نوابها بمأزق: من سمح لشركة كهرباء زحلة الفوترة بالدولار؟

الشكوى الأساسية من أداء شركة كهرباء زحلة هي غياب الشفافية (المدن)
الشكوى الأساسية من أداء شركة كهرباء زحلة هي غياب الشفافية (المدن)


تثير بعض التدابير المفاجئة التي تلجأ إليها شركة كهرباء زحلة بين الحين والآخر، من دون ولو شرح مسبق للرأي العام لموجبات هذه التدابير، بلبلة وردود فعل سلبية، وضعت الشركة في مرمى المنتقدين منذ بداية انهيار الاقتصاد اللبناني، وما خلفه من تداعيات على مختلف القطاعات والخدمات، ومن بينها الخدمات التي توفرها الشركة لمدينة زحلة و16 قرية أخرى تستفيد من تغذيتها الكهربائية.


غياب الشفافية

آخر هذه التدابير كان إرسال شركة كهرباء زحلة منذ نهاية الشهر فواتيرها للمشتركين مدولرة. أي أنها سعرت الخدمة التي تقدمها من مولداتها بالدولار، سامحة لهم أن يدفعوها بالليرة اللبنانية أيضاً، إنما على سعر صرف السوق الموازية. وهو ما تسبب بصدمة كبيرة وحالة تململ واسعة لدى المواطنين، خصوصاً أن الفواتير التي تستوفى هي عن خدمة سابقة وليس لاحقة، بينما الشركة تتقاضى الفاتورة بالدولار أو ما يوازيه بالعملة اللبنانية على سعر الصرف اليومي. وهذا ما يسقط مبدأ العدالة بين المواطنين الذين سيدفع كل منهم الفاتورة على سعر مختلف، نتيجة لعدم استقرار سعر الدولار بين ساعة وأخرى. هذا فضلاً عن حديث متنام عن أرباح غير مبررة ستجنيها الشركة، التي تكون قد اشترت المازوت لتشغيل مولداتها قبل شهر على سعر دولار، لتفرضه على المواطنين على سعر مختلف. علماً أنه عندما وضعت حسابات الشهر المنصرم لكميات استهلاك المواطنين، كان الدولار بسعر 37 ألف ليرة، بينما هو يلامس حالياً 39 ألف ليرة. وهذا الفارق يعتبره من يعتاشون من بضعة دولارات تصلهم كدعم من أقربائهم في الخارج، أنه يسلبهم عنصر الأمان الوحيد الذي يحاولون أن يستفيدوا منه، بظل رواتب تتطاير قيمتها سريعاً، وبالتالي يمتص كتل الدولارات المتوفرة بين أيادي الناس ليضعها في مكان واحد.

ولعل الشكوى الأساسية من أداء الشركة في هذه الفترة، هي من غياب الشفافية في تعاطيها مع مشتركيها، بعيداً عن إطلالات مسؤوليها الترويجية التي ضخمت صورتها في السنوات الماضية.


سقوط المناقصات

فصحيح أن التدبير الأخير الذي اتخذته الشركة تبرره التداعيات المتتالية للعملة اللبنانية، إلا أن توقعات مكلّفي الشركة كانت كبيرة بقدرة مشغليها على إيجاد السبل التي تجعلها تدير شؤون المؤسسة كمؤسسة ذات منفعة عامة، لا أن تتحول مولّداً كبيراً، يلحق بتدابير صاحب مولّد الحي، بعدما كانت تحاول أن تحث باقي المناطق على الاتعاظ من تجربتها النموذجية.

في تبرير لتدبير الشركة من قبل أحد مصادر الشركة، يقول بأن الإجراء فيه وفر على المواطن، لأنه يخفض من قيمة الضريبة على القيمة المضافة التي ستحتسب بـ1500 ليرة. إلا أن هذا الوفر حسب أحد المطلعين لن يصب إلا في جيب الشركة نتيجة لعدم استقرار سعر صرف الدولار، فيما المواطن كما خزينة الدولة هما الخاسران الوحيدان.

على رغم التململ الذي عكسه المشتركون عبر صفحات التواصل الاجتماعي، لا يبدو أن ذلك سيتطور في الأيام المقبلة إلى حالة رفض للتمديد مجدداً لعقد الشركة التشغيلي، أو حتى لعصيان عن تسديد الفواتير. خصوصاً أن البديل غير متوفر. وقد سقط هذا البديل بالأساس مع سقوط المناقصات التي كان يفترض إجراؤها منذ اليوم الأول لبدء العقد التشغيلي للشركة في سنة 2018. وهي مناقصة كان يعول عليها لتحقيق نوع من الشفافية. ولإلزام المشغل على إيجاد السبل التي تحقق الوفر على جيوب الناس. وهكذا مع سقوط المناقصة، بات على المواطنين التعامل مع الأمر الواقع مجدداً، من خلال التمديد لمشغلي الشركة الحاليين. فبقاء الشركة بيد مشغليها الحاليين بالنسبة للكثيرين، يبقى أفضل من انتقالها إلى إدارة دولة فشلت في تأمين الكهرباء لمواطنيها منذ عقود.


التمديد لعشر سنوات!

ويبدو أن نواب زحلة قد تلقفوا هذا الانطباع عند المواطنين من خلال اقتراحات القوانين التي عكفوا على إعدادها، والتي تجتمع على التمديد لمشغل الشركة الحالي. وقد كشفت تفاصيل أحد هذه الاقتراحات في مؤتمر صحافي مشترك لنواب زحلة جورج عقيص، الياس اسطفان وبلال الحشيمي، عرضوا خلاله لمبررات وتفاصيل اقتراح قانون تقدموا به، يطلب بفترة تلزيم طويلة الأمد للشركة.

بدا اقتراح القانون محملاً بهواجس المواطنين التي حاول المشرعون الطمأنة إلى أن قانونهم سيحاول تذليلها، عبر فرض التخفيض في الفاتورة. وقد أكد عقيص بأن الاقتراح "محصور بكيفية إيجاد حل لأزمة الكهرباء بحال بقيت الأمور على ما هي عليه". وبالتالي، قال "رأينا أنه كلما كانت مهلة التمديد قصيرة تكون ذريعة لشركة كهرباء زحلة أنها غير قادرة في مهلة قصيرة أن تطور وتحاول خلق إنتاج بديل عن المولدات، والانتقال إلى الطاقة البديلة، لأن هذا الأمر مستحيل استثمارياً". ومن هنا وضع الاقتراح مهلة استثمار تصل إلى عشر سنوات للمشغل الجديد، تقترن بموجبات عديدة أبرزها: تحويل إنتاج جزء من الطاقة إلى طاقة بديلة بظرف 6 أشهر، توسيع النطاق الجغرافي للخدمات ليشمل جميع قرى وبلدات قضاء زحلة غير المربوطة بكهرباء زحلة، تكملة تركيب العدادات الذكية، إقامة نظام netmetering يراعي مصلحة المشتركين الذين يعتمدون على أنظمة خاصة للطاقة الشمسية، والبحث في إمكانية التحول إلى إستعمال heavy fuel أو الغاز بدلاً من المازوت، على أن يكون ذلك بإجازة من وزيري الطاقة والبيئة.

وحتى لا تفسر فترة التشغيل الطويلة نسفاً لأهمية إجراء مناقصة شفافة لتلزيم الشركة، أدرج الاقتراح أيضاً بنداً يلزم الدولة بإجراء مناقصة خلال أي وقت تراه مناسباً، ضمن مهلة العشر سنوات التي طالب بها للعقد التشغيلي الجديد.


كسل الدولة

ولكن في الاقتراح المقدم يستشف ما يشجع الدولة على الكسل، أو لا يعلق أهمية بالأساس على إجراء مثل هذه المناقصة. خصوصاً أنه أعطى الدولة مهلة عشر سنوات لإجرائها، فيما هي مقصرة بواجباتها خلال السنوات الأربع الماضية، عندما لم تدع سوى لإجراء مناقصة واحدة في الربع الأخير من مهلة السنتين الممددة قبل أسابيع. وحسب النائب عقيص: "الدولة لا تحتاج إلى سبب بالأساس لتتكاسل".

في المقابل، حاول النواب الثلاثة النأي بالاقتراح عن أي تغطية للشركة في أدائها القائم، معتبرين أن القانون إذا أقر سيشكل المقدمة لبعض الإصلاحات المطلوبة في أدائها، خصوصاً لجهة الفوترة المرتفعة. وقال عقيص: "إذا كان لدى أحد حل أفضل من شركة كهرباء زحلة، تقدم الخدمة نفسها، وبفاتورة أرخص، نحن مستعدون أن نضع يدنا بيدهم. ولكننا إلى اليوم نسمع كلاماً ولم نر أي عرض آخر، ولا أي حل آخر أكثر جدوى لمصلحة الناس ولجيوبها".

إلا أن موضوع الفوترة بالدولار فرض نفسه على المؤتمر الصحافي للنواب الثلاثة. وتمكن الصحافيون من سحب اعتراف بمخالفات الشركة.

فأكد النائب عقيص "إننا كنواب لا نغطي أي قرار مخالف للقانون تتخذه شركة كهرباء زحلة". متسائلاً "من يقرر إذا كان مسموحاً لأي جهة رسمية أو شبه رسمية أو تدير مرفقاً عاماً التسعير بالدولار؟ هناك مراجع، نيابات عامة وزارة مالية حكومة مجتمعة". واعتبر "أن التخبط عام، وليس محصوراً بجهة واحدة. فهناك من يتقاضى سعر البنزين بالدولار، وهناك من يفرض "الفريش دولار" بالمدارس وبالمستشفيات، وكلهم يخطئون وأيضاً كهرباء زحلة تخطئ، لأنه لا يحق لهم القبض إلا بالعملة اللبنانية". مشيراً إلى أنه يتمنى "أن يقبض الدولار على سعر 1500 ليرة، ولكن هل هذا سيسمح لكهرباء زحلة بأن تواصل عملها".

وأضاف عقيص "الفاتورة التي تصدر عن كهرباء زحلة وارد فيها أنها تُقبض بالليرة اللبنانية، ولكن السؤال على أي سعر. هل على سعر اليوم أو غداً؟ على سعر منصة صيرفة أو السوق السوداء أو السعر الرسمي؟".

وذهب الحشيمي إلى أبعد من ذلك، ليطرح التساؤلات ما إذا كانت وزارة الطاقة مدركة بهذا التدبير. واضعاً علامات استفهام حول ضريبة القيمة المضافة التي ستتقاضاها الدولة على هذه الفواتير وعلى أي تسعيرة ستحتسب.


الكهرباء بأي ثمن؟

ولكن هل طرح النواب هذه التساؤلات على شركة كهرباء زحلة التي يرغبون بالتمديد لها. يسارع اسطفان للإجابة "بأننا بالقانون المقترح نمدد للكهرباء وليس لأي مشغل". معتبراً بالمقابل "أن الفوترة ليست إلا نتيجة طبيعية للوضع الاقتصادي الذي نمر به".

بالنتيجة إذا كانت الأزمات تشكل أفضل اختبار للمؤسسات، وخصوصاً التي ترعى الشؤون العامة، لمعرفة مدى بلوغها حد المأسسة من خلال التخطيط الدقيق للمرحلة، والشفافية في إدارة المرافق الحيوية التي تمس حاجات المواطنين مباشرة، يبدو يومياً بأن الخدمة الممتازة التي أمنتها شركة كهرباء زحلة في سنوات عزها، لم تعد كافية للحفاظ على الإجماع الشعبي الذي حققته حولها، ولو على مشارف مهلة داهمة لانتهاء عقدها.

تعليقات: