أخذ الموافقة على التنفيذ أو بالأحرى تشريع خصخصة أملاك الدولة وأصولها لصالح عدد محدّد من المودعين ممن لم يتمكنوا من تهريب ودائعهم، فارتأت حكومة ميقاتي مكافأتهم على حساب الشعب. والأهم أنها تمكنت من انتشال موقف متقدّم من صندوق النقد حول هذا الموضوع، إذ تشير مصادر مقربة من ميقاتي إلى «ليونة في موقف الصندوق وتغير ملحوظ بعد رفضه سابقاً لوضع أصول الدولة في صندوق سيادي يمول الخسائر المصرفية».
يشبّه المحامي كريم ضاهر صندوق النقد، بأي مصرف تجاري يمنح قروضاً، إذ إن كل همّه هو «ضمان تسديد الزبون المقترض لديونه، فيبقى عنق الزبون في يديه حتى استرداد آخر سنت، تماماً كما يحرص على عدم تبديد المال العام في حال إقراض الدولة اللبنانية إلى حين تسديدها الـ3 مليارات دولار التي يعتزم منحها لها والـ4 مليارات دولار الإضافية الممنوحة بضمانته». لذا يصرّ الصندوق على عدم ربط خسائر المصارف بالفائض الأولي (الفائض الناتج من عمليات الخزينة ومن بينها إيرادات إدارة أصول الدولة عندما تحصل). كذلك يحرص الصندوق على شبكة الأمان الاجتماعية حرصاً شديداً وفق ضاهر، لأن عدم الاستقرار الأمني يعني عدم إمكانية جذب مستثمرين ويعني عدم القدرة على تحقيق نمو، أو بالأحرى صعوبة في تحصيل الإيرادات والضرائب لتسديد الدين. هذا هو الهمّ الأوحد للصندوق، فهذه المؤسسة ليست مؤسسة خيرية أو عقائدية و»لن تذرف أي دمعة على لبنان أو أنها تسعى لتغيير نظامه الى نظام أفضل. جلّ ما يفعله الصندوق هو الضغط على الدولة بمختلف الطرق لاسترداد أمواله خلال 4 سنوات وبعدها «لن يكترث إذا بدّدت الدولة أصولها وباعتها أو استخدمتها لتمويل السرقات أو الأموال غير المشروعة». لذلك وفقاً لضاهر، «لا يمكن إعطاء الثقة للقطاع الخاص ولو عن طريق قانون الشراء العام المليء بالمطبات والشوائب». المطلوب «إيجاد آلية فعلية للحوكمة الرشيدة عصية على تدخلات السياسيين، وضمان أن يكون الصندوق المخصّص للمودعين ائتمانياً وليس سيادياً باستخدام قانون التسنيد (705/2005) على سبيل المثال وعبر السماح بالتداول بالسندات المستثمرة فيه عن طريق البورصة».
الشامي يطمئن: لا خصخصة بوجودي
خصخصة أملاك الدولة وأصولها وشركاتها ومؤسّساتها ليست خفية، أو تناقش بخجل بين رئيس الحكومة وفريقه، بل هي معروضة في الفقرة 12 وتحديداً في الجزء الذي يتحدث عن زيادة الإيرادات عبر زيادة الضرائب و»إفساح المجال لتأجير ممتلكات الدولة الخاصة». أيضاً يطرح البرنامج «تقييم الوضع المالي لكبرى الشركات المملوكة من الدولة وتحسين أدائها وإدارتها»، حتى تقرر الحكومة إن كان يجب أن تبقى شركة ذات ملكية عامة أو تسليم إدارتها للقطاع الخاص أو تصفيتها أو بالشراكة بين القطاعين العام والخاص». وتعطي الحكومة لنفسها صلاحية «منح عقود للقطاع الخاص لإدارة الدولة وشركات القطاع العام» رغم أنها ترى صعوبة أن يكون القطاع الخاص مهتماً بوضعها الحالي، إلا أنه مع «تنفيذ الإصلاحات يمكن للقطاع الخاص أن يغدو أكثر استعداداً لإدارة مرافق الدولة».
إذاً يفترض بالدولة، وفقاً للمؤتمنين عليها، أن تعيد تأهيل قطاعاتها ومرافقها وتعمل على تنظيفها لتقدّمها على طبق ذهبي إلى القطاع الخاص، وعندها يمكن أن يقبل بإدارتها وما علينا إلا شكره على لطافته. رغم ذلك، يؤكد نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي وهو أحد معدّي البرنامج في حديثه إلى «الأخبار» أن «الخصخصة لن تحصل ويمكن لكم الاطمئنان فأنا لن أسمح بذلك». ويشير إلى أن الفقرة المكتوبة عن استخدام إيرادات أصول الدولة لتمويل صندوق استرداد الودائع بعد تحقيق كل الشروط المرفقة بها والمربوطة بمحادثات ميقاتي مع الصندوق، لم تُطرح مع الصندوق بل هي فكرة تم التوافق عليها ضمن الحكومة. ووفق الشامي، ليست المسألة سهلة بل «تتطلب تنفيذ البرنامج بنجاح وخفض الدين العام إلى مستويات متدنية جداً وضمان تحقيق الإصلاح في القطاعات الاجتماعية، عندها يمكن استخدام الفائض في سدّ بعض الديون إذا ما كانت الدولة بألف خير ومن دون أن تكون ملتزمة بأي شيء تجاه أي طرف».
صندوق النقد الدولي أبدى ليونة تجاه استعمال أصول الدولة لتسديد الودائع الكبيرة
بمعزل عن تطمينات الشامي، فإن الثابت، كما هو موثّق في البند 26 من الخطة، باتت الخصخصة موضوع مقايضة بموافقة من صندوق النقد مع ما يعنيه ذلك من تحميل الشعب أعباء إضافية ممثّلة بالضرائب لتغطية عجز تأمين الإيرادات عبر القفز فوق توزيع المسؤوليات، بدلاً من ضمان استفادة الأفراد من أصول الدولة لتحسين مستوى عيشهم.
ويقول الخبير الاقتصادي روي بدارو، «الورقة ورقة نوايا حسنة إلا أن الشيطان يكمن في التفاصيل وفي هرمية تحديد المسؤوليات وفي أن الأرقام المتوقّعة للنمو لن تقود لبنان إلى الخلاص إلا بعد 10 إلى 15 عاماً. وهي فترة ستتخللها هجرة المزيد من المواطنين وانخفاض في الدخل القومي». وفيما يشير إلى أنه لا يعارض استخدام أصول الدولة، يركز على ضرورة أن يستفيد من إيراداتها المودع ومن لا يملكون ودائع على حدّ سواء. إلا أن المشكلة الأساسية برأيه هو تكليف شركات تنقلنا من السياسيين الطغاة إلى الاقتصاديين الطغاة اللاهثين وراء الخصخصة تحت عناوين «المنفعة العامة». والخطأ الأكبر يكمن بكبر المقص الذي يحمله صندوق النقد ليشذّب الودائع من دون أن يقيم أي اعتبار لصناديق التعويضات ولا لتعويضات الأفراد ومصير أعوام من الشقاء ستنتهي بمعاملة كل أصحاب الودائع ما فوق الـ100 ألف دولار بالتساوي، ولو أن بينهم المستحق وبينهم غير المؤهّل للتعويض عليه بدولار واحد. فكيف إذا كان هذا التعويض من جيوب الشعب المُفقر والمُعدم؟
تعليقات: