رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، إيال حولاتا
كشفت مصادر فلسطينية لـ"المدن" أن مصدر التسريبات الأمنية والسياسية الإسرائيلية، الموجهة إلى لبنان في الساعات الأخيرة، هو رئيس "مجلس الأمن القومي" الإسرائيلي، إيال حولاتا، إلى جانب مجموعة من أكبر قادة الجيش الإسرائيلي، ومكتب رئيس الحكومة يائير لبيد أو وزير مقرب منه.
وكثفت وسائل الإعلام العبرية نقلها للتسريبات الأمنية والسياسية الإسرائيلية التي تنطوي على رسائل موجهة للبنان خلال الساعات الأخيرة، من دون ذِكر أسماء المصادر، أو توصيفها الوظيفي. وفيما كان ذلك امتداداً لأسلوب التسريبات المتعلقة بملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، طيلة الفترة الماضية، فإن التسريبات الأخيرة تصاعدت على وقع الصراعات الداخلية في الدولة العبرية، وحملت غايات مختلفة عما سبقها.
واستخدمت وسائل الإعلام تعبير "المصدر الرفيع"، كما في كل تسريب نقلته خلال الأيام القليلة الماضية، وعرضت فيه تفاصيل صيغة الحل المقترح من الوسيط الأميركي أموس هوكشتاين. وأوضحت معلومات لـ"المدن" أن المصدر هو حولاتا، الذي قام بإحاطة عدد قليل من الصحافيين المتخصصين بالمجال السياسي، بماهية الإتفاق وظروفه، طالباً منهم عدم ذِكر اسمه، ونشر رسائل باتجاهات معينة.
والسؤال هنا، هو لماذا أدلى حولاتا بالتسريب قبل إبرام الاتفاق المأمول، وقبل ساعات من الإعلان عن مطالبات لبنان لتعديل بعض البنود، ثم الرفض الإسرائيلي، وصولاً إلى عودة التهديد الكلامي من قبل تل أبيب لبيروت؟ وبنظرة معمقة على مضمون الرسائل ومعالجات الإعلام العبري لها، فإن حولاتا وغيره من المسؤولين المسرّبين أرادوا تقديم رسائل محددة إلى لبنان، من دون نسب ذلك رسمياً إلى الحكومة، حتى لا تتخذها الدولة اللبنانية دليلاً على التشويش الإسرائيلي الممزوج بالضغط النفسي.
وتناغمت رسالة حولاتا مع تسريبات أمنية وسياسية لاحقة خلال الساعات الأخيرة، بعد الحديث عن تأجيل أو انتكاسة للاتفاق، ثم أمل بإمكانية حصوله. وحرصت الرسائل على "تحذير لبنان من أن الحكومة الإسرائيلية في وضع داخلي حرج جداً عشية الإنتخابات، ولا تستطيع أن تقدم تنازلات أكثر مما فعلت، خصوصاً أن ما تبقى على عمرها قرابة الأسابيع الثلاثة". ووفق متخصصين بالشأن الإسرائيلي، فإن تل أبيب تعلم أن بيروت تدرك أن الرسائل آتية من حكومة تل أبيب، من خلال وسيلة التسريبات.
جاء بعد ذلك تسريب آخر ممن سمّاها تلفزيون "مكان" بـ"مصادر سياسية رفيعة"، السبت، عن أن اليومين المقبلين حاسمان حيال إحياء فرص إنجاز الإتفاق، في ما يبدو ابتزازاً نفسياً للبنان، بالقول أنه رغم الضغوط التي تمارسها واشنطن على الطرفين، إلا أن الاتفاق لن يحصل، على الأغلب، قبل انتخابات الكنيست. ما يحيل إلى إمكانية تذرع حكومة تل أبيب بتعديلات لبنان للتملص من استحقاق التوقيع قبل انتخابات الكنيست، لغايات داخلية.
والحال أن تسريبات الإعلام العبري تتحدث عن ضغط أميركي وآخر فرنسي على لبنان، للنزول عن الشجرة، تحت عنوان "الوقت ينفد، لم يتبقَ الكثير من عمر الحكومة الإسرائيلية الحالية، والفرصة المتاحة للإتفاق قد لا تتكرر". واستهدفت التسريبات، ولو بدرجة أقل، الجيش الإسرائيلي؛ بغية دعوته للاستعداد لأي سيناريو للتصعيد، حتى لو كان مستبعداً. ودلل على ذلك، إقرار محللين عسكريين في إذاعة "مكان" بأن التهديدات لبيروت بمثابة "دعاية نفسية"، وإن كانت تنطوي على قلق أمني حقيقي من مغبة الإنجرار لمعركة عسكرية.
وغالبية التسريبات أتت من الحكومة الإسرائيلية وفريقها الأمني، وليس من طرف المعارضة، لأن الأخيرة تكفلت بحملة دعائية ضخمة تجاه رئيس الحكومة يائير لابيد، عبر وصفه بأنه "تنازل عن حقوق إسرائيل، وخشي من حزب الله"؛ لعلّها تسجل لها مكاسب انتخابية.
وهكذا، جاءت المعارضة والرأي العام في إسرائيل بمثابة المستهدَف الثالث من التسريبات الرسمية، ضمن دفاع الحكومة الإسرائيلية عن اتفاق الترسيم، بالقول أنه استراتيجي لإسرائيل، قبل أي اعتبار. لذلك، كانت الرسالة موحدة وغير متناقضة من قبل المؤسسة السياسية والأمنية، في معظم الأحيان، حسب المراقبين.
في المقابل، تعتقد دوائر صحافية وسياسية في إسرائيل أن ضغط الصحافيين لمعرفة ما يجري في مفاوضات الترسيم هو عامل آخر لتسريبات الحكومة الإسرائيلية، بأكثر من أسلوب. وذهبت آراء في الدولة العبرية إلى القول إنه "بغض النظر عمن يقف خلف التسريبات، وماهية الرسائل الدعائية، فإن الأهم هو: هل يرى الاتفاق النور؟ ومتى؟".
الدعاية الإسرائيلية الرسمية اتخذت طابع المُناورة، اتصالاً بالانتخابات، وتشويش اللبنانيين، لكنها أثارت مع ذلك، ادعاء بأن الوضع الداخلي في إسرائيل ولبنان، بمثابة دافع نحو تسريع الاتفاق خلال الشهر الحالي، مع توافر أكثر من عامل مساعد: الأول، الترويج بأن الطرفين اللبناني والإسرائيلي متفقان على 95% من الصفحات العشر التي قدمها الوسيط الأميركي، كصيغة للحل الوسط. والثاني، شعور الحكومة الإسرائيلية بإمكانية تمرير الحل داخلياً، على ضوء استطلاعات الرأي التي تقول أن 46% من الإسرائيليين يرون أن اتفاق الترسيم قد ينطوي على أمور سلبية أو ايجابية لإسرائيل، لكنهم مع امكانية القبول به، إلى جانب قبول مطلق به من 26%، في مقابل رفض 27% للاتفاق. أما الثالث، فهو إظهار العد التنازلي لعمر الحكومة الذي ينتهي أواخر الشهر، كفرصة نادرة للاتفاق.
بالمحصلة، مثلت التسريبات وسيلة إسرائيلية لافتة في المفاوضات مع لبنان، وبدا تضاعفها مؤخراً، على وقع التهديد والإبتزاز، وكأنها مفاوضات الساعة الأخيرة، قد تفشل أو تنجح. وعزز هذا الإستنتاج، محلل الشؤون العسكرية عاموس هرئيل، حينما اعتبر في مقاله بصحيفة "هآرتس"، أن تأهب الجيش الإسرائيلي المتزايد هو جزء من المفاوضات على الحدود البحرية اللبنانية. وقال هرئيل إنه قبل ثلاثة أسابيع ونيف، من الانتخابات العامة في إسرائيل، من الصعب للغاية فصل المتطلبات الأمنية عن تكتيكات التفاوض، أو عن الحملة الانتخابية.
تعليقات: