وزير المالية تورَّطَ بتعديل سعر الصرف: الجميع كان يعلم!

قرار وزير المالية رفع سعر الصرف إلى 15 ألف ليرة لم يكن يتيماً (علي علوش)
قرار وزير المالية رفع سعر الصرف إلى 15 ألف ليرة لم يكن يتيماً (علي علوش)


تجاوَزَ وزير المالية يوسف خليل رفع قيمة الدولار الجمركي إلى 15 ألف ليرة كما هو منصوص عليه في موازنة العام 2022، ليضيف إليه تعديل سعر الصرف الرسمي المعتمد للدولار عند 1500 ليرة. والخطوة تلك، وجدت نفسها يتيمة، إذ لم تجد من يتبنّاها. وأُلصِقَت تهمة رفع سعر الصرف إلى 15 ألف ليرة بوزير المالية، بالتوافق مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تارةً، وبالتوافق مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تارة أخرى. على أن خطوة كهذه لا تأتي عادةً من فراغ. والتنصّل الظاهري منها يُخفي اعترافاً باطنياً بها.


تخبّط وتراجع

بدا واضحاً أن أحداً لا يريد الدفاع عن قرار وزير المالية. فما إن أعلنه حتى توالت الاعتراضات، ليخلص خليل إلى تطبيق قرار التعديل في مرحلة لاحقة بعد إقرار خطة التعافي، وبالتنسيق مع مصرف لبنان.

التخبّط في القرارات هَدَفَ إلى احتواء أزمة مفتعلة، أُريد منها اختبار ردود فعل المواطنين والقطاعات الاقتصادية. وكان خليل قد طمأن بأن تعديل سعر الصرف سيرافقه عمل السلطات المالية والنقدية على احتواء أي تداعيات على الأوضاع الاجتماعية للمواطن اللبناني. ومع ذلك، بقيت الحاجة قائمة لتمرير القرار بطريقة أبطأ، على عكس ما جرى. والبطء مقصود لتسهيل تكيُّف الناس مع السعر الجديد، وهو ما قَصَدَه رئيس مجلس النواب نبيه برّي، الذي فضَّلَ اتخاذ القرار بشكل تدريجي. وتلتقي وجهة نظره مع ما أعلنه حاكم مصرف لبنان منذ بداية الأزمة، إذ قال بأن "الناس ستعتاد".

وفي معرض حثّ الناس على الاعتياد، تشير مصادر نيابية لـ"المدن"، إلى أن "لا شيء كان مفاجئاً، إذ كان هناك جوّ واضح لدى بعض الكتل السياسية، يشي بمعرفتها وموافقتها على قرار وزير المالية، لكن لم يكن أحد يريد تبنّي القرار في هذا الظرف". أما النائب بلال عبدالله، فيرى بأن "تعديل سعر الصرف خطوة ضرورية، وتحديده هو أمر تقني تبحثه وزارة المالية مع مصرف لبنان". ويعلّق على تنصّل الجميع من مسؤولية اتخاذ القرار، بالقول، أنه "لا يمكننا الركض باتجاه رفض القرار كإنجاز شعبوي وإلقاء مسؤولية القرارات غير الشعبوية على ظهر وزير المالية الذي يمارس دوره في الظروف الصعبة".

ومن ناحية ثانية، ليس وزير المالية ببريء تماماً. فهو يدرك ما أقحم نفسه فيه. وما كان ليعلن تعديل سعر الصرف ما لم يكن السيناريو الكامل جاهزاً، ومن ضمنه التراجع المرحلي.


التعديل أمر واقع

الهروب الآني من تعديل سعر الصرف، لن يدوم. فهو مطلب صندوق النقد في إطار توحيد أسعار الصرف الموجودة في السوق، كخطوة في سبيل الخروج من الأزمة. وبما أن خطة التعافي التي أقرتها الحكومة تتضمّن توحيد أسعار الصرف "لا يجب إذاً على أحد أن يتفاجأ بقرار وزير المالية"، حسب ما يقوله الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي، الذي يؤكّد في حديث لـ"المدن"، أن تعديل سعر الصرف إلى 15 ألف ليرة واعتماد الدولار الجمركي بالقيمة نفسها سيكون له تداعيات سلبية، منها زيادة الكتلة النقدية بالليرة، والتي ستزيد التضخّم وترفع سعر صرف الدولار في السوق. وعلى صعيد الدولار "فلن تستطيع الحكومة عبر رفع سعر الدولار الجمركي، تحقيق الايرادات المنشودة. فالحكومة قد تتحكّم بنفقاتها لكنها لا تستطيع التحكم بالواردات. وإذا كانت تتوقّع عجزاً بقيمة 10 آلاف مليار ليرة، فإن هذا العجز سيكون نظرياً، فيما العجز الحقيقي سيفوق الـ30 ألف مليار ليرة، وسيظهر في قطع الحساب عن سنة 2022 إذا تم إعداد قطع الحساب تمهيداً لإقرار موازنة 2023".

ولذلك، فإن اتخاذ قرار برفع سعر الصرف الرسمي، أمر واقع، والبحث مستمر عن مخارج لإقراره، وستحاول وزارة المالية بالتعاون مع مصرف لبنان تقليص حجم الكتلة النقدية التي ستُضَخَ يومها في السوق عبر السحوبات المصرفية المرتفعة، ومن تلك المحاولات "إصدار المركزي تعميم بتقليص سقوف السحوبات المصرفية. فسيرتفع حجم الودائع بالليرة لأنها ستُحتَسَب على سعر 15000 ليرة، وسيخفّض السقف الجديد حجم ضخ الليرات بالسوق، وستُضبَط الكتلة النقدية". أما في حال تعديل الرواتب والأجور لتتناسب مع سعر الصرف المرتفع، فالغلاء المعيشي سيتكفّل بها. لكن هذا الاحتمال يبقى نظرياً لأن متغيّرات كثيرة قد تفرضها الأحداث المرتبطة بانتخابات رئاسة الجمهورية وتشكيل الحكومة وارتفاع سعر الصرف في السوق الموازية.. وتأثير نتائج تلك الأحداث على مسار التشاور مع صندوق النقد الدولي.

تعليقات: