المصارف تقفل أبوابها لتحمي نفسها (المدن)
أقفلت المصارف على نفسها على مدى 3 سنوات، في خطوة ظنّت أنها تحميها من المودعين الذين جهدت لاستقطابهم سابقاً. وبدل إيجاد آلية تخفّف احتقان المودعين وتعيد إليهم حقوقهم، تبتدع المصارف طرقاً لسدّ جميع الوسائل التي يمكنها أن تشكّل سبيلاً للتحاور والوصول إلى حلول مقبولة. الأمر الذي يُبقي خيار الاقتحام قائماً لمن استطاع إليه سبيلاً، كما أن اللجوء إلى القضاء متاحاً لمن أراد الاحتكام إلى ميزانه.
الاقتحامات تتواصل
سلسلة اقتحامات منذ شهر أيلول الماضي غطّت الاتجاهات الأربع وشملت مختلف المصارف. تجدّدت مطلع الشهر الجاري، وصولاً إلى دخول أحد المودعين مصرف فرنسبنك في زغرتا، يوم الأربعاء 19 تشرين الأول. وعلى خطٍّ موازٍ، تقدّم تحالف متّحدون، بوكالتهم عن المودع قاسم ياسين، بدعوى توقُّف عن الدفع وإفلاس، ضد مصرف الشركة الجديدة لبنك لبنان وسوريا، أمام الغرفة الناظرة بقضايا الإفلاس في المحكمة الابتدائية في بيروت، برئاسة القاضية ميشال طربيه.
وحسب بيان متّحدون "من المتوقع صدور القرار عن القاضية طربيه بإحالة نسخة عن استحضار الدعوى ومربوطاته إلى مصرف لبنان للاطلاع وإبداء الرأي (غير الملزم)، وابلاغ المصرف المدعى عليه نسخة عن استحضار الدعوى ومربوطاته للجواب عليه، في خطوة لإتمام التبادل بين فريقي النزاع وتحديد موعد للبت بطلب المودع المدّعي تقرير توقف المصرف عن الدفع تمهيداً لإعلان إفلاسه والحجز على أصوله وموجوداته".
إجراءات بلا فائدة
التحصينات والإجراءات الأمنية التي تتّخذها المصارف لإبعاد المودعين عن أبوابها، مثيرة للسخرية. رجال أمن يحملون أسلحة، وآخرون يتحدّثون مع الزبائن من خلف الزجاج ويقرّرون، حسب الحالة، فتح الأبواب أو الإبقاء عليها مغلقة.
هي إجراءات بلا فائدة. بل تعمّق الفجوة بين المودعين والمصارف. وإن كان الطرف الأوّل هو مَن يدفع الثمن على شكل خسائر في قيمة ودائعه، يُصرّ الطرف الثاني على "لعب دور الضحية"، على حد تعبير المحامية في رابطة المودعين زينة جابر، التي تشير في حديث لـ"المدن"، إلى أن المصارف "هي التي اعتدت على حقوق الناس والمودعين، وهي مَن أوصلتنا إلى ما نحن عليه لأنها ترفض اقتراحات الحلول، ومنها ما يطرحه صندوق النقد الدولي، وتواصل المصارف السير عكس القانون أو تطويعه بما يتماشى مع مصالحها وأرباحها التي تحوِّلها إلى الخارج".
ومع إصرار المصارف على موقفها، يصرّ المودعون على موقفهم. وبالتالي، ستتواصل الاقتحامات والدعاوى القضائية. علماً أن القضاء لا يقوم بواجبه كاملاً، إلاّ في ما خلا بعض القضاة. ووفق جابر، فإن "الكثير من القضاء لا يحكمون لصالح المودعين، فيما بعضهم مستمر بإضرابه". وبحالة شبه الثبات لهذا الواقع "لا يمكن الخروج إلاّ بخطّة تعافٍ شفّافة". وبغياب الخطّة، ستبقى إجراءات المصارف فارغة، ولا تؤسّس للحل.
إعادة الهيكلة والكابيتال كونترول
منطلقات الحل في هذا الملف، تستند إلى إقرار قانون الكابيتال كونترول وإعادة هيكلة القطاع المصرفي. والخيار الأوّل استُنزِفَت تأثيراته قبل خروجه إلى الحياة. ومع ذلك، ترى جابر ضرورة إقراره "للحدّ من الاستنسابية التي تمارسها المصارف حيال المودعين، فتعطي مَن له صلة وسلطة مع إدارات المصارف، وتحرم مَن لا سلطة له. كما أن القانون يضبط عمليات التحويل إلى الخارج ويؤدّي إلى نوع من المساواة بين المودعين".
الخيار الثاني، يتّصل بحجم القطاع المصرفي مقارنة بحجم الاقتصاد اللبناني "فلا يمكن قبول قطاع مصرفي بهذا الحجم، يضمّ أكثر من 60 مصرفاً، في بلدٍ صغير غير مُنتِج". وبعد ثلاث سنوات من عمر الأزمة "أُعيدَ تعويم المصارف". والقول بإعادة الهيكلة وتصغير حجم القطاع "لا يعني رفض وجود المصارف، بل إن النظام العالمي الراهن، يوجِب وجود المصارف، وإنما بالشكلّ الاقتصادي الصحّي. وحينها، يتم الحفاظ على القطاع، وليس العكس".
لا وضوح إضافياً يمكن إظهاره لضمان قراءة أفضل لصورة الأزمة. فأساساتها معروفة، ومسارها واضح. ومع ذلك، لا إجراءات سليمة للحلّ. ولذلك، ستبقى الحرب قائمة بين المودعين والمصارف لحين الاتيان بظروف داخلية ودولية جديدة. على أنّ كفّة الاستفادة من الظروف المقبلة، تميل لصالح المصارف، في ظل دعم مصرف لبنان والقضاء والسلطة السياسية لها، وترك المودعين بلا غطاء إلاّ ما خلا أخذ الحقوق بالقوة. وإذ تبدو المصارف بمتاريسها وأمنها الذاتي "بلا حماية"، يبقى المودعون أقوياء إذ ليس لديهم ما يخسرونه أكثر ممّا خسروه.
تعليقات: