أتى قرار النظام السوري برفع أسعار سلة من المواد الأساسية ضمن سياق الفوضى والفشل في التعاطي مع الأزمة الاقتصادية بحلول جدية وجذرية.
ويبدو أن النزيف الحاد الذي طاول الليرة السورية مؤخرا أرغم مسؤولي الحكومة على التماشي مع حالة التضخم وانهيار سعر الصرف، ما يؤشر إلى احتمال جنوح النظام نحو تحرير أسعار السلع لاسيما في ظل تقطع أوصال السوق والإنتاج والتوزيع.
ورفعت النشرة الجديدة الصادرة عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك مؤخراً، أسعار 16 مادة أساسية من بينها السكر والرز والسمن والزيت والدقيق والشاي، وهو ما اعتبرته بعض الصحف الموالية دليلاً على "فوضى عارمة وعدم وجود ضابط حقيقي للموضوع، خصوصاً أن رفع أسعار المواد الأخير لم يمضِ عليه وقت طويل".
ومن مقارنة لائحة الأسعار الجديدة بلوائح مماثلة صادرة منتصف العام 2021 يكون ارتفاع أسعار المواد الأساسية قد تجاوز نسبة 100%، ما يعني زيادة مضاعفة للسلع الضرورية مثل الرز والسكر والسمن والزيت خلال عام واحد فقط.
وفي أحدث دراسة حول الأكلاف المعيشية للأسرة السورية، تجاوزت أكلاف المعيشة لأسرة سورية مكوّنة من 5 أفراد، في نهاية شهر أيلول/سبتمبر، حاجز ال3 مليون و500 ألف ليرة سورية، بينما وصل الحد الأدنى لكلفة معيشة عائلة من 5 أفراد إلى حوالي مليونين و500 ألف ليرة، ما يترك السوريين ضحية الاتساع الجديد في عمق الهوة التي تفصل هذه التكاليف عن الحد الأدنى للأجور في البلاد الذي لا يتجاوز 93 ألف ليرة سورية.
وتعليقا على القرار الجديد، يقول الخبير الاقتصادي رفعت عامر ل"المدن"، إن النظام السوري وقرارات مؤسساته هي في أساسها قرارات إدارية وأمنية لا تتبع لمنهج اقتصادي محدد. ويضيف أن "النظام فقد قدرته على إدارة الاقتصاد ولايملك أدوات مالية ونقدية تسمح له بالاستمرار في إرضاء قاعدته الشعبية من الموظفين بالحد الأدنى".
دون خط الفقر
وفي ظل ابتلاع التضخم لزيادة الأجور التي اعتمدها النظام مؤخراً والتي بلغ فيها سقف أجر الموظف فئة أولى 156 ألف ليرة، يرى عامر أن المستوى المعيشي للمواطن السوري وصل إلى ما دون خط الفقر المتعارف عليه دولياً وهو أقل من دولار واحد في اليوم، إذا حسبنا معدل المتوسط للأجور ب 25 دولاراً في الشهر، على اعتبار أن سعر صرف الدولار في السوق الموازي تخطى ال5 آلاف ليرة للدولار الواحد.
ويعزو عامر تدهور الأوضاع المعيشية للسوريين إلى سبيين: "الأول داخلي متعلق بتدهور الاقتصاد وتعطل دورة الإنتاج وعدم قدرة المنتج السوري على التصدير بسبب الغلاء والفساد وسيطرة المافيات وأمراء الحروب ودمار القاعدة الإنتاجية". وأما السبب الآخر فيتمثل ب"عدم قدرة داعميه الإيراني والروسي على تمويله وإعطائه مزيد حقن الإنعاش بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، وانشغال النظام الإيراني بالداخل بعد تظاهرات الشعب الإيراني واستمرار العقوبات الغربية".
ومع أن تحرير الأسعار لا يمثل تطلعات النظام الذى اعتاد على السيطرة والتحكم بكل جوانب حياة السوريين، لكن الظروف الصعبة توجه النظام نحو هذا السياق بدءاً من رفع الدعم التدريجي.
ويوضح عامر أن "عدم امتلاك النظام وسائل التأثير على التجار في تحديد الأسعار إلى ما لا نهاية، لاسيما وأن التجار يعتمدون على شراء العملات الصعبة التي يحتاجونها من السوق الموازي بعد أن بدّد النظام الاحتياطي في البنك المركزي وتوقف خطوط الإمداد الإيرانية والروسية السخية، سوف يجبر النظام على تحرير أسعار السلع".
ابتلاع زيادة الأجور
من جهته، يلاحظ وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة عبد الكريم المصري خطورة الإجراءات الأخيرة التي استهدفت المواد الضرورية للمواطن، والتي لا تتناسب إطلاقاً مع زيادة الأجور الأخيرة التي بلغت 30%، لافتاً إلى أن "متوسط الراتب الحكومي يبلغ قرابة 22 دولاراً، وهو مبلغ لا يكفي لشراء كيس رز زنة 25 كيلوغراماً".
ويضيف المصري ل"المدن"، أن "إجراءات النظام كانت سابقاً تتضمن زيادة الأجور ثم رفع الأسعار، بينما اختلف الوضع اليوم حيث تحدث زيادة الأسعار بشكل مستمر ما يجعلها تبتلع كامل الراتب الحكومي فضلاً عن الزيادة في الأجور". ويتابع أن الأزمة المالية التي يعاني منها النظام تضطره للجوء إلى وسائل عديدة تزيد من بؤس المواطن السوري مثل تخفيض الدعم الاجتماعي وابتزاز التجار بهدف تمويل الموازنة العامة.
ولا يمتلك النظام حلولا جذرية -بحسب المصري- لتفادي غلاء السلع نظرا لعدم وجود موارد مالية كبيرة، إضافة للانعكاسات السلبية للحرب في أوكرانيا والمظاهرات داخل إيران على اقتصاده، لذلك تبقى الخطة المعتادة المتمثلة باستعادة زيادة الأجور بشكل مضاعف، قائمة.
تعليقات: