يطرح البعض الانفصال إلى أكثر من كتلة نيابية والحفاظ على التكتل كلقاء نيابي (مصطفى جمال الدين)
على هامش التحضيرات التي كانت قائمة للاحتفال بالذكرى الثالثة لانتفاضة 17 تشرين، يقول أحد المطلعين على النقاشات: "حتى في عز الخلافات بين المجموعات في اجتماعات تنسيق تحركات 17 تشرين سابقاً، لم يصل مستوى النقاش بين ممثلي المجموعات إلى الدرك الحالي. حينها كان هناك محاولات لاستعادة زمام الأمور والاستمرار بالانتفاضة. كانت تحصل خلافات كبيرة، لكن اليوم بتنا أمام مشهد مأساوي: مجموعات عبارة عن تجمع لبعض الأشخاص يتناحرون على جثة 17 تشرين".
تحرك فلكلوري
بهذه العبارات وصف أحد المشاركين بالنقاشات التحضيرية للتحرك الموسمي لذكرى 17 تشرين، والذي أدى إلى انسحاب غالبية المجموعات منه، بعدما وصلت النقاشات إلى استخدام عبارات سوقية وتخوين وعدم الاتفاق على وجهة محددة لطبيعة التحرك.
رغم أن بعض المجموعات رأت أن ذكرى 17 تشرين يجب أن تمر إما بموقف سياسي مرتفع السقف تُدعى الناس على أساسه إلى الشارع، أو الاكتفاء ببيان سياسي متفق عليه، لعدم الوقوع في الفلكلور السنوي، كانت مجموعات أخرى مصرة على فلكلورية المشهد، من إعادة نصب قبضة الثورة إلى حمل مشاعل 17 تشرين وتسليمها لنواب التغيير، كونهم "حاملين للأمانة"، وتكريم أشخاص من هنا أو هناك.
حمل الأمانة
وصلت النقاشات، والنزاع على ذكرى 17 تشرين، إلى درك لم تصله الاجتماعات في السابق، بعد توجيه البعض الإهانات للطرف الآخر، تقول المصادر.
وتطرق البعض إلى أن نواب التكتل لا يمثلون جمهور 17 تشرين، كي يحملوا الأمانة-الشعلة. وانسحب من انسحب لتقتصر المشاركة على مجموعات دون غيرها في الذكرى السنوية. هذا رغم أن المشاداة التي حصلت بين المتحاورين، عبر تقنية واتساب، مساء أمس، كانت بسبب انفراد إحدى المجموعات المشاركة بالنقاشات، بالدعوة لتحرك موازٍ، بالتزامن مع ذكرى 17 تشرين، حول الخط 29 لترسيم الحدود. فاعتبرت مجموعات أخرى أن هذه التصرفات تنمّ عن العقلية عينها التي أفشلت 17 تشرين، في التزعم والتفرد والصعود على ظهر باقي المجموعات.
وبدا واضحاً من خلال النقاشات أن ليس كل المجموعات متفقة وموافقة على تكتل نواب التغيير، الذي يفترض أنه يمثل "التيار" التغييري. فإحدى المجموعات، التي بات لها نائب في التكتل، وصل مستوى الابتزاز عندها إلى رفض وضع جميع نواب التكتل في "خانة واحدة ويحملون الأمانة". فهي تعتقد أن النائب الذي يمثلها هو الوحيد الحريص على الأمانة، فيما الباقون ليسوا أهلاً لحملها، كما كشفت النقاشات التي اطلعت عليها "المدن".
آرمة 17 تشرين
صحيح أن الخلافات الموجودة داخل التكتل، هي بجزء كبير منها، انعكاس للخلافات المزمنة بين بعض المجموعات حتى منذ ما قبل 17 تشرين، إلا أن مستوى الهزل السياسي وصل إلى "الصراع على آرمة 17 تشرين، ومن هو أهل لحملها أكثر من غيره"، يقول مطلعون على الخلافات داخل تكتل التغيير.
نواب التكتل يصارعون للبقاء معاً، لكن مستحيل الحفاظ على التكتل من دون وضع أسس وآلية للعمل. فهم مختلفون ومنقسمون بين بعضهم البعض في المواضيع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. أي مختلفون بكل شيء، بدءاً ببناء الدولة المدنية ومروراً بخسائر الدولة ومن يتحملها وصولاً إلى آلية العمل السياسي. ما يستدعي الانقسام إلى أكثر من كتلة نيابية متجانسة، بمعزل عن الحفاظ على التكتل كلقاء نيابي لتعاون الجميع في ملفات تشريعية معينة، أم لا. فقد باتوا بمثابة زوجين مختلفين على كل شيء ولا يقدمون على الطلاق حرصاً على الأولاد. لكن في حالة نواب التغيير الخلافات ليست حول الحرص على التكتل كممثل لقوى التغيير، بقدر ما هي الخوف من أن يستحوذ على "آرمة" 17 تشرين، ومن يمتلك مشروعية "الشارع".
"التمايز" القائم بين النواب، يستدعي الانفصال. والبحث قائم حول كيفية كتابة نص الطلاق. أي بمعنى آخر الحفاظ على التكتل كلقاء نيابي يمثل قوى التغيير -المختلفة أسوة بمجموعات 17 تشرين- فقط في سبيل التعاون في ملفات تشريعية، والانفصال إلى أكثر من كتلة نيابية متجانسة تضع رؤيتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية من دون محرمات وفيتوات. ووصلت الخلافات بين النواب حد اعتراض العديد منهم على الدعوة التي تلقاها إبراهيم منيمنة لحضور العشاء في استضافة السفارة السويسرية. رغم أن الدعوة أتت لنقاش سياسي عام يتناول الأزمة في لبنان والإصلاحات الاقتصادية المطلوبة. وخرج الخلاف إلى العلن بإعلان ميشال الدويهي أن مشاركة منيمنة ستكون فردية وليست باسم التكتل في حال أصر على المشاركة.
حتى الخلافات حول انتقاء اسم لرئاسة الجمهورية تستفحل بينهم، ما دفع الدويهي إلى التهديد بأنه سيعلن عن اسم مرشحه ويصوت له في الجلسة المقبلة. وهذا بمثابة ضغط على جميع النواب.
النقاشات الحالية، سواء بين المجموعات، أو في التكتل، ربما تكون أفضل الممكن في الخريف الثالث لثورة ماتت بعد أسبوعين على انطلاقتها في العام 2019، أي قبل أشهر عدة من وباء كورونا، الذي أقعد الناس في بيوتهم في مطلع العام 2020. وما الذكرى الحالية، التي يصادف تاريخها اليوم، والنزاع عليها بين المجموعات، إلا تأكيد للمرة الثالثة على التوالي، على بؤس العديد من المجموعات، التي لا تقل بؤساً عن ممثليها في الاجتماعات المعادة والمكررة.
تعليقات: