بخلاف باقي المدارس لجنة الأهل تراقب وتدقق بالموازنة بشفافية تامة بالتعاون مع الإدارة (جورج فرح)
قد تكون مدرسة الحكمة-عين الرمانة وردة وسط أشواك المدارس الخاصة، التي راكمت الأرباح طوال الأعوام الفائتة، وعندما حلت الأزمة باللبنانيين ارتفع صراخها أنها باتت عاجزة عن تأدية "رسالتها" في حال لم تحصل مبالغ بالدولار النقدي من الأهل، غير الأقساط التي ارتفعت بأكثر من ثلاثمئة بالمئة، عن السنوات السابقة للأزمة.
خطر الإقفال المحتم
مدرسة الحكمة، التابعة لمطرانية بيروت، كانت تواجه خطر الإقفال النهائي، بذريعة وقوعها بعجز مالي. لكن رفض أهالي الطلاب واعتصامهم المتكرر، ورفع الصوت والبحث عن السبل لعدم إقفالها، جنبها المصير المحتم. ففي مطلع الصيف الحالي اتخذت المطرانية قراراً بإقفال المدرسة كلها، بسبب العجز المالي. وربما لم تبد اهتماماً بمصير المدرسة، نظراً لأن جزءاً كبيراً من طلابها من سكان المنطقة المحيطة بالضاحية الجنوبية. ورغم أن عدد الطلاب كان يصل إلى نحو 300 طالب، من صفوف الروضات وحتى صف الشهادة المتوسطة، اتخذ قرار الإقفال.
وفي التفاصيل شرحت رئيسة لجنة الأهل فيرا الحاج أن هناك سببين أساسيين وراء قرار الإقفال: القسم الأكبر من الصفوف كانت شبه مجانية من ناحية، وإقفال المدرسة صفوف الثانوي، قبل ثلاث سنوات، أدى إلى انخفاض عدد الطلاب. فإقفال صفوف الثانوي قلل من اهتمام الأهل بتسجيل أولادهم في المدرسة، لأنهم عادة يفضلون اكمال أولادهم كل مراحلهم التعليمية ما قبل الجامعية في مدرسة واحدة. هذا فضلاً عن إهمال الأهل، لأن كثراً لم يدفعوا الأقساط بشكل دوري.
وشرحت لـ"المدن" أنه منذ ثلاث سنوات باتت الصفوف حتى الصف الخامس ابتدائي مجانية، فتراجعت مداخيل المدرسة. وكذلك أتى قرار إلغاء مرحلة الثانوي ليخفف المداخيل أيضاً. ولم تنصت المطرانية حينها لاعتراضات الأهل من مغبّة الغاء مرحلة الثانوي.
تصدي لجنة الأهل
لكن لجنة الأهل أخذت زمام المبادرة وحولت قضية إقفال المدرسة إلى قضية رأي عام. فاعتصم الأهالي أمام المدرسة، وشنوا حملة على وسائل التواصل ضد إقفالها، قبل انتظار تحديد المطرانية موعد لهم لمناقشة الأمر. وبعد هذه الصرخة، دعت المطرانية لجنة الأهل إلى اجتماع وابلغتهم أن قرار الإقفال متخذ. لكن بعد الضغط أخرتّ المطرانية الأمر لمدة شهرين، في انتظار جمع أهالي الطلاب المبالغ المالية المكسورة. وبادر الأهل إلى جمع الأموال لدفع القسط مسبقاً لتأمين الكلفة التشغيلية، نظراً لخوفهم من إقفال مدرسة أبنائهم.
لكن في الأثناء أتت شركة "غلوبال ادوكيشن" ووقعت اتفاقاً مع المطرانية، واستلمت إدارة المدرسة، بشرط بقائها تحت مظلة الحكمة، وعدم تغيير الاسم.
شفافية الإدارة الجديدة
وتشير رئيسة لجنة الأهل إلى أن الإدارة الجديدة وضعت ميزانيات مثل سائر المدارس، تتضمن جزءاً بالدولار، انخفض بعد نقاشات مع الأهل إلى 175 دولاراً سنوياً، تحصّل على سعر منصة صيرفة، الأمر الذي ترفضه باقي المدارس. أما القسط بالليرة اللبنانية فيتراوح بين سبعة وتسعة ملايين ليرة. وهو قياساً بباقي المدارس يعتبر مبلغاً مقبولا للأهل، كما تقول.
الأهم من كل ذلك وفق الحاج، أن لجنة الأهل تراقب وتدقق بالموازنة، بشفافية تامة بالتعاون مع الإدارة الجديدة، الأمر المغيّب في مختلف المدارس الخاصة. ليس هذا فحسب، بل تكشف الإدارة عن وارداتها من خارج الأقساط. وتشرح الحاج أن المدرسة تلقت هبة من الخارج، عرضتها الإدارة على الأهل بشفافية تامة: مصدر الهبة وقيمتها وكل التفاصيل المتعلقة بها. ليس هذا فحسب، بل وضعت الإدارة لائحة بالأهل المحتاجين، الذين ستشملهم التخفيضات على الأقساط من خلال مكتب الخدمات الاجتماعية. وكذلك عملت الإدارة على إعادة التلامذة الذين تركوا المدرسة، بعد قرار الإقفال. وأقنعتهم بالعودة من خلال حسم رسوم التسجيل، التي دفعوها في المدارس التي انتقلوا إليها، من القسط السنوي. فهذا التعامل النموذجي مع الأهل، دفع نحو تسعين بالمئة منهم إلى تسديد الأقساط.
تفخر الحاج بتجربة لجنة الأهل في هذه المدرسة. فحتى قبل تسلم "غلوبال ادوكيشن" الإدارة الجديدة، تمكن الأهالي من وقف قرار الإقفال من خلال تضامنهم لجمع الأقساط مسبقاً. فبالتعاون مع اتحاد لجان الأهل والمحامين، والتواصل مع المسؤولين، جنبوا المدرسة المصير المحتم. فالأهل عندما يتضامنون ويعرفون حقوقهم وكيف عليهم التوجه ولمن، يستطيعون تحصيل حقوقهم من المدارس الخاصة.
الاستثمار المستقبلي
بالنظر إلى هذه التجربة من الخارج، تبدو غير مربحة مادياً للإدارة الجديدة، نظراً لارتفاع الكلفة التشغيلية. فايرادات الأقساط تكاد توازي النفقات، فيما المدارس الخاصة تطمح لتكديس الأرباح، بخلاف القانون الناظم لها، كونها مؤسسات لا تبغي الربح. وقد تواصلت "المدن" مع الإدارة الجديدة لكنها فضلت عدم التصريح.
لكن مصادر تربوية مطلعة أكدت أن "شركة غلوبال ادوكيشن" تملك سلسلة مدارس في لبنان. فهي تعمل في مجال إدخال تكنولوجيا المعلومات بالتربية، وفي مجال تطوير المناهج التربوية وتستلم مشاريع كبرى ولا سيما في دول الخليج، على غرار "الطلاب النوابغ" والمميزون وغيرها. وصحيح أن تسلم إدارة الحكمة غير مربح في الوقت الحالي، إلا أنه غير ذلك في المستقبل. فأقساط باقي المدارس في السلسلة التي تملكها الشركة، تختلف بين منطقة وأخرى. ورغم أن الشركة لا تستثمر في لبنان لجني الأرباح حالياً، إلا أن الاستثمار في المستقبل لن يقتصر على المردود المادي، بل على المفاهيم التربوية، التي ستنشئ عليها الطلاب.
تعليقات: