موعد على عشاء: الطبخة غير الناضجة لم يأكلها أحد

أي حدث أو بادرة تدفع إلى المزيد من أجواء الانقسام (Getty)
أي حدث أو بادرة تدفع إلى المزيد من أجواء الانقسام (Getty)


لكأن البلاد على مشارف حرب أهلية. أو هناك من يريد الاستثمار سياسياً بما قد ينتج عن معارك التقاتل العسكري. فالصراع الذي يعيشه لبنان سياسياً يتجاوز أي حدود للمنطق. من ملف ترسيم الحدود إلى ما يليه. فما أن أُعلن عن الاتفاق حتى بدأ التقاتل بين الشخصيات السياسية حول هوية صاحب الإنجاز فيه. رئيس الجمهورية ميشال عون نسبه لنفسه ولصهره. لم يمّر على شكر نائب رئيس مجلس النواب أو المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، ولم يلحظ أي دور لرئيس مجلس النواب، أو رئيس الحكومة. ولم يذكر حزب الله حتى في دور مسيّراته. هو فقط لجأ إليهم للقول إنه تشاور معهم في الموافقة والتوقيع، وذلك كي لا يكون وحده من يتحمل أي وزر لاحقاً، فيما الإنجاز منسوب لنفسه فقط. صهره نسب الإنجاز أيضاً لنفسه كتتويج لجهوده الشخصية منذ أكثر من عشر سنوات! فيما أعطى حزب الله جانباً من الدور! ولكن نزولاً عند معادلة باسيل نفسه "قانا مقابل كاريش"، والتي اعتبر أن نصرالله التزم بها. وعلى شاكلة هذا الصراع تسير مناهج القوى السياسية في مقاربة الملفات.


استعجال القطاف

يريد عون وباسيل استعجال قطف ثمار اتفاق الترسيم و"تقريشه" سياسياً، في استحقاقات مختلفة، وسط رهان بأن هذا الترسيم سيتيح لهما الحركة بحرية أكبر مع الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية. حزب الله، والذي كان له القول الفاعل في ملف الترسيم، أيضاً يعلم أنه لا بد أن يكون لذلك تداعيات سياسية تفتح له آفاقاً جديدة. بالارتكاز إلى هذا الاستعجال هناك من يعتقد أن الوقت حان للدخول في مرحلة جديدة من مراحل تطوير النظام أو تغييره. فعون وحزب الله لطالما التقيا على مواجهة اتفاق الطائف. وعون وباسيل لا يزالان يعلنان ضرورة تغييره، ولو أن حزب الله في المرحلة الأخيرة أعلن أنه لا يريد الإطاحة بالطائف.

على وقع هذه التطورات، هناك أسئلة كثيرة تطرح حول مصير لبنان، وكيفية إنجاز الاستحقاقات الدستورية. وهل سيتمكن اللبنانيون من إنجازها أم أن الانهيار والتعطيل والفراغ سيقودان إلى مؤتمر تأسيسي يعيد تركيب الصيغة بكليتها، ووفق موازين قوى جديدة، حتماً ستكون الغلبة فيها لصالح حزب الله وحلفائه، في ظل غياب المكون السنّي الفاعل.


موعد على العشاء

بالتزامن مع كل هذه التساؤلات، ومع دعوات سابقة حول عقد مؤتمر دولي لحلّ الأزمة اللبنانية، برز الكلام عن التحضير لعشاء في السفارة السويسرية، يكون تمهيدياً لعقد لقاءات بين نواب من مختلف الكتل النيابية في سويسرا الشهر المقبل، لمناقشة الأزمة اللبنانية وكيفية معالجتها.

استنفر العشاء والدعوات إليه الكثير من الشخصيات والمكونات، لا سيما في الوسط السنّي. كذلك كتب السفير السعودي وليد البخاري تغريدة على حسابه جاء فيها: "وثيقةُ الوفاقِ الوطنيِّ عقدٌ مُلزمٌ لإرساءِ ركائزِ الكيانِ اللبنانيِّ التعدديِّ، والبديلُ عنهُ لن يكونَ ميثاقًا آخر بل تفكيكًا لعقدِ العيشِ المُشتركِ، وزوالِ الوطنِ الموحَّد، واستبدالهُ بكيانات لا تُشبهُ لُبنانَ الرسالةَ". كان الموقف بالغ الوضوح في رفض البحث بالصيغة، وميل نحو التمسك بالطائف وتطبيق كل مندرجاته. خصوم السعودية فسرّوا الموقف بأنه رفض لأي حوار وأنه تخيير بين الطائف أو حصول التقسيم وانهيار الميثاق.


الثقل السعودي

صدرت مواقف متضاربة فيها تخوين وفيها استنكار لتغييب جهات واستثناء أخرى، ما دفع بالبلاد إلى معايشة المزيد من أجواء الانقسام، والتي حتى اتفاق ترسيم الحدود لم ينجح في تجاوزها، بخلاف كل الصورة التي سعى المسؤولون إلى تقديمها. وهذا يعني أن الظرف لم يحن بعد للبحث بمعالجة جديدة للصيغة اللبنانية. لا مقومات لعقد مؤتمر دولي للبحث في إعادة تركيب النظام السياسي أو للبحث في طروحات مشابهة للفيدرالية أو اللامركزية المالية الموسعة. هنا لا بد من الإشارة إلى الوزن السعودي والذي بإمكانه أن يحقق ثقلاً لا يمكن تجاوزه أو استثناؤه، خصوصاً أن السعودية كانت من قبل قد نجحت في فرض قاعدة الحفاظ على اتفاق الطائف في البيان الثلاثي المشترك مع فرنسا وأميركا. بينما ثمة من يعتبر أن التحرك السويسري لم يكن ليحصل لو لم يكن هناك تنسيق مع قوى دولية أخرى كالولايات المتحدة وفرنسا وحتى الفاتيكان، وهذا ما كانت قد ألمحت إليه شخصيات معنية بهذا المسار.

يمكن للموقف السعودي أن يجهض مثل هذه التحركات، وكان لدى السعودية تجربة مشابهة تاريخياً في لبنان بإسقاط الاتفاق الثلاثي، الذي أجهض للوصول إلى الطائف. استعجال اللبنانيين الذهاب إلى قطف ثمار الترسيم لا سيما من قبل تحالف حزب الله والتيار الوطني الحر، على قاعدة أن الترسيم قد يفتح أبواباً إيجابية للتحاور مع الغرب ومع الولايات المتحدة، لا سيما على وقع التوتر السعودي الأميركي، فهناك من يعتبر أنه بالإمكان تكرار السيناريو الذي حصل في العراق في الفترة الأخيرة، والذي يوضع في خانة التفاهم الإيراني الأميركي على انتخاب رئيس للجمهورية وتكليف رئيس للحكومة، فيما تبدو السعودية خارج تلك المعادلة. وهذا ما حاول البعض استنساخه في لبنان من خلال انعدام فعالية السنّة حالياً، وعدم القدرة على اتخاذ موقف مؤثر وموحد من قبل كتلة منسجمة. وهذا شكّل مناسبة لشن هجوم عنيف على النائب ابراهيم منيمنة الذي كان مستعداً للمشاركة في العشاء وفي لقاء جنيف.

تعليقات: