زياد بارود.. ترشحي مع التيار الوطني الحر كان دعسة ناقصة (Getty)
لا ينتمي زياد بارود إلى عائلة سياسية، ولا إلى حزب، ولا يملك ثروة، ولم يُسمع له يوماً خطاب يستثير الغرائز الطائفية. خرج من الوزارة عام 2011، والمرة الأخيرة التي انخرط فيها في السياسة، بمعناها "المهني"، كانت "الدعسة الناقصة"- كما يصفها- بترشحه إلى الانتخابات النيابية عام 2018 على لائحة "التيارالوطني الحر".
فما الذي يجعل من اسم هذا "العابر" في السياسة حاضراً بجدية في السباق إلى رئاسة الجمهورية؟
ربما، على ما يقول وديع سعادة، لأن "العابرين سريعاً جميلون. لا يتركون ثقل ظلّ. والأكثر جمالاً بيننا المتخلي عن حضوره، التارك فسحة نظيفة بشغور مقعد".
وهو ما ينطبق على الأرجح، بالمعنى الحرفي، على بارود.
فالمنسحب من "العمل" السياسي، من دون اعتكاف عن الشان العام، شغل مقعداً وزارياً فترك شغوراً "نظيفاً" من بعده.
التوقيت و"البروفايل"
يعرف بارود أن لرئاسة الجمهورية توقيتها وظروفها التي ستحمل اسماً معيناً إلى المنصب الأول وتقصي آخرين. اليوم، يرى في مسار ترسيم الحدود البحرية ومآلاته البوصلة التي ستحدد اسم الرئيس المقبل. فحسب ما يُنقل عنه فإن "إنجاز ترسيم الحدود يعطي مؤشراً إلى مرحلة مقبلة من إنتاج الاستقرار على عدة مستويات. وهذا يتطلب رئيساً بمواصفات معينة قادراً على وضع البلد على سكة الخروج من أزماته. أما إذا تعرقل الترسيم، فذلك مؤشر إلى ظروف مختلفة تتطلب رئيساً من نوعية مختلفة".
على هذه الخلفية يتحفظ بارود في الدخول بنقاش حول ترشحه لرئاسة الجمهورية، المرتبطة برأيه بعامل "التوقيت، أي اللحظة السياسية والترسيم البحري اللذان يفرضان "بروفايل" الرئيس". لذا فهو يشدد على "وجوب إعطاء الرئيس المقبل ما يكفي من عدّة الشغل، أي دعم شعبي واحتضان داخلي من القوى السياسية، خصوصاً المسيحية، وانفتاح على العالم العربي، وإصلاحات على كل المستويات تواكب الإصلاح المالي والاقتصادي، وفق ما يطلبه صندوق النقد والمجتمع الدولي".
رئيس بين شهاب وإده
في "شروط" بارود، المنتمي تقليداً إلى عائلة وبيئة تحمل الإرث الشهابي، ملامح من "شروط" العميد الراحل ريمون إده لرئاسة الجمهورية. فإذا كان المطلوب تذليل كل العقبات أمام الرئيس العتيد قبل انتخابه، فإن أي شخصية قادرة على القيام بمهامه.
يجيب بارود على هذا التعليق معقباً: "المطلوب رئيس يجمع بين شخصيتي شهاب وإده. فالرئيس شهاب فهم اللعبة الإقليمية ولم يدخل في صراعاتها ومحاورها. انحاز لكل إجماع عربي وتجنب الدخول في الانقسامات. جنّب بذلك لبنان كمّا كبيراً من الأزمات، وانصرف لبناء المؤسسات محاطاً بفريق واسع ومتنوع من البعثات الخارجية إلى نخب داخلية. وما يجمعه وإده أنهما رجلا دولة ومؤسسات، وكلاهما لم يكونا يريدان شيئاً لنفسيهما".
ماذا عن رئيس يشبه الياس سركيس؟ يبدي بارود إعجاباً بأخلاقيات ومبادئ سركيس، معتبراً أن "رئيساً كالياس سركيس قادر على إدارة الأزمة لإيجاد بوابة للخروج منها".
لكن أليس ملفتاً أن الثلاثة ممن ذكرت لا أبناء أو أصهار لهم؟
تقول ابتسامة بارود ما لا يقوله تهذيبه بالاعتذار عن الإجابة.
"الدعسة الناقصة"
يؤخذ على بارود، المحامي المدني المستقل، أنه ترشح على لائحة "التيار الوطني الحر" في كسروان عام 2018 وخسر.
يقر أنها "كانت دعسة ناقصة. لكنها لم تؤذِ الناس أو تنعكس عليهم. أنا وحدي خسرت بعضاً من رصيد و"صورة"، وأتحمل مسؤولية ذلك وحدي".
في دردشاته مع أصدقاء يحاول أن يشرح خلفيات قراره يومها: "كان تفاهم معراب قائماً وبداية عهد جديد ورهان دائم على إمكانية الإنجاز من داخل المؤسسات. وقد كنت محظوظاً بألّا أنجح وأكون جزءاً مما حصل من تجاوزات وأخطاء وارتكابات أوصلتنا إلى ما نحن فيه".
ولكن هل خذله الكسروانيون؟ يجيب "على الإطلاق. لقد منحني 4000 شخص منهم ثقته من دون أية مساعدة حزبية، في معركة قاسية تداخلت فيها الحزبية والمال السياسي والعصبيات".
على أي حال، لكسروان مكانة خاصة عند زياد. وهو "ممتن لصدفة ونعمة أن تكون مارونياً من كسروان، من قلب جبل لبنان. ففي السياسة اللبنانية تؤمن لك حصانة معنوية، وتبقيك متخففاً من بعض الحسابات. في كسروان أعيش كسروانيتي بعمقها، وهذا خارج السياسة، فأرد على متحدثي بالكسرواني "ولكل".
ابن المعلمة والأستاذ
من جعيتا في كسروان، ومن أبوين يدرّسان الصفوف الثانوية وشقيقة سارت على خطاهما، حمله تراكم التجارب والنشاطات الجديّة في المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية إلى السياسة. فعيّن المحامي الشاب وزيراً للداخلية في حكومتين. بقي فيها حريصاً على استقلاليته وكرامته، كما ردد مراراً.
في الوزارة الأولى أدار الانتخابات النيابية بقدر عالٍ من الحيادية والنزاهة. هو الآتي من رئاسة الأمانة العامة للجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات (2004-2005).
ووقف لاحقاً وسط اشتباك بين "التيار الوطني الحر" و"تيار المستقبل" ويعتبر أنه "خرج محافظاً على كرامته".
سمع مراراً أنه وزّع أرقام سيارات مميزة، على عادة وزراء الداخلية الذين سبقوه، لكنه يؤكد أنه "في أيامي وزّعت 0،89 بالمئة من مجموع ما تم توزيعه من أرقام سيارات. وأنا من حضّر مشروع القانون وأرسله إلى مجلس النواب في هذا الخصوص وأقرّ بعد خروجي".
العلاقة بفرنسا
يفاخر بارود بعلاقته بفرنسا، هو الذي يحمل الجنسية الفرنسية، وشارك في مؤتمر سان كلو عام 2007. لكنه يميّز "في كيفية التعاطي مع الدول الصديقة التي تحترم من يتعاطى باحترام مع نفسه وبلده قبل الآخرين". ينفي أن تكون فرنسا طرحت اسمه كمرشح للرئاسة، وإن كان لا ينكر أن اسمه كما آخرين متداول في الأوساط السياسية الداخلية والخارجية".
ولم لا يترشح؟
"لان انتخاب الرئيس لا يتم من الشعب". يقدّر كثيراً من فعلوا ويحترمهم. وهو طلب من طلابه في جامعة القديس يوسف إجراء دراسة لمعرفة مدى مطابقة برامج المرشحين مع صلاحيات الرئيس الدستورية، فخلصوا إلى أنها لا تصل إلى 30 في المئة. لكن بالنسبة إلى بارود "يملك رئيس جمهورية لبنان الصفة الأهم: حامي الدستور، مضافاً إليها توقيعه، الذي يفترض أن يوازن ويدير الحياة السياسية".
لم لا يترشح؟
يرسم ابتسامة ملتبسة ويجيب "من يدري؟ قد أفعل، لكن الأكيد ليس بطريقة تقليدية".
تعليقات: