لماذا لا تُضمّ المجزرة ضد الجيش الى التحقيقات الدولية؟

بين السياسيين من يعتقد أن أزمة مخيم نهر البارد ستطول الى أن تنشأ أزمة جديدة من شأنها أن تحوّل الأنظار اليها، لأن كل الدلائل تشير الى أن الحسم العسكري ضد تنظيم «فتح الإسلام» في مخيم نهر البارد لم يعد مطروحاً بالشدة التي طُرح بها في الأيام الأولى التي تلت اعتداء هذه المنظمة على الجيش.

ويقول مطّلعون إن مساعي حثيثة تجري من أجل إيجاد حل لهذه الأزمة من شأنه أن يحفظ هيبة الجيش، ويضع حداً لما يمكن أن تُحدثه من تفاعلات وتدخلات خارجية، ويرى أن على فريقي الموالاة والمعارضة الاستفادة مما حصل وما يتركه من مضاعفات على الصعد الداخلية والخارجية من أجل تأليف «حكومة الإنقاذ» التي دعا اليها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في رسالته الى اللبنانيين في مناسبة عيد المقاومة والتحرير الأسبوع الماضي.

ذلك أن أخطر ما يمكن أن تنتهي اليه هذه الأزمة في حال استمرارها هو أن يصبح لبنان ساحة معركة بين قوتين دوليتين هما الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميون والدوليون، وتنظيم «القاعدة»، وهي معركة اذا حصلت فلن يكون في استطاعة القوى السياسية اللبنانية التحكّم فيها أو وقفها.

ويرى المطّلعون أنّ التحقيق الكامل لاكتشاف أسباب ما يجري في مخيم نهر البارد هو الذي يضع حداً لكل ما تشهده من تفسيرات وتأويلات، بحيث إن على هذا التحقيق أن يكشف حقيقة ماهية «فتح الإسلام»، فإذا كانت تركيبة مخابراتية أو أن هناك أجهزة مخابراتية متداخلة فيها أمكنت معالجتها من خلال الجهة التي تقف وراءها، أما اذا كانت جزءاً من «القاعدة» واذا كان ما جرى بداية حرب أميركية على هذا التنظيم في ساحة لبنان فهذا يعني أن المسألة كبيرة وخطيرة ولا حل قريباً لها.

ولذا يقول هؤلاء إن المطلوب، سريعاً، إجراء تشخيص لظاهرة «فتح الإسلام» تحدّد في ضوئه المعالجة اللازمة، لأن ما جرى حتى الآن هو طرح علاج لهذه الأزمة من دون الوصول الى التشخيص الدقيق لهذه الظاهرة وهذا من شأنه أن يعقّد الأمور وأن يُحدث «اشتراكات» (بالمعنى الطبي). وهذا التشخيص يتم من خلال إجراء تحقيق واسع وجدي لكشف حقيقة هذه الظاهرة وليس بإبداء آراء وتعليقات عليها.

فالمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وبريطانيا تقول إن «فتح الإسلام» جزء أو فصيل من «القاعدة» مما يشير الى أن هناك هدفاً خارجياً من خلال ما جرى في مخيم البارد مما دفع ببعض القوى المحلية الى تركيب مصالح عليه، فكأن المطلوب إضعاف الجيش خوفاً من احتمالين، أولهما ترؤس قائده العماد ميشال سليمان حكومة انتقالية الى حين انتخاب رئيس جمهورية جديد إذا لم يتم الاتفاق بين الأكثرية والمعارضة على رئيس توافقي. والثاني انتخاب سليمان رئيساً للجمهورية خلفاً للحود.

وفي رأي المطّلعين أنفسهم أن التشخيص القائل بوجود «قاعدة» في لبنان أحرج الإدارة الأميركية إزاء حلفائها الدوليين الذين سألوا عما تفعله السلطة اللبنانية المدعومة من واشنطن، وهل تحمي «القاعدة» التي تحاربها الولايات المتحدة دولياً تحت عنوان مكافحة الإرهاب الدولي؟ ولذا سارعت واشنطن الى الطلب من هذه السلطة إنهاء «فتح الإسلام» في لبنان، ومن خلال ذلك تم تركيب قضية إضعاف الجيش، أوّلاً لأسباب تتعلق بدور مستقبلي محتمل او مفترض لقائده، وثانياً لأن الجيش هو الضمان للوحدة الوطنية، لأنه إذا كان المطلوب تحويل لبنان ساحة صراع بين واشنطن و«القاعدة»، فإن ذلك يفرض تقويض الجيش ومنع أي دور له من شأنه أن يمنع هذا الصراع ويفرض هيبة الدولة وسلطتها وأمنها على كل أراضيها.

ويرى المطّلعون إياهم أيضاً أن المجزرة التي ارتكبتها «فتح الإسلام» في حق الجيش ينبغي لها أن تُضم الى التحقيقات الدولية الجارية في كل الجرائم الواقعة منذ أول تشرين الأول 2004، وذلك من أجل كشف ملابساتها وأبعادها والمشتركين فيها من الداخل والخارج.

وفي رأي هؤلاء المطلعين، وبعضهم ينتمي الى المعارضة، أن ما جرى في مخيم نهر البارد قلب الأمور ضد من رعوا ظاهرة «فتح الإسلام» الذين خسروا ورقة تحضير «جيش معيّن» في مواجهة المعارضة، وخسروا الموقف الفلسطيني والأجواء السلفية المتعاطفة مع «فتح الإسلام»، في الوقت الذي تعاظم فيه الإجماع الشعبي حول الجيش. وزاد الطين بلة بالنسبة الى هؤلاء أيضاً دعوة السيد نصر الله الى تشكيل حكومة إنقاذ من دون أن يتحدث عن نسب تمثيل فيها. وقد مثّلت هذه الدعوة تهديداً جدياً لوجود الحكومة الحالية، فيما كانوا ينتظرون من نصر الله أن يخسر الجيش ويؤجج الجو المذهبي ويحرّك «فتح الإسلام» والمتعاطفين معها ضده.

تعليقات: