تسعى اليونيسيف ليس إلى دمج الطلاب السوريين بل جعل تعليمهم من مسؤولية وزارة التربية (Getty)
يبدو أن الهوة بين منظمة اليونيسيف ووزارة التربية بدأت تتسع. فما كانت تطالب به المنظمة الدولية في الاجتماعات المغلقة لإجراء الإصلاحات والرقابة في وزارة التربية، ربما يجب أن يتم في اروقتها هي أيضاً، بعدما دخلت إلى سوق صرف العملة، وخفضت الهبات بعد تراجع قيمة الليرة اللبنانية، وتجاوزت وزارة التربية في عقد شراكات مع مدارس خاصة، بما فيها مدارس غير مرخصة لا علم لوزارة التربية المسؤولة عن التعليم، بها.
وقد أصدرت وزارة التربية بياناً لم تسم فيه اليونيسيف قالت فيه "أن التسلل لاستغلال حاجة عدد من المدارس الخاصة إلى العملة الصعبة، بتسجيل التلامذة النازحين، هو توطين مقنع، مرفوض رفضاً قاطعاً. وكررت وزارة التربية في بيان موقفها "الوطني والتربوي والإنساني"، بأنها ملتزمة توفير التعليم لجميع الاولاد الموجودين على الأراضي اللبنانية".
وجاء في بيان الوزارة "أن على المدارس الخاصة، سواء أكانت غير مجانية أو مجانية، اقتضاء أن تعتد بالاعتبارات التي ارتكزت عليها الخطط التربوية والتعليمية التي اعتمدتها الحكومة اللبنانية ووزارة التربية والتعليم العالي، من أجل إتاحة الحق بالتعلم للنازحين، عبر متابعة برامج التعليم في دوام خاص لهم في المدارس الرسمية".
ودعت الوزارة "المدارس الخاصة التي يتم التواصل معها من جانب أي جهة كانت لهذه الغاية بعرضها عليها تغطية كامل أقساط هؤلاء، إلى الامتناع عن الاستجابة لهذه العروض وبالتالي رفضها كاملة لتعارضها مع السياسة العامة المعتمدة حكومياً".
نسخ برامج
مصادر مطلعة شرحت لـ"المدن" السبب الكامن وراء هذا البيان، مشيرة إلى أن اليونيسف، التي يتم عبرها تعليم الطلاب السوريين، قامت بنسخ برنامج تربوي كان قائماً في وزارة التربية وعمدت إلى الاتفاق مع عشرين مدرسة خاصة لتعليم الطلاب السوريين، من دون أي تنسيق مع وزارة التربية.
وشرحت المصادر أنه كان هناك في الوزارة برنامج تحت اسم "تسريع التعليم"، الهدف منه منح الطلاب المتأخرين دراسياً الكفايات اللازمة. هو بمثابة تعليم مكثف كي يلحق الطالب الذي يعاني من تأخر أو الذي انقطع عن التعليم، استعادة الكفايات ليصبح مؤهلاً للتعليم النظامي. وكان يشمل هذا البرنامج نحو سبعين ألف طالب، في التعليم غير النظامي، وكلفة الطالب فيه 350 دولاراً. وكان هناك نحو خمسين مدرسة موزعة على مختلف الأراضي اللبنانية معتمدة لتعليم الطلاب. لكن تمويل البرنامج توقف في العام 2020 مع تفشي وباء كورونا.
وأضافت المصادر، أن اليونيسف نسخت البرنامج وأسمته "تجسير مع المدرسة". وانتقت عشرين مدرسة خاصة ومن ضمنها مدارس غير مرخصة، واختارت منظمتين غير حكوميتين تدفع من خلالها الأقساط التي تطلبها المدرسة. ووصل عدد الطلاب إلى عشرين ألف طالب. في المقابل، المدارس الخاصة المجانية، التي تتلقى الأموال من الدولة لتعليم الطلاب، استغلت فرصة تعليم الطلاب السوريين لقاء مبالغ نقدية بالدولار.
وأكدت المصادر أن ما قامت به المنظمة الأممية بمثابة "قوطبة" على وزارة التربية ووحدة التعليم في الشمال التي تهتم بتعليم الطلاب السوريين. فلا علم لوزارة التربية، المسؤولة عن التربية في لبنان، بفحوى البرنامج التعليمية التي تدرس للطلاب ومدى مطابقتها للبرامج الرسمية. ولا علم لها بالمبلغ الذي تتقاضاه المدرسة من الجمعيات لقاء تسجيل الطلاب. ولا علم للوزارة بعدد الطلاب في كل مدرسة، وإذا كانت تخطت عدد الطلاب المنصوص عليه في الرخصة وقدرتها الاستيعابية. ولا تعلم الوزارة إذا كانت الأموال المحصلة من الجمعيات تدخل في الموازنة المدرسية؟ ولا تعلم أيضاً إذا كانت المدرسة تتحقق من التسلسل الدراسي للطلاب وكيف سينتقلون إلى المدراس ويترفعون. برنامج بملايين الدولارات لا علم للوزارة بأي تفصيل حوله.
الدخول إلى سوق صرف العملة
وأضافت المصادر، أن اليونيسف قلصت التمويل، متذرعة بعدم إجراء الإصلاحات المطلوبة وبوجود تلاعب في المدارس حول أعداد الطلاب السوريين، علماً أن الوزارة كشفت هي بنفسها التلاعب رغم عدم وجود كادر بشري لها قادر على مراقبة كل تفاصيل العملية.
ليس هذا فحسب، فقد شرحت المصادر أن الجهات المانحة كانت تدفع هبات لتعليم الطلاب السوريين في فترة بعد الظهر بكلفة تصل إلى تسعمئة ألف ليرة، أي ستمئة دولار، عن كل طالب. لكن بعد تراجع قيمة الليرة باتت اليونيسيف تفاصل المصرف المركزي لتحديد أسعار صرف منه، وتدفع هي للدولة على سعر الصرف الرسمي. ما خفض كلفة البرنامج لتعليم نحو 140 ألف طالب سوري إلى أكثر من النصف. وعلى سبيل المثال عندما رفعت وزارة التربية أجر ساعة الأساتذة، غضبت اليونيسف، على اعتبار أن الوزير لم يتشاور معها. فقد كان البعض في المنظمة يريد أن يبقي اجر الساعة 30 ألف ليرة لهم.
إلقاء المسؤولية على التربية
الأزمة بين اليونيسف ووزارة التربية قديمة لكنها ظهرت إلى العلن عقب طلب المسؤولين فيها نقل تعليم الطلاب السوريين إلى وزارة التربية. وهو ما يسمى حالياً دمج الطلاب السوريين واللبنانيين. لكن المصادر شرحت أن المقصود بالدمج لا يعني دمج الطلاب. بل تطالب الجهات المانحة جعل تعليم السوريين من مسؤولية وزارة التربية. يبقى الطلاب السوريون في فترة بعد الظهر، كما هي الحال حالياً، لكن تصبح مسؤولية التعليم بشرياً ولوجستياً وتقنيا في وزارة التربية والمناطق التربوية التابعة لها. بينما هي حالياً بعهدة وحدة التعليم الشامل التي تضم موظفين غير عموميين ويتلقون رواتب من اليونيسف. ووزارة التربية تنظر بريبة إلى هذا الطلب الذي يؤدي عملياً إلى إلقاء المسؤولية على وزارة التربية، غير القادرة على تعليم اللبنانيين. ففي الوقت الحالي عندما يتأخر تسجيل الطلاب أو تتأخر المنظمة في دفع الأموال، تتحمل هي المسؤولية، بينما في حال قررت وقف تمويل البرنامج مستقبلاً، يصبح تعليم الطلاب السوريين على عاتق وزارة الربية، وتتلقى الأخيرة السهام عوضاً عن اليونيسف، التي تريد تخفيف العبء عنها.
تعليقات: