الكوليرا في زمن الانهيار

حفرة يتم فيهما تفريغ حمولات الصرف الصحي (الأخبار)
حفرة يتم فيهما تفريغ حمولات الصرف الصحي (الأخبار)


لم يفاجئ خبر الإعلان عن أربع إصابات بالكوليرا في عرسال، مساء أمس، أحداً من أبناء المنطقة الذين كانوا يراقبون 41 حالة مشكوكاً بها. كما لن يفاجئ الإعلان المتوقع اليوم عن ارتفاع الإصابات في عكار إلى ما يتجاوز الستين أحداً أيضاً. العين على القرى والبلدات التي ستتساقط تباعاً، في نتيجة متوقعة للانهيار الحاصل في لبنان منذ ثلاث سنوات. انهيار اقتصادي وفساد متراكم حرما المناطق النائية من بنية تحتية ملائمة، كما حرمت المنظمات الدولية النازحين السوريين من أبسط مقومات العيش وكادت قبل أيام توقف عنهم حتى المياه النظيفة. القرى المجاورة لعرسال، مثل الفاكهة والعين وراس بعلبك ترفع اليوم الصوت خوفاً من مواجهة مصير مماثل مع أولى الأمطار، بما أنّها قريبة من الحفرتين اللتين تتجمّع فيهما مياه الصرف الصحي لمخيمات عرسال. أما في عكار والضنية، فقد ارتفع صوت البلديات واتحاداتها ضد فساد المنظمات الدولية وجمعياتها الصديقة. جولة وزير الصحة إلى الشمال أول من أمس، شهدت على كلام صريح عن افتقار إلى أبسط الإمكانات: سواء لمعالجة تلوّث المياه، أو حتى لفحصها، عدا عن العجز عن جمع النفايات في ظلّ حرمان البلديات من مخصصاتها، وتوقف العديد من المشاريع التي كان يمكن أن تنهض بها



عرسال خائفة من الكوليرا: ماذا عن القرى المجـاورة؟

رامح حمية

عادت الصهاريج إلى العمل مجدداً على نقل المياه الآسنة من مخيمات النازحين السوريين في عرسال إلى منطقة في جرود البلدة. قرار اليونيسيف قضى بزيادة معدّل كميات المياه النظيفة المسلّمة لكلّ نازح سوري إلى 35 ليتراً بدلاً من 20 ليتراً في اليوم، كما عدّل كمية المياه المسحوبة من جور الصرف الصحي إلى 24 ليتراً، أي ما يعادل 70% من كمية المياه النظيفة المسلّمة، بعدما كانت 17 ليتراً بحسب ما يؤكد لـ«الأخبار» أحد المسؤولين عن المخيمات. إلا أن اللافت في قرار التعديل ما علمت به «الأخبار» لجهة الفترة الخاصة بسريان عملية شفط مياه الصرف الصحي وتقديم المياه النظيفة، إذ تبيّن أن القرار لفترة «شهر فقط من تاريخ تطبيقه»، ومن الممكن التوقف عن تنفيذه إذا لم يتمّ تأمين التمويل اللازم. وبالفعل فقد تمّ إبلاغ الجمعيّتين المتعاقد معهما لشفط مياه الصرف الصحي وهما ICF والجمعية اللبنانية للدراسات والتدريب أخيراً بهذا الأمر.


41 حالة تحت الرقابة

عرسال تعدّ البلدة التي احتضنت أكبر تجمع للنازحين السوريين على مستوى لبنان، فعلى رغم عودة ومغادرة مئات العائلات السورية منها إلى الداخل السوري لا زالت تحتضن 164 مخيماً، يتراوح عدد الخيم فيها بين 5 إلى 205، وهي تضمّ اليوم أكثر من 77 ألف نازح سوري يسكنون في 9000 خيمة و3500 بيت مستأجر، لكلّ منها خزّان مياه نظيف وخزّان للصرف الصحي.

هذا العدد الكبير، وتراجع الخدمات المقدّمة للنازحين، وضع عرسال في أزمة صحية وبيئية واجتماعية، تضاف إلى أزمتها البلدية. فمنذ أيام، وضعت 41 حالة تحت عين الرقابة الصحية للتأكد ما إذا كانت مصابة بالكوليرا أم لا، وقد أكدت مصادر طبية في البلدة أنّ مخيمات النازحين، وبعد قرار اليونيسيف بتخفيض شفط مياه الصرف الصحي، وتسرّب تلك المياه إلى المنازل والشوارع، شهدت ظهور إصابات لدى الأطفال تنوّعت بين الطفح الجلدي المفرط وبين البسيط، بالإضافة إلى حالات الغثيان والقيء، ما استدعى تدخلاً من فرق وزارة الصحة والترصّد الوبائي.

وقد حذّر النائب ملحم الحجيري من خطورة الوضع الصحي في عرسال الذي «يستدعي تدخلاً سريعاً، فالحالات المرضية غالبيتها أطفال ولا بد من توفير العلاج السريع لهم حتى لا تتوسّع دائرة الإصابات وتشكل خطراً على البلدة والمنطقة بأكملها».


جور صحية في مجرى السّيل

تتجاوز الأزمة حدود عرسال إلى القرى المجاورة، ففي ظلّ غياب شبكات الصرف الصحي فرض على كلّ منزل الاعتماد على حفر صحية. في عرسال، ومع النزوح السوري الواسع، دعمت الجهات الدولية المانحة السوريين من خلال التعاقد مع جمعيات لتأمين خدمات من ضمنها سحب الصرف الصحي من كلّ حفرة وكلّ خيمة صغيرة في غالبية المخيمات، ومن الحفرة الكبيرة الخاصة بالمخيم بأكمله.


عودة «اليونيسيف» عن قرارها مؤقتة لمدة شهر من تاريخ تطبيقه

يؤكد أحد أبناء عرسال أنه تم التعاقد مع أصحاب أربعين صهريجاً لشفط المياه الآسنة ونقلها من عرسال إلى محلة جردية تسمى سرج الغنم في الجرود، وهي منطقة مطلة على بلدة الفاكهة ورأس بعلبك والعين في البقاع الشمالي، وتحديداً بالقرب من مجرى سيل الفاكهة ورأس بعلبك. ويحذّر الرجل من «كارثة بيئية وصحية بحق عرسال وجيرانها، فإذا كانت اليونيسيف تسمح بشفط 24 ليتراً من حفرة كلّ نازح كل يوم، في مقابل 77 ألف نازح سوري فهناك رقم يقارب المليوني ليتر يومياً يتم تفريغها في حفرتين اعتمدتا للصرف الصحي». ويلفت إلى الربح المادي المتحقق من هذا العمل: «يعمل 40 صهريجاً، وبسعات مختلفة، على نقل 4 إلى 5 نقلات يومياً، وهو أمر مربح جداً، إذ يبلغ البدل المالي عن كلّ نقلة الـ50$، وهذا مغر سواء للجمعيات أو الأشخاص... حتى أن هناك أعضاء في بلدية عرسال اشتروا صهاريج وصاروا يعملون في هذا المجال».


تسرّب إلى المياه الجوفية

وبالمعاينة الفعلية للحفرتين الضخمتين اللتين اعتمدتا لتصريف الصرف الصحي، تبيّن أنهما لا تحويان هذه الكمية الهائلة من المياه الآسنة، الأمر الذي فسّره المهندس منير الحجيري بأن الأرض «سريعة الامتصاص للمياه وبالتالي فهناك تسرّب سريع إلى المياه الجوفية، وعلى الجهات المانحة التحرّك سريعاً»، متسائلاً عن سبب عدم اللجوء إلى أماكن أخرى في جرود عرسال.

عن هذا السؤال يجيب رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري بالقول: «إن سائقي الشاحنات الذين ينقلون الصرف الصحي من المخيمات إلى الحفرتين هم المسؤولون عن اختيار الموقع، بعد إشارتهم إلى وجود حفريات قديمة في المكان»، لافتاً إلى أن «آخر التزام لنقل الصرف الصحي كان عشوائياً، كلّ مجموعة من السائقين كانت تختار المكان وتنقل إليه من دون أن يكون للبلدية أي مسؤولية أو إشراف على هذا الأمر». ويكشف الحجيري أن «مشروع محطة تكرير الصرف الصحي الذي وافق الفرنسيون على تمويله لا يزال عالقاً في وزارة الطاقة منذ عام 2020، في حين أن النائب ملحم الحجيري أكد من جهته أنه زار البلدية مرات عدة للحصول على ملف محطه تكرير الصرف الصحي، وأنه سيحاول التفتيش عن سائر أوراقه ومتابعته بغية تحريكه والشروع في تنفيذه».


تلوّث نبعَيْ الفاكهة ورأس بعلبك؟

يؤكد رئيس بلدية رأس بعلبك منعم مهنا أنه تابع مرات عدة شكاوى في شأن مياه الصرف الصحي في جرود عرسال، «حصلت على وعد بنقل الحفر منذ سنتين بعدما ثبت من خلال فحوص للمياه في رأس بعلبك أنها ملوّثة، إلا أنّ الظروف التي يمرّ فيها البلد منذ سنتين حالت من دون متابعة الموضوع، واليوم وفي ظل انتشار وباء الكوليرا سنتابع الموضوع بالسرعة اللازمة».

من جهته يعبّر المهندس عبده سكرية، ابن بلدة الفاكهة، عن خشيته من تلوّث النبعَين الوحيدين الصالحين للشرب في البقاع الشمالي وهما نبعا الفاكهة ورأس بعلبك «المهدّدان بسبب إفراغ آلاف الأمتار المكعبة من مياه الصرف الصحي في مجال الأحواض المائية التي تغذي الينابيع في البلدتين وتهدّد أكثر من 20 ألف مواطن بأمراض الكوليرا الناتجة من ذلك، فالمؤسسات الدولية المهتمة بشؤون مخيمات السوريين في عرسال وخاصة اليونيسيف تقوم بشفط الجور الصحية وترميها في أراضي بلدة الفاكهة المتاخمة لعرسال والتي تبعد عن نبع البلدة مئات الأمتار، كما تقوم بحرق النفايات في المحيط نفسه ما سيؤدي حتماً إلى تلوث الينابيع ونقل الأمراض إلى السكان». يضيف: «لقد رصدت اليونيسيف منذ سنوات عدة مبلغ 2.200.000 دولار لإنجاز محطة صرف صحي من خلال وزارة شؤون النازحين التي ترأّسها يومها الوزير معين المرعبي، وأنجزت الدراسة من شركة BTD ونام المشروع في الأدراج فيما استخدمت الأموال في أولويات أخرى، لذلك نحن كأهالي بلدة الفاكهة ورأس بعلبك وعرسال نطالب بوقف التعديات وإنشاء محطة تكرير صرف صحي ومعمل نفايات لبلدة عرسال لإنقاذ الينابيع من التلوث».


استقالات بلدية عرسال تهدّد بحلّها

في عام 2019 تقدم ستة أعضاء من بلدية عرسال بالاستقالة «احتجاجاً على الهدر والفساد من قبل رئيس البلدية». وفي الأسبوع الأخير من شهر آب تقدّمت ريما كرنبي باستقالتها الخطية إلى المحافظ بشير خضر، ليتقدّم بعدها بأسبوع ستة أعضاء بكتب استقالة خطية أيضاً. وعلى رغم انقضاء المهلة القانونية، وهي مهلة شهر من تاريخ تقديم الاستقالة للبت بالاستقالات، إلا أن دائرة الاتصالات والمساعي توسعت من أجل ثني الأعضاء عن الاستقالة، تحت عنوان «عرسال بحاجة إلى بلدية لتسيير أمورها».

يقود المساعي كلّ من النائب ملحم الحجيري والمحافظ بشير خضر والمفتي الشيخ بكر الرفاعي. حتى اليوم لم يتصاعد الدخان الأبيض من سماء عرسال وبحسب النائب الحجيري، والاتصالات بين الأطراف مستمرة للحؤول دون الإكمال في مسار الاستقالات لأن الظرف الحالي يتطلب تضافر الجهود من أجل عرسال التي تعاني كثيراً من المشكلات، كاشفاً لـ«الأخبار» وجود طروحات عديدة يتم دراستها بين الأطراف».

من بين الطروحات التي علمت بها «الأخبار» استقالة الرئيس الحالي باسل الحجيري وانتخاب نائب الرئيس نصرات رايد، إلا أن هذا الطرح قوبل بالرفض بحسب مصادر مطلعة، لأن رايد هو من الفريق الخاص برئيس البلدية، شأنه شأن محمد علي الحجيري أيضاً». ومن الاقتراحات أيضاً أن يستقيل الجميع بمن فيهم رئيس البلدية، ومن ثم تجرى انتخابات جديدة عند المحافظ، وهذا ما تم رفضه من قبل رئيس البلدية، كما الطرح الذي يقضي باستقالة الرئيس ونائب الرئيس على أن يسمي المحافظ والمفتي بدلاً عنهما. سائر الطروحات سقطت كما المهل القانونية التي سقطت من تاريخ 18 أيلول وعليه لا تخفي المصادر عدم التوصل إلى حلّ وأن «بلدية عرسال تسير باتجاه الحلّ».



جولة وزير الصحة إلى عكار تكشف المستور: المنظمات الدولية في مرمى البلديات

نجلة حمود

عكار | عرّت جولة وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس أبيض إلى المنطقة، لتفقد مخيمات النازحين السوريين ومستشفى حلبا الحكومي، أول من أمس، المنظمات الدولية التي شاركت في اللقاء الذي عقد في سراي حلبا. إذ لم يخف رؤساء اتحادات بلديات عكار استياءهم الشديد من عمل هذه المنظمات وتقصيرها الفادح بحق النازحين السوريين. ولم تكف الساعة ونصف الساعة، مدة اللقاء مع الوزير الأبيض، رؤساء الاتحادات لتفريغ كلّ ما لديهم من سخط وغضب، وصل إلى مجاهرة غالبية الحضور بعدم القدرة على تحمّل المزيد جرّاء أعباء النازحين، التي تتخلّف هذه المنظمات عن تحمّل كامل المسؤولية عنها.

«الفساد الموجود لدينا لا يشكل 10% من الموجود لدى المنظمات الدولية، التي تدّعي الحرص على الأموال وإنجاز المشاريع ودعم الإنسان، وفي الحقيقة كلّه كذب»، يقول أحد رؤساء الاتحادات وهو يهمّ بالخروج من القاعة، بعدما سمح لهم بالتعبير عن رأيهم، من دون تقديم أي حلول لهم.


رفع النفايات

«جئنا لنستمع إلى الحلول ولكن، كالدولة تريد منا المزيد في ظلّ انعدام الأموال، والمنظمات الدولية تتعاطى معنا بخفة»، يقول رئيس اتحاد بلديات ساحل القيطع أحمد المير (يضم الاتحاد 14 بلدية)، داعياً إلى جمع نفايات عكار من قبل الدولة على حساب الصندوق البلدي المستقلّ «لأن الأوضاع باتت تنذر بكارثة». ويشير إلى أن أكبر بلدات الاتحاد، وأكبر بلدات عكار هي بلدة ببنين (يقع مخيم الريحانية، الذي رُصدت فيه أوّل حالة كورونا، على تخومها)، تحصل على مبلغ مليارين و800 مليون، في حين أن كلفة جمع النفايات سنوياً هي 4 مليارات و500 مليون، فكيف نتدبّر أمورنا؟


تأمين المياه

بدوره أعرب رئيس اتحاد بلديات سهل عكار محمد حسين، (يضمّ الاتحاد 10 آلاف نازح سوري) عن استيائه من الفوضى القائمة وتقاعس المنظمات الدولية عن جمع النفايات وتأمين المياه. «يطلبون منا الوقاية، والتوعية، والمياه مقطوعة والناس كلّ شهر تستحمّ مرة». كما أكدّ رئيس اتحاد بلديات أكروم عادل خليفة عجزه عن تأمين المياه للنظافة بهدف الوقاية من انتشار الأمراض، مشيراً إلى أن الاتحاد يضم 12 ألف نازح سوري، ومحطات الضخ في المنطقة متوقفة كلياً بسبب انعدام المحروقات والكهرباء!


مشاريع متوقفة

«الدول الأوروبية عاجزة عن تحمّل عبء 50 ألف نازح سوري، أما لبنان فيجب أن يتحمل عبء مليون ونصف نازح، بأي منطق يطلبون منا تحمل النازحين وعبء تأمين المياه والخدمات، والأهم مواجهة الأمراض والأوبئة؟»، يسأل رئيس اتحاد نهر الأسطوان عمر الحايك، مؤكداً أن عمل المنظمات في المنطقة يتركز على الدعم النفسي في حين أن العالم تموت من الجوع والمرض! ويؤكد الحايك أن أي مشروع لم ينفذ في الاتحاد، «والمشروع الوحيد الذي وعدنا به هو رفع تلوّث الصرف الصحي عن نهر الأسطوان الذي يخترق أكثر من 50 بلدة، وبالرغم من إنجاز الدراسة في العام 2017 من قبل منظمة ACTED، إلا أن المشروع لم ينفذ. ويضيف: «كل ما قدّم لنا هو بضع آليات لجمع النفايات والتي استخدمناها لفترة بسيطة بسبب التكلفة المرتفعة لصيانتها، ما أدى إلى توقفها وتعطلها». ويطالب الحايك الحكومة بـ»اتخاذ إجراءات حاسمة لإجبار المنظمات على التدخل السريع ومنع تفشي الأوبئة، وننتظر ما ستخرج به اللجنة الحكومية خلال اجتماعها اليوم، وكبلديات لن نرضى بإلقاء المسؤوليات علينا».


اتحادات البلديات تستغيث طلباً للمساعدة في رفع النفايات والتخفيف من الأعباء

الأمر نفسه يسري على «معمل الفرز والتسبيخ في سرار» الذي تم إنشاؤه بدعم من الاتحاد الأوروبي في منطقة سرار، ولا يزال متوقفاً عن العمل بسبب العجز عن تشغيله جرّاء الكلفة المرتفعة». ويؤكد صاحب مكبّ «سرار» خال الياسين «أننا لغاية اليوم لم نتسلم المعمل رسمياً من وزارة التنمية الإدارية، بالرغم من انتهاء العمل به منذ العام 2020، ولسنا متحمسين لاستلامه في ظل الظروف الاقتصادية الحالية».


المنظمات تستفزّ

لم يأت جواب المنظمات الدولية على قدر المسؤولية، ما استفزّ البلديات. إذ أعلنت منظمة «اليونيسف» مثلاً، في إطار النقاش مع الوزير أبيض عقب الجولة، أنها غير معنية بمشاريع المياه، وهي مدرجة جزئياً في العام 2023 ولكن تم التدخل بشكل محدود في هذه المرحلة بسبب الوباء، كما أعلنت أن عملها يتركز بشكل أساسي على التوعية وتوزيع المعقمات وكتيبات الإرشاد للنازحين بهدف الوقاية.

من جهته، أكد أبيض «أنه من غير المقبول تخفيض المساعدات بحجة وجود أزمة في أوكرانيا أو غيرها، وأزمة الآخرين لا تحل على حساب لبنان، مؤكداً أن الحكومة اللبنانية ستبحث اليوم بهذا الأمر».



وفي الضنّية: من يضمن نظافة مياه الصهاريج؟

عبد الكافي الصمد

تعدّ بلدة سير، المركز الإداري في الضنية، أغنى بلدات المنطقة بالمياه لوفرة الينابيع فيها. من مياهها تتزوّد بلدات ومناطق كثيرة بمياه الشّرب أو الريّ، إذ تعوم البلدة على خزّان كبير من المياه الجوفية، وفيها تتجمّع كلّ صباح عشرات الصهاريج، التي تأتي تباعاً من البلدة وخارجها، من أجل ملء خزّاناتها بالمياه من نبع البلدة الرئيسي، قبل أن تتوجّه إلى مقصدها، حيث يباع الصهريج بـ 600 ألف ليرة كمعدّل وسطي.

في تلك السّاحة، يكتفي صاحب الصهريج بالاستعانة بـ«نبريش» (خرطوم) بلاستيكي موجود في المكان لسحب المياه من مجرى النبع، قبل مجيء صاحب صهريج آخر يقوم بالعمل ذاته، في عملية غير خاضعة للرقابة من قبل أيّ جهة للتأكّد من سلامة المياه ونظافتها.

إلى هذا النبع، تنتشر عشرات سُبُل المياه على طول طريق الضنّية الرئيسية التي تربطها بطرابلس، كما على الطرقات الفرعية، وتشكل مقصداً لمئات المواطنين، الذين يحملون غالونات مياه فارغة لملئها واستخدامها للشّرب أو الطبخ، معوّلين على برودة المياه ليعتبروها جيدة، من غير أن تخضع أيضاً مياه تلك السُبُل للرقابة الصحية.


الرقابة على المياه

موضوع الصهاريج، التي تُوزّع المياه بلا رقابة كان حاضراً بقوة أول من أمس في الضنّية خلال زيارة وزير الصحّة فراس أبيض للمنطقة، ضمن جولته الشّمالية، لمتابعة موضوع تفشّي الكوليرا في عكّار، ومرض الكبد الفيروسي المعروف بالريقان في طرابلس والضنّية.

وقد أكّد أبيض لـ»الأخبار» أنّ «وزارة الصحّة ستقوم بالتعاون مع البلديات والمجتمع المدني بتوزيع مادة الكلور على الصهاريج التي تعمل على نقل المياه». كما أبلغ الحاضرين، من رؤساء بلديات وفاعليات، أنّ «فريقاً من وزارة الصحّة، بالتعاون مع شركاء دوليين سيأتون إلى الضنّية، وغيرها، بهدف أخذ عيّنات مختلفة من مياه الشرب في المنطقة، ونقلها إلى مختبرات الوزارة في بيروت، للتأكّد من مدى سلامة هذه المياه على الصحّة العامّة»، طالباً المساعدة في «نشر التوعية».


عجز البلديات

لكنّ بعض رؤساء البلديات سألوه عن إمكانية المساعدة «ونحن لا نملك أيّ مقوّمات، وعاجزون عن القيام بأيّ عمل، وكيف يمكننا مراقبة صهاريج المياه التي تدخل وتخرج يومياً في بلداتنا، ونحن لا نملك ثمن صفيحة مازوت أو بنزين لملء سيّارة الشرطة؟».

ترافق ذلك مع سجال نشب بين طبيبة القضاء الدكتورة بسمة شعراني ورئيس قسم الصحة في اتحاد بلديات الضنّية الدكتور محمد سلمى، بعدما اتهمت شعراني اتحاد البلديات بأنّه «أخذ عيّنات المياه من دون التشاور معها، وبأنّه تم أخذها بشكل خاطئ، وجرى نشر نتائج الفحوصات عبر وسائل الإعلام ما أثار بلبلة كنّا بغنى عنها»، الأمر الذي دفع بعض رؤساء البلديات إلى الردّ عليها، ورفضهم الاتهامات التي ساقتها ضد اتحاد البلديات، فيما أكدّ سلمى أنّ «العيّنات تمّ أخذها بطريقة علمية وسليمة»، مجدّداً القول لـ»الأخبار» إنّ «الفحوصات أثبتت أنّ المياه ملوّثة، ولذا تعدّ بيئة حاضنة للكوليرا، وتسمح لها بالانتشار بسرعة». وشدّد على أهمية «الاستدراك السريع من قبل المسؤولين، وعلى حلّ سريع لمعالجة المشكلة قبل تفاقمها».

القلق من تلوّث مياه الشّرب في الضنيّة والشّمال، دفع مدير مؤسّسة مياه لبنان الشّمالي خالد عبيد، إلى التأكيد أنّ «المياه الموزّعة على المواطنين من قبل مصلحة مياه الضنّية ومؤسسة مياه لبنان الشمالي سليمة وصالحة للشّرب والريّ، لكن علينا الانتباه إلى مصادر مياه أخرى ملوّثة جرثومياً، ولا تخضع لسلطتنا أو رقابتنا، ومنها الصهاريج وسُبُل المياه».

عرسال خائفة من الكوليرا.. ماذا عن القرى المجـاورة!
عرسال خائفة من الكوليرا.. ماذا عن القرى المجـاورة!


وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس أبيض
وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس أبيض


تعليقات: