المختار فواز داود، فارس أخر يترجل

المرحوم المختار فوّاز نعمان داود
المرحوم المختار فوّاز نعمان داود


ها هو فارس أخر يترجل من الرعيل الخيامي الذي نشأ وترعرع في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، المختار فواز نعمان داود (القسيس) (1939 - 2022) غادرنا ليلة أول أمس (12 تشرين الأول 2022) أثر تداعيات المرض العضال في مدينة بيروت.

المختار "أبو الياس" من الدفعة الأولى التي تخرجت من كلية مرجعيون الوطنية، ذاك الصرح العلمي الذي تأسس في مركز القضاء (جديدة مرجعيون) في عام (1948)، وقد عاصر محطات تطورها المتعددة حتى صارت واحدة من أرقى المدارس اللبنانية في حينها، حين كان خريجوها يضمنون تلقائيا مقاعدهم في أرقى الجامعات، ومنها نهل المرحوم "أبو الياس" مبادئ التربية الصارمة قبل حفظه للدروس وتعاليم الكتب، والتي صاحبته تلك الأخلاق الحميدة التي زرعتها تلك الاكاديمية العلمية في نفوس تلاميذها وتسير معهم في دروب الحياة كالملاك الحارس

أتخذ المرحوم "أبو الياس" أعمال المقاولات سبيل للعيش، لذا توجه في منتصف سبعينات القرن المنصرم شطر الخليج، الذي كان في طور النمو والنشأة مرحباً بكل الطاقات اللبنانية التي انساق معظمها صوب المقاولات والتعمير، وسرعان ما التحق بإحدى الشركات الإقليمية، حتى غدى اسمه مقروناً بحُسن الأداء والمهارة في إجادة ما ينجزه من انشاءات باهرة مشهودة لها بالإتقان والحرفية المميزة.

التف "أبو الياس" في الغربة الى أبناء بلدته "الخيام" وانصهر في بوتقة المجتمع الخيامي الوليد وقتذاك، مشاركاً في أفراحهم ومواسيا في أتراحهم. مندمجاً في أوقات فراغهم بعيدا عن ساعات العمل العصيبة بمناخ صارم في شدته فكان من الأعجوبة تحمله في أشهر القيظ الملتهبة.

عرفته حينها كفرد من أفراد أسرتنا، فقد كان صديقاً ملازما للمرحوم والدي يقضي نهار عطلته الأسبوعية بيننا، مشتركاً وإيانا عُسرنا قبل يُسرنا، حتى وصل الحد ببعض أبناء بلدتنا الوافدين الجدد للغربة، أن ظنوه شقيق والدي وليس فقط صديقه وابن بلدته، وكنا نخرج سويا لصيد السمك في تلك العطلات، الهواية الوحيدة المتوفرة في الغربة حينذاك.

في الثمانينات ترك بلاد الغربة وما بها من مشقة وكفاح وخاصة في مهنته، ويمم شطره نحو وطنه لبنان، وخاصة أن أسرته بدأت تكبر وتنمو ولم يشأ ان يتركها بعيدة عنه، وهنا في لبنان كان منصب مختار بلدته ينتظره، حيث كان المختار السابق قد توفي، وحالة الوطن كانت مزرية في تلك المرحلة من حروب وفوضى وتدمير، فلم يكن لكلمة "انتخابات" واردة في تلك الآونة، فكان لا بد من التعيين بديلا لسد الفراغات المستحكمة، فتم تكليفه بمنصب المختار للبلدة، والذي قام به على أحسن وجه، وفي أكمل مظهر، لمدة تكاد تقترب من عشرين عاماً.

نسأله تعالى أن تدركه رحمته وعفوه ورضوانه، لما كان يتمتع به من أخلاق محمودة وسيرة مميزة، ومناقب عالية، وهي صفات قلّ نظيره في زماننا الحاضر، وما نبتلي به مطلع كل صباح من مصاعب ومحن.

الحاج أحمد مالك عبدالله (76619988)

الخيام في 14 تشرين الأول 2022

تعليقات: