المدينة وبلديتها تدفعان ثمن الكيدية الشخصية والسياسية (علي علوش)
تتقلب طرابلس في مروحة من الأزمات المعيشية والاقتصادية، وتبدو كمدينة متروكة بلا قيادات وزعامات، لطالما مارست بحق أهلها أقصى أشكال الاستثمار والاستغلال عند كل منعطف، وكان آخرها انتخابات أيار 2022.
هنا، ينتظر الناس مع اقتراب فصل الشتاء ساعات إضافية من التغذية الكهربائية بفارغ الصبر. هذه ذروة طموحهم، بعدما فقدوا الأمل من رحمة التجار وأصحاب المولدات. في المقابل، يغرد مجلس بلدية طرابلس بسرب مختلف. ويتنازع أعضاؤها مع رئيسيها أحمد قمرالدين ورياض يمق على كسب "الشرعية". إنها بلدية برئيسين عمليًا. الأول هو رياض يمق الذي يمسك بقرار مجلس شورى الدولة بعدما أبطل مؤخرًا قرار حجب الثقة عنه في 26 تشرين الأول. والثاني هو أحمد قمرالدين الذي يتسلح بتصويت 11 عضوًا له في جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها محافظ الشمال رمزي نهرا 19 يوم تشرين الأول الفائت.
الشرعية العالقة
وحتى الآن، لم يتسلم نهرا قرار مجلس الشورى لحسم القضية، سواء بإعادة يمق لرئاسة البلدية أو بتسجيل سابقة في خرق قرار المجلس وإبقاء قمرالدين رئيسًا. وفي كلتا الحالتين، يبدو المشهد سرياليًا وفيه درجة عالية من الخفة بالتعاطي مع المدينة من جهة، وبخوض معركة فارغة لا طائلة منها خارج الإطار الشخصي من جهة أخرى. وهو في الحقيقة، صراع على سلطة مجلس لم يسجل على مدار 7 سنوات من المهلة الشرعية والسنة المددة، أي إنجاز يذكر، بل أمعن بإثارة الفوضى واستشراء الفساد والمساهمة بانحلال البنى التحتية.
ومنذ إعادة انتخاب قمرالدين مرة ثانية لرئاسة المجلس من قبل أعضاء كانوا ممن سحب الثقة منه في نيسان 2019، انعقد المجلس برئاسته مرة واحدة. ويتحضر لجلسة ثانية الخميس 3 تشرين الثاني، وفق ما يفيد "المدن" عضو المجلس البلدي محمد نور الأيوبي وهو رئيس لجنة البيئة والطاقة في بلدية طرابلس.
ويقول الأيوبي إن الإشكال القانوني حول رئاسة البلدية، يخص مباشرة كل من وزارة الداخلية ومحافظ الشمال، وهما لم يبتا بعد بقرار شورى الدولة. ويشير إلى أن نشاط البلدية مستمر بوتيرة طبيعية بعد انتخابهم قمر الدين. ويضيف: "نستغرب إصرار يمق على العودة إلى رئاسة البلدية بعدما سحب معظم الأعضاء الثقة منه".
جبل النفايات والتأخر بالمعالجة!
ويوضح أن جدول أعمال المجلس البلدي مزدحم بالبنود والملفات، وعلى رأسها قضية جبل النفايات القديم الذي شهد مؤخراً حرائق متنقلة. ويتحدث الأيوبي عن مشروع مطروح لإعادة تأهيل المطمر، عمل على وضعه، وسيطرح بجلسة الخميس، وكلفته لا تتجاوز 100 ألف دولار، خلافًا لمشروع مجلس الإنماء والإعمار الذي يكلف نحو 5 مليون دولار.
ويُذكر أنه في منتصف أيلول، شهد المطمر القديم المحاذي لمرفأ طرابلس حريقاً كبيرًا، تسبب بحالة هلع بين السكان، وأعاد إلى الواجهة حجم الفساد بإدارة الملف، وتحديدًا من قبل اتحاد بلديات الفيحاء وشركة باتكو (المسؤولة عن إدارته) ومجلس الإنماء والإعمار. وهذا المطمر الذي يجسد قنبلة موقوتة بيئية وصحية إلى جانب المطمر الجديد، لا يستجب المسؤولون لإيجاد حلول جذرية له، رغم انبعاثات السموم منه، وثمة معطيات عن استمرار بعض عمليات الطمر فيه "سرًا" بصورة غير شرعية.
واطلعت "المدن" على مشروع الأيوبي الذي يحمل عنوان "واقع ورؤية لمعالجة جبل النفايات القديم" عبر تحريش المكب وتوليد الطاقة الكهربائية منه ونشاطات تنموية أخرى. وهو مشروع يحتاج أساسًا لتقييم خبراء ودراسة الأثر البيئي له، قبل البت به.
يمق يعترض
في هذا الوقت، يستغرب رياض يمق مواصلة المجلس البلدي لعمله برئاسة قمرالدين بعد قرار مجلس شورى الدولة. ويقول لـ"المدن" إن البلدية تدفع ثمن الكيدية الشخصية والسياسية من قبل المحافظ ووزارة الداخلية، ويدين عدم انتظارهم لقرار الشورى قبل عقد جلسة انتخاب قمرالدين.
وكان مجلس الشورى أصدر قرارًا بـ"وقف قرار حجب الثقة عن رئيس بلدية طرابلس رياض يمق". ويشير الأخير إلى أن القرار صدر مطبوعًا الأول من أمس، وجرت إحالته إلى وزارة الداخلية، بانتظار أن تقوم الأخيرة بتبليغه رسميًا للمحافظ والبلدية.
ويضيف: "إنني غير متمسك بالعودة لرئاسة البلدية، لكنني أمام الرأي العام في طرابلس كسبت معركة بوجه عملية التضليل واتهامات بفساد لم يثبت منه شيئاً، وهو ما يجعلني مصرًا على تنفيذ مفاعيل قرار الشورى، وإسقاط شرعية رئاسة قمرالدين للبلدية".
تعليقات: