المطلقات يرضخن لنفقة بدولار الـ1500 هرباً من ابتزازهن بالحضانة

تتعرض النساء لابتزاز الطليق لانتزاع الحضانة منهن في حال المطالبة بزيادة النفقة (علي علّوش)
تتعرض النساء لابتزاز الطليق لانتزاع الحضانة منهن في حال المطالبة بزيادة النفقة (علي علّوش)


تتضاعف معاناة النساء والأطفال والفئات المهمشة مع كل أزمة تعصف بالبلاد باعتبارهم الحلقة الأضعف، فتتفاقم هشاشة وضعهم الاقتصادي كما الاجتماعي والأمني. وتواجه النساء القسم الأكبر من التحديات، في ظل مجتمع أبوي يبتزهن ويعاقبهن ويقصيهن وينسف حقوقهن.

إثر تدهور الوضع الاقتصادي برزت نسب مرتفعة من التفكك الأسري والطلاق، وعلقت قضايا عدة في المحاكم أبرزها قضايا الحضانة والنفقة. والنفقة تشمل الطعام والملبس والطبابة والإقامة للطليقة والأولاد وهي واجب على الطليق.

صرخات كثيرة تطلقها أمهات مطلقات لا يحصلن على أدنى الحقوق ليتمكن من الاستمرار مع أطفالهن في ظل ظروف تتجه كل يوم إلى الأسوأ.


قرارات استنسابية

"المحكمة الشرعية السنية لم تكلف خاطرها بالبحث والتحري عن عمل طليقي وراتبه ووضعه الاجتماعي، هو ميسور الحال ومعالج فيزيائي في مركز مهم جداً، ومستأجر عيادة خاصة له"، تقول م.س وهي أم لولدين تطلقت منذ ثلاث سنوات في المحكمة الشرعية السنية.

كانت تحصل على 300 ألف ليرة من طليقها مع بداية الأزمة كنفقة لإعالة طفلين. لكن مع تدهور الأوضاع وارتفاع سعر صرف الدولار، تقدمت م.س بطلب إلى المحكمة الشرعية يقضي بزيادة النفقة. ليحكم القاضي بعد جلسات عدّة، ومماطلات، بزيادة 600 ألف ليرة فقط لطفلين. أي أصبحت النفقة 900 ألف ليرة. وهو مبلغ غير كاف في ظل الظروف الراهنة.

تعمل م.س ببيع النحل وتعيش مع طفليها في منزل والديها، اللذان يدفعان حاجات الأطفال والأم من ملابس وطعام وأغراض قرطاسية للتعليم. وتخطط لتقديم شكوى جديدة بعد شهرين لزيادة النفقة، لكنها تخاف ألا تحصل على مبلغ يلبي حاجات طفليها الأساسية. تقول: "قرر وضع الأولاد بمدرسة رسمية وأنا عارضت لأن أوضاع المدراس الرسمية سيئة جداً. صار يبتزّني قائلا أنه يسجلهم في مدارس خاصة غن تنازلت عن حضانتهم". متسائلة "ماذا يمكن أن تكفي الـ 900 ألف للأكل والثياب؟ من اين أسدد الكتب والقرطاسية وغيرها الكثير؟".

وفقاً للمحكمة السنية الشرعية، فانها كغيرها من المحاكم الدينية الأخرى، تقر الزيادات المتعلقة بالنفقة. وهذا قرار استنسابي بحسب المحامي عمر خالد إسكندراني، لأن القضاء يدرس كل حالة بمفردها وقد تصل الزيادات إلى 6 مليون.

وعن تجديد طلب زيادة النفقة في المحكمة الشرعية السنية يقول اسكندراني إنه يحق للطليقة طلب ترقية النفقة بعد مرور عام من طلبها الأخير. فالمحاكم لم تصدر قانوناً بخصوص قيمة النفقة لأنه استنسابي حسب وضع الطليق المادي وعدد الأولاد. وإذا كان الطليق يعمل في الخارج فهو ملزم بالدفع بالعملة الخضراء".


على سعر الصرف الرسمي

لكريستين قصتها ايضا. انفصلت عن زوجها منذ 13 عاماً، وحصلت على حضانة طفلها الذي يبلغ اليوم 15 عاماً. وحكمت لها المحكمة ب 750 ألف ليرة نفقة، فيما كان مقرراً حصولها على 600 ألف ليرة و100 دولار بدل سكن. لكن الطليق لم يدفع يوماً بدل السكن بالدولار. وما زال يدفعه على سعر صرف 1500. يتخلّف طليق كريستين، الذي تزوج وأسس عائلة جديدة، عن دفع حتى 750 ألف ليرة. ويراكمها ويتوقف عن الدفع لفترات.

منذ مدة تقدمت كريستين بدعوى بسبب رفضه دفع كلفة علاج ابنه التي وصلت إلى 10 ملايين ليرة في الشتاء الماضي. وتقول: "مأصيب ابني بالكورونا واحتاج إلى علاج كلّف 10 ملايين ليرة، وانا نفقتي 750 ألفأ، إذا سددها. قدمت شكوى إلى لنيابة العامة، لكن عالقة بسبب الإضرابات." فقضاة لبنان ومحاكمها أعلنوا إضراباً مفتوحاً وشاملاً عن العمل منذ أسابيع .

هذا الإضراب قد لا يشمل المحاكم الدينية لكن هناك عدد من الكتاب والعاملين في تلك المحاكم قد انضموا أيضاً للإضراب ما عرقل سير الأحكام وتقديم الشكاوى.


تحديد شروط النفقة

تضيف كريستين: "طليقي مهندس ولديه كثير من الأملاك. فعائلته الجديدة تعيش برفاهية. نفقة ابني ما يعادل 17 دولاراً اليوم. فأين العدل؟!"

يشرح رئيس محكمة صور الشرعية المفتي الشيخ حسن عبدالله شروط تحديد النفقة مؤكداً أن الأساس فيها النظر في إمكانية الزوج وقدرته على الإنتاجية، وحاجة الأطفال بالمقابل. فلا يمكن تحديد رقم خيالي لمن يتقاضى مليونين شهرياً، أما مثلاً الصيدلي الذي يمتلك صيدليته الخاصة بالطبع نفرض عليه مبلغاً أكبر. ونحن ننظر بجميع الطلبات المقدمة بعدل وبما يتوافق مع الظروف لتأمين حياة كريمة للأطفال. وتقريباً جميع النفقات صارت تقدر بالمليون وما فوق".

يضيف المفتي عبدالله أن عدم دفع النفقة يودي إلى سجن الطليق. "فالمحكمة لا تتساهل مع هذه القضايا التي تتعلق بحياة الأطفال ومعيشتهم".


تردي الأوضاع المادية

لوسيا، وهي أم أخرى، تواجه مماطلة طليقها في دفع النفقة التي كانت قد أقرتها المحكمة الروحية المارونية بمبلغ يصل إلى 500 دولار شهرياً. لكن بسبب الوضع المادي المزري لم يعد بمقدور الأب دفع النفقة بحسب قوله. وبات يدفع مصاريف المدرسة لطفلتيه فحسب، لينخفض المبلغ الذي يدفعه من 500 إلى 100 دولار فقط. وهو مبلغ لا يكفي لتأمين حاجيات الطفلتين في ظل مصاريف المدارس الباهظة.

وفي هذا السياق، يلفت المحامي جوزيف صهيون إلى أن "تكاليف المطالبة في المحاكم الروحية ارتفعت بشكل عام وهذا ما يعرقل الطريق أمام النساء في المطالبة بتعديل النفقة. فعلى سبيل المثال تصل رسوم قيد دعاوى الطلاق، التي تتضمن طلب الحضانة والنفقة والتعويض، مهما تعددت الأسباب، إلى 7 ملايين ليرة لبنانية".

يمكن القول إن الأزمة طالت الطرفين ووضعتهما في مأزق بين تأمين مستقبل أطفالهم، وواقع الرواتب التي لم تتحسن بما يتناسب مع الغلاء المعيشي. فالأب الذي ما زال يتقاضى راتباً بنحو ثلاث ملايين ليرة، لن يستطيع دفع حاجيات أطفاله كاملةً. وهنا يقف طرفا الأسرة مكبلي الأيدي أمام واقع مرير لا نجاة منه في ظل أزمة أودت بالجميع إلى الهاوية. لكن لا يمكن تجاهل شكاوى النساء اللواتي يتعرضن للضغط والإبتزاز للتخلي عن حقوقهن وحضانة أولادهن وإلا الرضوخ والقبول بما يراه الطليق مناسباً.


شكاوى عالقة

وتكشف الناشطة والنسوية في "شريكة ولكن" مريم ياغي عن أرقام كبيرة من الشكاوى المتعلقة بالنفقة تصل يومياً إلى الجمعية من نساء، عقب تدهور الأوضاع الاقتصادية. وتقول: "نعم تنظر المحاكم في طلبات رفع النفقة ولكن تماطل وتأخذ وقتاً طويلاً. وهناك حالات كثيرة وشكاوى لا زالت عالقة في المحاكم الروحية أو الجعفرية والسنية. هذا فضلاً عن التكاليف والرسوم المترتبة على عملية تقديم الشكاوى. وإن بعض النساء غير قادرات على تغطية بدل النقل لإنجاز المعاملة حتى. فهنّ يعتبرن أن التكاليف التي سيتكبدنها تكاد تفوق النفقة التي سيحصلن عليها. فيتخذن القرار بالصمت. وصمتهن هذا، بحسب ياغي، ناجم عن أسباب أخرى. فهناك حالات كثيرة وصلت إلى الجمعية تتخذ الأم فيها قرار التخلّي عن المطالبة بدفع النفقة، خوفاً من انتزاع أطفالها منها، أو الدخول في دوامة المحاكم من جديد، بعد تعرضها لإبتزاز الطليق لانتزاع الحضانة منها في حال المطالبة بزيادة النفقة.

تعمل جمعية "شريكة ولكن" على توعية النساء على حقوقهن القانونية، ولكن "في ظل ما نمر به يبقى الحل الوحيد لهذه الأزمة قانون موحد للأحوال الشخصية. فحاجات الأطفال واحدة مهما اختلفت طوائفهم"، تقول ياغي. وتضيف: "يجب على المحكمة تأمين فريق للمراقبة والتقصي عن الوضع المادي والاجتماعي للطليق. فغالباً يصدر الحكم بناءً لأكاذيب الطليق بحسب المستندات التي يقدمها".


ملاحظة: تم انتاج هذا التقرير بدعم من منظمة وان-ايفرا.

تعليقات: