المساحات العامة التي تنازل عنها اللبنانيون.. واحتضنت السوريين


في التقرير الذي أعدته قناة "أم تي في"، حول الكلفة اللازمة للشخص كي يتنزه على كورنيش عين المريسة، أحد معالم مدينة بيروت، لم تكن الكلفة العالية للنزهة، والتي ارتفعت بحسب التقرير من 10 آلاف إلى 50 ألف ليرة لبنانية، مستفزة للجمهور، بقدر ما كان مستفزاً لبعض المشاهدين أن معظم الذين قابلتهم القناة على الكورنيش، هم من الجنسية السورية، سواء كانوا لاجئين أو عمّالاً.

واللافت أنه لم يكن مستفزاً لهؤلاء المتلقين، أن المساحات العامة في مدينة بيروت، تقلصت إلى حد كبير، حتى أصبح المواطن اللبناني، إذا أراد القيام بنزهة صغيرة، اضطر لدفع مبلغٍ من المال قد يكون قريباً مما يتقاضاه هذا كأجر يومي في بعض الأحيان. ولم يستفزهم أيضاً أنه، حتى بالنسبة للبنانيين، بات الترفيه صعب المنال، والانهيار قضم حتى الفضاءات العامة التي تعود ملكيتها للناس، كل الناس. ولو أجرينا جولة في مناطق الفقراء للبحث عما يفعله هؤلاء للترفيه عن أنفسهم من دون تكاليف، لوجدنا أن المساحات العامة شبه معدومة، أما الوسائل المتاحة فبعيدة المنال بالنسبة لطبقة العمّال وصغار الموظفين، سواء من الجنسية السورية أو اللبنانية أو أي جنسية أخرى، بسبب كلفتها العالية. هذا هو المحزن. محزن للبنانيين أنهم بلا فضاء عام، وليس أن السوريين أو أي جالية أخيرة تتنزه في هذا الركام الغالي الباقي!

يفضل المقتدرون اللبنانيون قضاء أوقاتهم في أماكن غالية، بعدما سيطر على اللبناني نمط حياة استهلاكي... لمن يستطيع إليه سبيلاً. أما الفقراء، من سوريين ولبنانيين، فإنهم مازالوا على علاقة أفضل بالأماكن العامة، بما أنها الوحيدة المتاحة لهم، وربما يمتلك السوريون مفهوماً للعام يختلف عن المفهوم المعلّب السائد بين الكثير من اللبنانيين، إذ يعتقد الأخيرون أن العام هو ما يدفعون ثمنه، بينما مازال السوريون، ربما لأنهم لم يتحولوا إلى استهلاكيين بالقدر نفسه، يملكون صلة أقوى بالمدينة ومساحاتها العامة، صلة استحقاق المكان العام وكونه امتداداً لمساحات عيشهم الصغيرة.

تعيد التعليقات اللبنانية اليوم على كثافة وجود السوريين، في منطقة كورنيش عين المريسة، إلى حادثة سابقة تعود إلى العام 2014 حين انطلقت حملة سخرية من مجموعة مواطنين، جزء لا بأس به من الجنسية السورية، يفترشون حديقة الصنايع في شارع الحمرا ويتناولون طعامهم، وكان التعليق وقتها أن "هؤلاء يبدون كالسوريين"... في حين أن الأوروبيين والأميركيين يستخدمون الحدائق العامة بالطريقة نفسها، ويتم الاستدلال بنزهاتهم تلك على أنها المواطنية لحظة تمتعها بحقوقها.

والحقيقة أن السوريين وفقراء اللبنانيين يستخدمون المجال العام بأريحية وطبيعية، بينما يفاخر كثير من اللبنانيين بالتنزه في المولات، إلا في الغالب من حالات ممارسي الرياضة، متنازلين عن حقهم في المساحة العامة، يتنازلون عنها لصالح رأس المال.

أحد الأدلة على ذلك هو الحدائق المهملة في بيروت، والتي لا يرتادها اللبنانيون إلا لماماً، مثل حرش بيروت وحديقة فرن الشباك والصنايع وغيرها.

تعليقات: