الاتفاق الآن... أو؟

 الاتفاق الآن... أو؟
الاتفاق الآن... أو؟


استنفار عسكري تهويلي مواكب للتفاوض


إثر اجتماع المجلس الوزاري المصغر مساء أمس، أمر وزير الحرب بني غانتس الجيش الإسرائيلي بالاستعداد لمواجهة سيناريوهات تصعيد على الجبهة مع لبنان. وجاءت تعليمات غانتس لتواكب عملية التفاوض، والدفع باتجاه التهويل على لبنان، مع رهانات على ردع حزب الله عن الإقدام على جرعات تذكيرية عسكرية بعد الرفض الإسرائيلي لملاحظات لبنان على مسودة اتفاق الترسيم.

وذكرت وسائل الإعلام العبرية أن طلب غانتس جاء نتيجة جلسة تقدير وضع أسبوعي (اعتيادي) بمشاركة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، وكبار مسؤولي الجيش ووزارة الأمن. وهو طلب من المؤسسة العسكرية «الاستعداد على المستويين الهجومي والدفاعي». وكرر غانتس معزوفة التهديدات نفسها التي اعتادها: «سواء وقع الاتفاق أم لم يوقع، نحن مستعدون للدفاع عن بنيتنا التحتية وسيادتنا. وإذا أراد حزب الله التعرض لحقل كاريش بأذى سيكون الثمن العسكري الذي ستدفعه دولة لبنان وحزب الله باهظاً».

مع ذلك، فإن الاستنفار الإسرائيلي العسكري لا يأتي على خلفية تهويلية وحسب، وإنما أيضاً خشية أن يقدم حزب الله على تنفيذ عمليات عسكرية هجومية ابتدائية، ضمن فرضيات لا تغادر طاولة التقدير في تل أبيب، الأمر الذي يحوّل الاستنفار الإسرائيلي، أيضاً، إلى إجراء دفاعي. وكان لافتاً أمس خروج كل الإعلام العبري دفعة واحدة، بعناوين ومضامين متطابقة، عن تقارير الاستنفار العسكري، والإشارة إلى «استعدادات القوات الجوية والبحرية والقيادة الشمالية لاحتمال تصعيد ضد حزب الله استعداداً لبدء إنتاج الغاز من منصة كاريش المتوقعة نهاية الشهر»، مع الإشارة إلى أنه «لا يوجد تحذير ملموس في هذه المرحلة، لكن الجيش يقدر أن حزب الله قد ينفذ عملية».

ونقل الإعلام العبري عن «مصادر عسكرية» أنه من المتوقع إجراء تغييرات على انتشار أنظمة الدفاع الجوي لزيادة القدرة على اعتراض الصواريخ والطائرات المسيرة في حال استهداف حقل كاريش، والتقدير لدى الجيش الإسرائيلي أن «حزب الله لن يتردد في تنفيذ عمل استفزازي بإرسال طائرات من دون طيار، أو إطلاق وابل من الصواريخ، من أجل مكاسب سياسية من صراع لبنان على المياه الاقتصادية ضد إسرائيل»، في إشارة إلى تحويل الحد البحري إلى «شبعا بحرية» قابلة للاستهداف.



أما وقد فكرتم بنسف الاتفاق...

ابراهيم الأمين


أمس، استفاق الجميع على صراخ مرتفع في إسرائيل. قرر يائير لابيد رفض التعديلات اللبنانية على مسوّدة الاتفاق البحري. وعشنا ساعات طويلة من التهديد والوعيد، قبل أن ينتهي المجلس الوزاري المصغر مساء إلى موقف ملتبس لا يحمل رفضاً للاتفاق، بل يحصر مشكلته مع بعض التعديلات التي طلبها لبنان. وتصرّف الجدّيون، من كل الأطراف المعنية بالملف، على أساس أن ما يجري في إسرائيل لا يتجاوز العمل تحت الضغط الانتخابي، وأن «لابيد يحاول أن يعمل أبو علي على حسن نصرالله» على حد تعبير الأكاديمي الإسرائيلي يوني بن مناحيم.

لكن، لنفترض أن إسرائيل تريد، من خلال رفض التعديلات اللبنانية، خوض مغامرة تهدّد بنسف الاتفاق، أو أنها تريد كسب مزيد من الوقت والمماطلة والتسويف سعياً إلى ظرف أفضل لها على صعيد طبيعة الاتفاق، فما الذي يعنيه ذلك؟

بعد جولات التفاوض الأخيرة، تعرّف العدو إلى تفاصيل لم يعتدها سابقاً من السياسيين اللبنانيين. وأدرك العدو، أيضاً، أن موقف المقاومة شكّل عامل كبح لأي تنازل إضافي يمكن أن يقدم عليه أحد في لبنان. لكن المقاومة لم تكن لتقف عند هذا الحد، خصوصاً عندما أعلمت العدو، بالخطاب وفي الميدان، أنها جاهزة لما هو أبعد بكثير من ضربة تذكيرية على غرار ما حصل يوم أرسلت المسيّرات فوق حقل «كاريش».

يقول لنا العدو، اليوم، إنه مستعد لنسف الاتفاق، وإنه في هذه الحالة يهدّد لبنان بحرمانه من الغاز والنفط وبتهديد أمنه وما تبقى لديه في حال حصول مواجهة عسكرية.

وما يهم العدو اليوم ليس موقف الحكومة اللبنانية فقط، بل ضمان تكبيل المقاومة من جهة، ومنع لبنان من البحث في أي واقع على الحدود البحرية أو البرية لاحقاً. وفي هذه الحالة، يُستحسن بالعدو أن يقرأ الموقف اللبناني بطريقة أخرى. ولمساعدته على ذلك، على العدو أن يعلم جيداً أن تعنّته سيقود إلى واقع مختلف تماماً:

- إن نسف الاتفاق يعني نسف المسار التفاوضي الذي عرفناه خلال الأشهر الماضية، والعودة إلى النقطة الصفر تعني العودة إلى سقف لبناني مختلف عما جرى التداول به. وهناك بحث جدي وجوهري بأنه في حال إصرار العدو على رفض الاتفاق، فإن السقف الجديد سيكون انطلاقاً من الخط 30+، وليس الوقوف عند الخط 23.

- إن نسف الاتفاق بحجة أن لبنان يرفض ترسيم الحدود البحرية والدولية الآن لا يُقلق المقاومة التي لا تعترف أساساً لا بالحدود القائمة الآن كأمر واقع ولا بالحدود كما رسمها الاستعمار. بالتالي فإن العدو سيكون معنياً بالجواب على سؤال يسبق كل هذا الكلام: هل يريد استخراج الغاز أم لا؟


تأخير الاتفاق إلى ما بعد عهد عون يجعل المقاومة الواثقة بالرئيس تستعيد الهامش الذي أعطته إياه

يعتقد العدو بأن تأخير العمل في حقل «كاريش»، مع مناورة تأخير الاتفاق، سيمنع المقاومة من التحرك، مفترضاً أن المسالة مرتبطة بـ«كاريش» فقط، ومتجاهلاً أن السبب الرئيسي لتحرك المقاومة هو القرار بفكّ الحصار الغربي عن لبنان وتحصيل الحقوق البحرية التي تساعد على مواجهة الأزمة. وسيكون مفيداً للعدو أن يطرح على نفسه سؤالاً عما إذا كانت المقاومة (في لبنان وفي فلسطين أيضاً) ستتركه يعمل بحرّية في بقية الحقول، وفق معادلة «ما بعد كاريش».

إذا كان في إسرائيل، أو في الولايات المتحدة، من يراهن على أن تأخير الاتفاق إلى ما بعد الانتخابات، سيسهّل الأمر في ظل تغييرات يتوقع الغرب حصولها لبنانياً على صعيد الرئاسة والحكومة، فإن هؤلاء لا يفهمون أهمية ثقة المقاومة بالرئيس ميشال عون على وجه الخصوص، وأنه في حال الشغور الرئاسي، أو في ظل الانقسام السياسي الجديد، فإن المقاومة ستستعيد هامشها الأكبر الذي قلّصته بنفسها لثقتها بالرئيس عون. بالتالي، فإن الرهان على تغييرات تقود لبنان إلى تنازلات في مرحلة لاحقة ينمّ عن عدم فهم جدي لاستراتيجية المقاومة وآلية تفكيرها.

أما الكلام المرتفع السقف الذي ضجّت به وسائل إعلام العدو أمس عن استنفار عسكري وعن تهديدات بتدمير لبنان وعن استعدادات للقيام بعملية عسكرية ضد المقاومة، فيدعو إلى السؤال عما إذا كان في إسرائيل من يصدّق أن هذا الأمر ممكن. وإذا ما غامر أحدهم، فعليه أن يستعدّ جيداً، لأن في قيادة المقاومة من لديه القدرة والإرادة على اتخاذ قرارات لا تترك معنى لأي اتفاق لترسيم الحدود البرية أو البحرية على حد سواء. أما الاعتقاد بأن التهديدات ستردع المقاومة، فالرد عليها يأتي من كلام رئيس الموساد الإسرائيلي ديدي بارنياع الذي قال أمس: «لقد تعهد نصرالله علناً ​​بمنع إنتاج الغاز من كاريش إذا لم يكن هناك اتفاق... وهناك خوف من أنه سيضطر لإظهار أنه يفي بكلمته».



إسرائيل تلعب بالنار: تشاطر اللحظات الأخيرة... أم مقـدمة للمواجهة؟

يحيى دبوق

عقد المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية في تل أبيب، أمس، جلسة استمرت ثلاث ساعات ونصف ساعة، خُصصت للبحث في الملاحظات اللبنانية على مسودة الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية، كما وردت إلى بيروت من الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين. إلا أنه، كما كان متوقعاً، لم تصدر عن الجلسة قرارات، ولم يتسرب من نقاشاتها الكثير.


ووفقاً للإعلام العبري، فقد أجمع الوزراء والمشاركون في الجلسة، «بشكل قاطع لا لبس فيه»، أن الاتفاق بصيغته الأولى، من دون الملاحظات اللبنانية، كان «ممتازاً» ويراعي المصالح الأمنية لإسرائيل، وأن الملاحظات اللبنانية عليه غير مقبولة.

بذلك، يكون المجلس المصغّر تماشى مع رأس الهرم السياسي وتبنّى مقاربته في السعي إلى إقرار البنود الواردة في الاتفاق وفقاً للتفسيرات الإسرائيلية، التي حرصت الملاحظات اللبنانية على توضيحها منعاً لأي التباس حولها لاحقاً، وهو بيّن الرفض الإسرائيلي لها وجوب التمسك بها.

ورغم أن وسائل إعلام أشارت أمس إلى أن المجلس رفض الاتفاق، إلا أن الرفض في الواقع كان مرتبطاً بالملاحظات اللبنانية عليه، والفارق كبير بين الأمرين. فرفض الاتفاق يعني إنهاء التفاوض وبدء مسار التصعيد، فيما رفض الملاحظات هو استدراج لتدخل أميركي من أجل التوصل إلى تسوية ما. علماً أن وسائل إعلام عبرية نقلت عن مصادر الجانب الأميركي أمس أنه ملتزم إيجاد تسوية، وأن الخلاف الناشئ لا يغير من التفاؤل بإمكان التوصل إلى اتفاق.

وإلى التماشي مع رأس الهرم السياسي في رفض الملاحظات اللبنانية، تماشى المجلس المصغر أيضاً مع المقاربة التهويلية لوزير الأمن والمؤسسة العسكرية. إذ «وافق» المجلس على إمكان شن عمليات هجومية استباقية في حال توافرت معلومات موثوقة بأن حزب الله يتحضر لشن هجوم، مع تكليف رئيس الحكومة يائير لابيد ووزير الأمن بيني غانتس ورئيس الحكومة المناوب نفتالي بينت، تولي هذه المهمة من دون اللجوء إلى الكابينت.


الرفض والخلفيات والعواقب

عملياً، رفضت تل أبيب ملاحظات لبنان على مسودة الاتفاق، وأعلنت أنها غير معنية باتفاق يتجاوز الخطوط الحمر الإسرائيلية، فيما تولى إعلامها الترويج لتقلص فرص الاتفاق في ظل الملاحظات. فهل «انفجر» المسار التفاوضي بما يقود إلى تصعيد أمني، ومن ثم مواجهة عسكرية؟

تبدو أسئلة ما بعد رفض تل أبيب أكبر وأشمل وأكثر تقدماً من الواقع التفاوضي نفسه. من الطبيعي أن لا «تبصم» إسرائيل على الملاحظات اللبنانية كما وردت إليها من دون أن تسعى إلى تعديلها، رغم أن الرفض، في ذاته، يكشف نياتها اللاحقة في الاستفادة من ضبابية عدد من البنود التي أرادت الملاحظات اللبنانية على منع استغلالها لتفريغ الاتفاق من مضمونه.

وجاء الرفض الإسرائيلي مصحوباً بتأكيدات لافتة على أن الأخذ بالملاحظات كما وردت يعني تجاوز خطوط حمر إسرائيلية، ما أتاح فتح شهية كثير من المراقبين على البحث في احتمالات إعلان تفجير التفاوض، والعودة إلى الخيارات المتطرفة التي لم تغادر مسار التفاوض غير المباشر منذ أن بدأ برعاية أميركية، وحتى المرحلة التي أعقبت تهديدات حزب الله.

وفي التفاصيل، ترفض إسرائيل أن لا يكون لديها حق مباشر في حقل قانا الذي يعود، وفقاً للاتفاق، إلى لبنان مع إجراء على هامش الاتفاق بينها وبين شركة «توتال» الفرنسية يلحظ لها عائداً مالياً من الشركة، الأمر الذي أكد لبنان رفضه أن يكون حقاً عينياً على حقل قانا، بل حق بين طرفين ثالثين لا علاقة له بالاتفاق البحري. ورفض إسرائيل لهذا التفسير، يعني أنها تريد أن يكون لديها حق عيني في قانا، ما يعطيها حق الفيتو الذي من شأنه أن يمنع الشركة المشغلة من أن تنقب أو تستخرج أو تبيع إلا وفقاً لإرادة إسرائيل التي ستستخدم حقها «الطبيعي» في فعل ما تشاء في ملكيتها. وهذا يعني أن حق لبنان في استغلال ثرواته البحرية سيكون مرهوناً بالإرادة الإسرائيلية وهو ما لا يمكن أن يرضاه اللبنانيون.

وفي الملاحظات أيضاً، يأتي طلب لبنان بأن لا يكون الخط الذي يفصل المنطقتين الاقتصاديتين للجانبين هو خط الحد البحري المعترف به دولياً، بل مجرد خط يتعلق بـ«واقع الأمر القائم» الذي يفصل المنطقتين. هذه الملاحظة رفضتها إسرائيل التي تريد أن يكون الخط 23 هو الخط المعترف به دولياً بين الجانبين. علماً أن خط «واقع الأمر القائم» يكاد يكون اختراعاً فرضته إسرائيل تاريخياً عبر فرض إرادتها على الآخرين عندما أرادوا منها ترسيم الحدود معها على الأرض التي احتلتها منهم.

من هذا المنطلق فإن الملاحظات ليست مجرد ملاحظات، بل بنود أساسية يجب أن يصر لبنان على إدراجها في متن الاتفاق، في حال توصل الجانبان إلى التوقيع عليه. وفي هذه النقطة تحديداً، لم يكن المصدر الإسرائيلي السياسي الذي تحدث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية» أمس مخطئاً في وصف الملاحظات اللبنانية بأنها «تغييرات جوهرية» في الاتفاق.


هل يعني ذلك أن الاتفاق نُسف؟

الإجابة «نعم، ولكن»، تماماً كما يمكن أن تكون «لا، ولكن». في واقع الأمر، ما حدث هو جولة تفاوضية بين الجانبين، في مسار تفاوضي يواكبه تفاوض عبر وسائل الإعلام، ما يفتح الملاحظات، والملاحظات على الملاحظات، على تأويلات وتفسيرات لا تحصى، وإن كان ما انتهت إليه المفاوضات يشير في واقع الأمر إلى عرقلة إسرائيلية كبيرة، فضحت نيات الكيان السيئة وشهيته لتفسيرات لاحقة. وفي ذلك ملاحظات:

أولاً، تصر إسرائيل - كما عكست تسريبات مسؤوليها للإعلام - أنها لم ترفض الاتفاق، بل رفضت الملاحظات عليه وحسب. وتوضيح كهذا يعني أن الأمور لم تصل إلى طريق مسدود، وأن إسرائيل تحرص على توضيح ذلك كي لا يبادر الطرف الآخر إلى تفسير الأمر رفضاً للاتفاق، وهي إشارة واضحة إلى حزب الله تحديداً بضرورة التمهل قبل أن يقدم على أي إجراء متطرف. وقد أبلغ مصدر سياسي إسرائيلي موقع «يديعوت أحرونوت» أن فرصة التوصل إلى اتفاق مع لبنان، في مرحلة ما بعد (وليس قبل) الانتخابات الإسرائيلية مقلصة جداً. في حين أن أصل التسريب الذي تحدث عن رفض الملاحظات اللبنانية، وأثار كل الضجة والاحتقان أمس، لم يرد على لسان لابيد نفسه، بل عبر مصدر سياسي رفيع، ما يتيح للمستوى السياسي الحاكم التراجع. علماً أن كل ذلك جاء في موازاة الحديث عن أن شركة «إنيرجيان» ليست جاهزة، بسبب «عراقيل تقنية»، لاستخراج الغاز من حقل «كاريش» في المرحلة الحالية (لغاية نهاية الشهر الجاري)، وهو التأجيل المتكرر منذ أسابيع.


ثانياً، لا يمكن استبعاد العامل المرتبط بالانتخابات الإسرائيلية، بين لابيد ومعارضيه، على ضوء الحملة الشرسة التي يقودها بنيامين نتنياهو ضد الاتفاق، ما أثمر نتائج طيبة لرئيس المعارضة. وهذا يفسر، في حد أدنى، تظهير ما حصل في هذه الجولة من المفاوضات التي كانت لتكون بعيدة كغيرها من الجولات عن الإعلام العبري، لولا المصلحة الشخصية للابيد وتقاطعها مع سير التفاوض الذي بات جزءاً لا يتجزأ منه، وهي عملية تفاوض عبر الإعلام في هذه المرحلة، وهو ما يجب أن يكون في حسبان المفاوض اللبناني، قبل الإجابة على رفض الملاحظات، كما يرد من إسرائيل.

الواضح أن المصلحة الشخصية لرفض لابيد، تقف إلى جانب إرادة تحصيل ما أمكن من لبنان عبر كشف المفاوضات على الإعلام والتلميح إلى إمكان نسفها، لتحصيل ما أمكن عبر التفاوض المكشوف. لكنها أيضاً تفسر طريقة الإخراج التي تبدو وكأنها تشير إلى صقورية مفقودة لدى لابيد نفسه، علماً أن نتنياهو بادر في أعقاب ذلك إلى حصد المكاسب، إذ قال إن «معارضتي لاتفاق الخضوع لحزب الله، هو الذي دفع لابيد لرفض الملاحظات اللبنانية».

ثالثاً، قال لبنان كلمته، وقالت إسرائيل كلمتها. وإذا توقفت الأمور عند هذا الحد من التفاوض، فهذا يعني نسفاً للاتفاق قبل أن يولد، وستتجه الأمور إلى التصعيد. وهي نتيجة طبيعية لواقع الأمر، مع مفاوضات تجري تحت سقف التهديدات والتهديدات المقابلة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، وهو ما أجبر الأخير على دفع صاحب القرار السياسي في تل أبيب، إلى القبول بالمطالب اللبنانية.

جدول أعمال رأس الهرم السياسي مشبع بالتهديدات الداخلية، وهو يحاول أن لا يتجرع «سم الاتفاق» الذي ارتضته المؤسسة الأمنية وفرضته عليه، درءاً لأخطار مواجهة قد يتسبب بها الرفض. إلا أن من «تجرع سم» الرضوخ لحزب الله، كما يرد على لسان نتنياهو، وإن خصص في حديثه لابيد دون المؤسسة الأمنية، يحاول التخفيف من حجم ومستوى السمّية ما أمكن، عبر الدفع ببنود يمكنها أن تغير واقع الرضوخ وتقلب التموضعات بين إسرائيل ولبنان، عبر الاحتيال والتشاطر على البنود، نتيجة تفسيرات لاحقة ملغومة، أحسن لبنان إيراد ملاحظته عليها منعاً للغط الإسرائيلي مستقبلاً.


ترافق التصعيد مع إعلان عدم جاهزية «إنيرجيان» للعمل في «كاريش لأسباب «تقنية»

رابعاً، كما هي العادة المتبعة في تل أبيب، قرن رفض الملاحظات اللبنانية، بتصريحات متشائمة بإمكان التوصل إلى اتفاق، وبتهديدات موجهة إلى حزب الله في حال أقدم على التدخل عسكرياً في سياق التفاوض. وتحاول تل أبيب عبر هذا «التكتيك التفاوضي» دفع لبنان إلى التراجع عن ملاحظاته أو تليينها بما يتوافق مع المصالح الإسرائيلية، مع الرهان على أن تسحب هذه التهديدات ورقة التهديد العسكري من حزب الله. علماً أن الرهان الإسرائيلي يأتي في معرض مجازفة لا يقين إزاء نتيجتها.


خامساً، باتت الكرة الآن في ملعب الجانب الأميركي الذي أكد أمس، عبر مسؤول كبير في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض لموقع «واللا» العبري، أن المفاوضات وصلت إلى نقطة مصيرية، لكن الإدارة الأميركية لا تزال تعتقد أنه يمكن التوصل إلى اتفاق. ووفقاً للمسؤول الأميركي، فإن «هوكشتين مستمر في بذل الجهود المكثفة مع الطرفين، والفجوات تقلصت، وما زلنا ملتزمين عرض اتفاق بينهما». يأتي ذلك بعد تأكيد مصادر ديبلوماسية غربية للموقع نفسه، نقلاً عن هوكشتين، أن «الملاحظات اللبنانية غير ضرورية ولا يجب أن تمنع التوصل إلى اتفاق». والمعنى أن الموقف الأميركي رافض للعرقلة، وإن أوحى أن العرقلة لبنانية، وسيسعى إلى ترتيب تسوية ما بين الجانبين، وهو هدف الاعتراض الإسرائيلي.

في المحصلة، الاتفاق قد يبرم أو لا يبرم. الاحتمالات كلها واردة من ناحية منطقية، وهو في الأساس لم يكن مبرماً كي ينسف كما تردد لدى البعض أمس. لكن في كل حالة سيبنى على الشيء مقتضاه. الكرة الآن في ملعب إسرائيل وأميركا، وأكثر تحديداً في ملعب المؤسسة الأمنية الإسرائيلية التي دفعت إلى بلورة الاتفاق عبر تراجع إسرائيل عن مطالب أصرت عليها لسنوات، بعدما تلقت تهديدات حزب الله، وقدرت أنها ستُفعّل في حال رفض الاتفاق وفقاً للشروط اللبنانية.

تبقى المعادلة الحاكمة على حالها لا تتغيّر: رضوخ إسرائيل جاء نتيجة التهديد ومنعاً لتصعيد عسكري وحرب في مواجهة حزب الله. هذا الموقف لا يتغيّر إلا بعد أن تتغيّر تقديرات المؤسسة الأمنية في تل أبيب بأن إرادة حزب الله تراجعت، وبات غير متوثب لتنفيذ تهديداته. إذا كان موقف حزب الله ثابتاً، فالنتيجة أن موقف إسرائيل لا يتغيّر. أما تفسير ما جرى أمس، فقد يكون عائداً إلى «تشاطر» تتداخل فيه عوامل مختلفة تتعلق بالساحة الإسرائيلية نفسها، وربما أيضاً تطرف في إمكان التغيير في الاتفاق وإن متأخراً. أما أرجح التقديرات، فيشير إلى أن رفض الملاحظات اللبنانية هو تكتيك إسرائيلي يتعلق بمحاولات كسب ما أمكن في اللحظات الأخيرة من المفاوضات، مع محاولة تحسين صورة الرضوخ التي أجبر لابيد على أن يتلقاها هو تحديداً كونه الآن رئيساً للحكومة. أما إذا كانت هذه التقديرات خاطئة، فستكون للميدان كلمته، من دون استبعاد أي نتيجة متطرفة، مهما بلغ تطرفها.



هاتف هوكشتين مفتوح مع بيروت: لبنان يتمسك بالتعديلات ويحذّر من الحرب

بعد أقل من ساعة على بدء التسريبات الإعلامية عن رفض حكومة يائير لابيد التعديلات اللبنانية، تلقى لبنان رسمياً، عبر الوسيط عاموس هوكشتين، الموقف الإسرائيلي، مشيراً إلى أن أبرز نقاط الاختلاف ما يتعلق بخط الطفافات والاتفاق على العمل في حقل قانا وشكل الاتفاق النهائي.

وطوال نهار أمس، وحتى ساعة متأخرة، أجرى هوكشتين عبر تقنية الفيديو والاتصالات الهاتفية مفاوضات مكوكية بين تل أبيب وبيروت. وكانت أجواء الفريق المفاوض في لبنان حاسمة لجهة أن النقاش حول أصل الموقف من مسألتي الحدود وخط الطفافات وحرية لبنان بالعمل في حقل قانا غير قابلة للنقاش. وبدا أن الجانب اللبناني مستعد للتساهل في عمليات الصياغة، ولو أن في لبنان من أدرك سريعاً أن ما يقوله العدو يندرج في سياق تصعيد له خلفيته المتصلة بالانتخابات الداخلية من جهة، وبمحاولة تحصيل مكاسب على حساب لبنان من جهة ثانية.

وقال مصدر رسمي معني لـ«الأخبار» إن لبنان أبلغ الوسيط الأميركي بأنه لن يتراجع عن التعديلات التي أرسلها، وأن على الولايات المتحدة أن تفي بوعودها لتسيير الأمور مع العدو. وكان الكلام الرسمي العلني هو ما قاله رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل من أن على العدو أن يختار بين الاتفاق أو الحرب.

كما أجرى مسؤولون فرنسيون اتصالات بعدد من الجهات اللبنانية المعنية بالمفاوضات، وبينها شخصيات رسمية، وقالوا إن الاجتماعات التي عقدت بين إدارة «توتال» والجانب الإسرائيلي أفضت إلى قبول الطلب اللبناني، وأن الشركة الفرنسية ملتزمة الطلب اللبناني بأن أي تسوية بينها وبين إسرائيل لا تخص لبنان، وأن عملها لن يكون مرتبطاً بأي موافقة مسبقة من إسرائيل.

في غضون ذلك، كان رئيس حكومة العدو يائير لابيد يتلقى خلال جلسة المجلس الوزاري المصغر آخر التحديثات من الأميركيين. ونقل عن لابيد في ختام الاجتماع قوله إن «إدارة بايدن تحاول الضغط على لبنان للتراجع عن بعض ملاحظاته أو تحفظاته من أجل التوصل إلى اتفاقية الغاز وفق الصيغة الأصلية التي وضعها المبعوث هوكشتين». وأضاف لابيد: «نحتاج إلى تجنب هتافات الحرب. نحاول التوصل إلى اتفاقات أيضاً الآن».

وكان واضحاً أن لابيد استعان بممثلي المؤسستين الأمنية والعسكرية للضغط على المعارضين للاتفاق. واعتبر رئيس الأركان أفيف كوخافي أن الاتفاق مع لبنان جيد ويحافظ على المصالح الأمنية الإسرائيلية. كما شدد ممثلو أجهزة الشاباك وأمان والموساد على أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه قبل الملاحظات اللبنانية جيد ويجب التوقيع عليه.

وفي المقابل، خرجت أصوات في الاجتماع تدعو إلى تأجيل البحث في الاتفاق إلى ما بعد الانتخابات في الأول من الشهر المقبل.

إسرائيل تلعب بالنار: تشاطر اللحظات الأخيرة... أم مقـدمة للمواجهة؟
إسرائيل تلعب بالنار: تشاطر اللحظات الأخيرة... أم مقـدمة للمواجهة؟


تعليقات: