غياب تام لقانون يجرّم تزويج الأطفال (Getty)
"خطر يداهم الأطفال في لبنان". هذا ما خلصت إليه دراسة أجرتها منظمة اليونيسيف حول وضع الأطفال خلال الأزمة الاقتصادية، محذرة من أن تدهور الأوضاع الاقتصادية يضع الأطفال في لبنان تحت الخطر، من ترك التعليم وعمالة الأطفال وسوء التغذية والافتقاد للعناية الصحية وغيرها.
إضافة الى كل هذه المخاطر، أشارت دراسة أخرى إلى أن ظاهرة "التّزويج المبكر" للطفلات خلال الأزمة بدأت ترتفع نسبتها، في ظل غياب تام لقانون يجرّم تزويج الأطفال ومن هم تحت سن 18 عاماً.
طفلات يدفعن الثمن
أجرت جمعية "مساواة-وردة بطرس" دراسة أشارت فيها إلى أنّ نسبة تزويج القاصرات في لبنان ارتفعت بالفترة ما بين 2019 و2020 لتتجاوز13 بالمئة زيادة عما كانت عليه في السنوات السابقة. وخلصت الدراسة إلى أنه إضافة للأعراف والعادات والتقاليد الموجودة في المجتمع، التي تشرّع تزويج الطفلات، إلا أنّ العامل الاقتصادي لعب دوراً أساسياً في ارتفاع هذه النسب. فمن خلال عينة تتضمن 300 حالة تزويج مبكر، 58% منها هي لطفلات من عائلات فقيرة وفقيرة جداً.
ولكن الدراسة الأخيرة لم تنفِ فكرة الثقافة المجتمعية السائدة، التي ترى بوجوب وضرورة تزويج الفتاة القاصرة، فمن خلال الأسئلة التي وجهت للأهالي عن سبب تزويج طفلتهن تبين أن 57.02% من الأجوبة أوضحت بأن العادات والتقاليد هي التي دفعتهن لاتخاذ هذا القرار بداية.
دراسة "وردة بطرس" جاءت لتؤكد ما ذكر سابقاً في تقارير لليونيسيف عن أن نسبة تزويج الطفلات ترتفع في الدول والمناطق التي تشهد حروباً واضطرابات سياسية واقتصادية، حيث تدفع الطفلات ثمن هذه الأزمات في ظلّ غياب تام لقوانين تحميهن.
التسرب المدرسي والزواج المبكر
"يوجد أساليب سيّئة للتأقلم مع الأزمة". هذا ما قالته عطور خضر مسؤولة إدارة الحالة في قسم حماية الأطفال من جمعية save the children، موضحة أنه منذ عامين بدأت بعض العائلات تلجأ لأساليب تتأقلم فيها مع الأزمة الاقتصادية، ويكون ضحيتها الأطفال في العائلة. ومن هذه الأساليب تزويج بناتهن القاصرات.
وأضافت عطور أن قسم حماية الأطفال في الجمعية بدأ منذ سنتين يكثّف عمله بشكل أكبر في المناطق اللبنانية الريفية، وخصوصاً في الشمال، أي مع بداية الأزمة الاقتصادية، عندما لوحظ ارتفاع في حالات تزويج القاصرات والأطفال أيضاّ، والسبب الأساسي لارتفاع هذه الظاهرة هو التفكير بـ"التخلص من العبء الاقتصادي"، موضحة أن عمل الجمعية توعوي عن مخاطر التزويج تحت السن 18عاماً، وتأثيره على حياة الأطفال ومستقبلهم/ن والأثر النفسي السلبي الذي يبقى ملازماً لهم مدى الحياة.
وأشارت عطور إلى أن الأزمة الاقتصادية تشكل خطراً كبيراً على الاطفال لعدة جهات منها عمالة الأطفال، وتعرضهم/ن للعنف، وأيضاً التسرب المدرسي. وهنا يمكن ربط مشكلة ارتفاع نسبة التسرّب المدرسي بارتفاع خطر تعرض الأطفال والطفلات خصوصاً للتزويج المبكر.
"الخطوة الأساس هي تجريم تزويج الأطفال قانونياً". هذا ما شددت عليه عطور خلال الحديث عن أهم السياسات التي يمكن أن تحمي الأطفال والطفلات من التزويج المبكر. معتبرة أن القوانين هي الرادع الأساسي لإيقاف هذه الجريمة. وتأتي بعدها التوعية وتغيير المفاهيم الثقافية السائدة عن تزويج الطفلات.
استثناءات لتمرير تزويج الطفلات
المسار القانوني لاقتراح قانون تجريم تزويج الطفلات في لبنان توقّف حتى قبل الأزمة الاقتصادية، وتحديداً في لجنة الإدارة والعدل التي تدرّس مشاريع قوانين متعددة تخصّ قضية تزويج الطفلات تحت سن 18 سنة. من ضمن هذه الاقتراحات قانون مقدّم من النائب غسان مخيبر. وهذا الاقتراح كان قد لقي انتقادات عديدة لأنه ينظّم تزويج الطّفلات، ويراعي المحاكم الدينية، كونه يقدّم استثناءات عديدة تسمح بتزويج الطفلات تحت سن 18 سنة. أما المقترح القانوني الثاني فكان قدمه النائب السابق إيلي كيروز بالتعاون مع التجمع النسائي الديمقراطي. وهو قانون يجرم تزويج الأطفال من دون أي استثناءات.
في ظل عدم وجود قانون أحوال شخصية موحّد، تنص كل محكمة دينية في لبنان سنّ الزواج. وهذه المحاكم تسمح بتزويج الطفلات ومن هم تحت سن 18 سنة، باستثناء المحكمة السنية التي أقرت مؤخراً قانون يمنع تزويج من هن تحت سن 18 إلا إذا ثبتت أهليتها من الناحية الصحية خصوصاً. ولكن هذا القانون -حسب المحامية منال الماجد- هو باب لتمرير تزويج القاصرات و"محاولة إرضاء" ليس أكثر، ولا يغني عن إقرار قانون يجرم تزويج الطفلات من المجلس النيابي.
قانون في الأدراج منذ عام 2017
وأشارت الماجد أن اقتراح القانون المقدم من الاتحاد النسائي الديمقراطي لا يزال عالقاّ في أدراج المجلس النيابي منذ آذار 2017، وتمت إحالته الى لجنة الإدارة والعدل، وجرت مناقشته مرات عدة مع النواب، وآخر مرة كانت عام 2021.
أسباب عديدة تقف بوجه إقرار المجلس لهذا القانون، تلخصها الماجد بنقطة أهمها "مراعاة مصالح المحاكم الدينية والخوف على سلطتهم"، معتبرة أن هذا القانون يحدّد صلاحيّات القضاة في المحاكم الدينية، وأيضاً رجال الدّين، ويعرّضهم للعقوبة في حال تم إبرام زواج لأي طفل أو طفلة. وهذا ما تخوّف منه عدد كبير من النواب. وأوضحت الماجد أن عدداً كبيراً من النواب الذين رفضوا هذا القانون، هم يعارضون تزويج طفلاتهنّ تحت سن 18 سنة. وهنا يظهر جليّا تضارب المعايير ومحاولة حماية صلاحية رجال الدين والمحاكم الدينية.
اقتراح القانون المقدّم لتجريم تزويج الأطفال تحت عمر 18 سنة لا يتضمن أي استثناءات، على عكس القوانين الأخرى المقترحة. وأشارت الماجد بهذا الخصوص أن بعض النواب رفضوا القانون لأنه لا يتضمن أي استثناءات، معتبرين أن هناك احتمالاً بوجود علاقة جنسية بين قاصرين. وهي علاقة غير شرعية يجب تغطيتها بالزواج. وهنا يمكن القول أن عدم إقرار القانون يأتي أيضاً لتأطير العلاقات الجنسية تحت مفهوم "العيب والحرام شرعاً".
أما عن إمكانية تعديل مقترح القانون ليكون مع استثثناءات تسمح بتزويج القاصرات، تقول الماجد إن هذا الاستثناء سيكون باباً لتمرير تزويج الطفلات، ولا يمكن فتحه. وتجارب الدول المجاورة مع هكذا استثناءات تثبت فشلها أيضاً للحد من هذه الجريمة.
اقتراح القانون المقدم يجرّم كل من عقد أو أذن في عقد زواج طفل، ويعاقب بغرامة تعادل عشرة أضعاف الحد الأدنى للأجور، وبالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات. وحسب المحامية، فإنّ وجود القانون وإقراره سيساعد كثيراً في ردع هذه الجريمة، وحتى ولو وُجدت حالات تزوير. فالإقرار بأن هذا الفعل مجرَّم قانونياً سيشكل فارقاً كبيراً.
أما عن إمكانية إقرار القانون مع المجلس النيابي الجديد، فتقول الماجد إن هناك فرصة أكبر لإعادة طرح النقاش مجدداً بخصوص هذا القانون، على أمل أن يشكل النواب الجدد "قوة ضغط" لإقراره.
تم انتاج هذا المحتوى بدعم من وان-إيفرا.
تعليقات: