جمعية المصارف تدافع عن نفسها: سيضمحّل الأمل باسترداد الودائع!

المودعون هم الخاسر الأكبر (مصطفى جمال الدين)
المودعون هم الخاسر الأكبر (مصطفى جمال الدين)


إثر تواصل اقتحامات المودعين للمصارف، بهدف الحصول على ودائعهم بالقوة، بعد تعذّر الحصول عليها بالطرق القانونية، تحاول المصارف تلميع صورتها تحت شعار "مصارحة المودعين" حيال الأسئلة المتعلّقة بمصير ودائعهم.


فقد أصدرت جمعية المصارف بياناً مفصّلاً، رأت فيه أن ما تمر به البلاد هو أزمة تُصَنّف بحسب المعايير الدولية بالنظامية (Systemic) سببتها عوامل مترابطة، تراكمت على مدى عقود، حتى أصبحت الدولة شبه معطلة. لذلك، وجدت جمعية المصارف أن من واجبها مصارحة المودعين والإجابة على أسئلة كثيرة تُطرح، أين هي الودائع؟ من المسؤول؟ هل كان بوسع المصارف التصدي للسياسات المالية والنقدية؟ هل كان بالإمكان استدراك الوضع؟ لماذا جفَّت السيولة؟ ما هي الإجراءات الملحَّة؟ أي مصير ينتظرنا؟


تحديد المسؤوليات

للاجابة عن سؤال أين هي الودائع بالعملات الأجنبية؟ عادت الجمعية إلى ما قاله حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في 21 حزيران 2022، إذ أشار إلى أن "الدولة سحبت من المركزي بموجب قوانين، 62 ملياراً و670 مليون دولار. صرفت على الدعم وتثبيت سعر الصرف والفوائد المرتفعة والكهرباء وحاجات الدولة من الاستيراد وغيرها. وما تبقى في الوقت الحاضر يقتصر على ما يعلنه مصرف لبنان من احتياطي بالعملات الأجنبية، بالإضافة إلى القروض المتبقية في السوق، والتي يسددها المقترضون بالدولار المحلي، وما بقي من سيولة لدى المصارف".

وتقع المسؤولية حسب الجمعية على "الدولة" في المقام الأول، إذ "أقرت الموازنات وصرفت بموجب قوانين وهدرت، ومن ثم أعلنت توقفها عن الدفع". وعليه، هي "ملزمة بالتعويض تطبيقاً لأحكام القانون، لا سيما بفعل عمليات الهدر والاقتراض وعدم ضبط التهريب، وأيضاً وفقاً لأحكام المادة 113 من قانون النقد والتسليف وتنفيذاً لالتزاماتها التعاقدية في موضوع اليوروبنودز".

في المقام الثاني، تأتي مسؤولية "مصرف لبنان"، ومن بعده تأتي مسؤولية "المصارف". وحول مسؤوليّتها، تشير المصارف إلى أنه "إذا اعتبرنا جدلاً أنها مسؤولة عن إيداع فائض سيولتها لدى مصرف لبنان، تحملّت ولا تزال تتحمل تبعات تتعدى إطار أية مسؤولية مفترضة لها في هذه الأزمة النظامية المتمادية Extended Systemic Crisis. إن المصارف اللبنانية مستعدة للمساهمةً بتحمل المسؤولية الوطنية لإيجاد حل قانوني وعادل، يجب أن ترعاه الدولة بأسرع وقت ممكن".


الدفاع عن النفس

لردّ المسؤولية عنها، أكّدت المصارف أنها "راعت في توظيفاتها تعاميم الجهة التنظيمية والرقابية عليها". وأضافت أنها "ليست صاحبة القرار، وقد حاولت طرح الصوت سعياً لتغيير المسار". وأوردت أنها "أصرّت على وجوب إصدار قانون الكابيتال كونترول منذ اليوم الأول للأزمة". مذكّرة بأنه "عند اندلاع الأزمة كان لدى مصرف لبنان احتياطي يناهز 33 مليار دولار، وكانت التسليفات بالعملات الأجنبية تقارب 40 مليار دولار، كما كانت المصارف اللبنانية تتمتع بسيولة لا بأس بها. اليوم انخفض احتياطي مصرف لبنان إلى حوالى 10 مليارات دولار بحكم سياسات دعم الاستيراد ودعم الليرة، وانخفضت القروض إلى حوالى 12 مليار دولار بعد تسديدها بالدولار المحلي، وجَفَّت السيولة لدى المصارف. لو قامت الدولة منذ اليوم الأول باتخاذ الإجراءات اللازمة لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه. لو تم إقرار قانون الكابيتال كونترول لما كانت الفجوة لتزيد خلال الأزمة بحوالى 35 مليار دولار بمسؤولية مباشرة من الدولة ومؤسساتها".

وبالتوازي، حمّلت المصارف المسؤولية إلى القطاع العام الذي "بدّد أموال القطاع الخاص. فالدولة ومؤسساتها بددت أموال المودعين ورؤوس أموال مساهمي المصارف".

وفي إطار ما تراه المصارف "مصارحة"، تقول "نجحت الدولة في وضع المصارف في مواجهة المودعين بينما هي المسؤولة الأولى عن الهدر والتأخير. ومعظم أموال كبار المساهمين في المصارف ليست ودائع نقدية، بل هي توظيفات في رساميل المصارف التي كانت عند بدء الأزمة تتجاوز قيمتها عشرين مليار دولار أميركي، فماذا تبقى منها الآن؟ علماً أنه بالرغم من كل ذلك قامت المصارف بزيادة رأسمالها خلال الأزمة. وإن نسبة أنصبة الأرباح من رؤوس أموال المصارف التي وُزِّعَتْ على مساهمي المصارف منذ سنة 2013 لغاية تاريخه هي أقل بكثير من مستوى الفوائد التي كانت تُدفع على الودائع في تلك الفترة".


الحلول والنتائج

إزاء ما وصلت إليه الأوضاع، تقترح المصارف "إقرار خطة نهوض شاملة بعد التفاوض مع صندوق النقد الدولي. وإقرار كافة التشريعات والإصلاحات المطلوبة وأولها قانون الكابيتال كونترول، للمحافظة على ما بقي من مخزون بالعملات الصعبة، ليس لمصلحة المصارف بل لمصلحة المودعين بشكل أساسي، يشمل إطاراً عادلاً لمعالجة مصير الودائع".

أما في حال "تلكأت الدولة عن القيام بالمعالجات اللازمة واستمرت الحال على ما هي عليه"، فبنظر المصارف "سيعلن صندوق النقد عن استحالة متابعة المفاوضات مع الدولة اللبنانية. سَيَنضُبُ الاحتياطي من العملات الأجنبية لدى مصرف لبنان في المستقبل المنظور. وستعجز الدولة عن تأمين أية مشتريات من الخارج، ويصبح لبنان غير قادر على تأمين أدنى مقومات العيش من كهرباء وماء ودواء واتصالات وغيرها.. وسيضمحل الأمل باسترداد الودائع. وسيتجاوز انهيار العملة النسب التي عرفها لبنان خلال الثمانينيات، ويستبدل التجار ماكينات عد النقود بميزان للنقود والأمثلة موجودة ومعروفة عالمياً".

تعليقات: