فاجعة جبل محسن: جريمة الإهمال تقتل ماغي داخل صفها

ماغي محمود قتلتها مدرستها (المدن)
ماغي محمود قتلتها مدرستها (المدن)


يوحي جبل محسن، صباح الأربعاء 2 تشرين الثاني، أن ثمة كارثة إنسانية حلّة بأهله، تضاف إلى سجل المآسي في بلد يطارد الموت حياة أبنائه، بعدما بلغ الإهمال والفساد مستوى الجريمة.


وعند أطراف حي الوادي، المؤدي إلى "ثانوية طرابلس المختلطة الثانية الرسمية"، المعروفة بـ"مدرسة الأميركان"، يقطع عشرات الشبان الطرقات أمام حاجز الجيش، ويهتفون بغضب وحرقة مطالبين بمحاسبة كل مسؤول عن مقتل ابنة الجبل ماغي محمود (16 عامًا).


القتل المروع

لم تقترف ماغي أي مخاطرة تسببت بقتلها. ببساطة، كانت تجلس على مقعدها الدراسي في الحصة الثانية، وإلى جانبها زميلتها شذى درويش (16 عامًا)، وهما في المرحلة الثانوية الأولى. وببساطة أيضًا، هي من طلاب لبنان المفقرين الذين أجبرتهم الظروف الاقتصادية على الالتحاق بالتعليم الرسمي، الذي يفتقد للحد الأدنى من المقومات اللوجستية والأكاديمية.

فجأة، سمع طلاب المدرسة صوتًا قويًا يشبه دوي قنبلة متفجرة، وفق تعبير جعفر، زميلها في صف آخر، وفي الطابق الثاني فوق صفها، لـ"المدن". ويقول الشاب المصدوم مما رأى: "سمعنا صوت صراخ قوي واستغاثة بعد الدوي، منعنا الأساتذة من الخروج من الصف، خرجت عنوة متوجهًا إلى الطابق السفلي، وإذ بحجرة باطون كبيرة سقطت على إحدى المقاعد، ويتطاير منها الدم، فعرفنا أن زميلتنا تحتها".

ويقول جعفر إن مشهد ماغي لدى إسعافها كان مروعًا، وبتشوهات بليغة بالرأس والوجه، فعلمنا سريعًا أنها قتلت.

وعند باحة المدرسة، حاولنا التقدم إلى صف ماغي، لكن الجيش وعناصر الأدلة الجنائية لم يسمحوا بذلك، بحجة مسح المكان، فلمحنا الصف مقفلًا بالشمع الأحمر، بعدما جرى إخلاء المدرسة من الطلاب. بعضهم تجمهر أمام المدرسة، وآخرون توجهوا لقطع الطرقات، فيما عادوا كثيرون إلى منازلهم خوفًا من حالة الهلع.

ورغم وجودها داخل حرم المدرسة، رفضت الناظرة المسؤولة بالوكالة عن إدارة المدرسة نجوى شتوي مقابلة أحد، فيما يفيد "المدن" أحد الأساتذة الذين قاموا بإسعاف ماغي مع زميلتها الجريحة، أن الوضع حرج للغاية، ويفضلون انتهاء التحقيقات قبل الإدلاء بأي تصريح. علمًا أن نجل شتوي بالمدرسة عينها.

في المقابل، تعيش عائلة ماغي صدمة كبيرة، وهم لم يستوعبوا بعد مقتل ابنتهم داخل الصف، وينتظرون تسلم جثمانها بعد الانتهاء من كشف الطبيب الشرعي. ويقول أحد معارفهم بالجبل لـ"المدن": "العائلة بحالة انهيار تام على ابنتهم، وتوجهوا على الفور إلى المستشفى الحكومي لمعاينة جثمانها".


مبنى أثري؟

ويظهر مبنى المدرسة الحجري بقرميد أحمر، وهو يتوسط ما يعرف بحي الوادي في جبل محسن، وهو حي شعبي تغزوه عشوائيات الأبنية، ومعظمها يحتاج للترميم أو مهدد بالدمار. لكن مبنى هذه المدرسة، يندرج على لائحة المباني الأثرية في طرابلس، ويعود إنشاؤه إلى العام 1910، وهو ملك خاص قامت الدولة باستئجاره لصالح وزارة التربية. وكان باسم المدرسة الإنجيلية سابقًا، وكان تاريخيًا مقرًا لقوات المخابرات السورية في فترة احتلالهم للبنان.

وحسب شهادات طلاب قابلتهم "المدن"، هبط حائط في المدرسة العام الفائت، وهم يشتكون دائمًا من رداءة غرفه واهترائها. وما هبط على رأس ماغي، هو عبارة عن "قنطرة"، جرى وضعها لثقل السقف بعد فتح غرفتين على بعضهما البعض، وفق ما يفيد أحد العاملين في المدرسة. لكن المستغرب، وهو انعكاس لمستوى الإهمال في المعاينة، أن جميع مسؤولي المدرسة ينفون انتباههم لخطر هبوط القنطرة، التي تقع مباشرة فوق رأس الطلاب!


من يتحمل المسؤولية؟

وهنا، تترتب المسؤولية المباشرة بقتل ماغي على وزارة التربية ومديرية الآثار المسؤولة عن الأبنية الأثرية، إضافة إلى إدارة المدرسة المسؤولة على سلامة الطلاب وحمايتهم من أي خطر في المبنى. لكن، يخشى أهل الجبل الذي يغلي غضبًا وذوو الشابة الفقيدة، تمييع التحقيقات وذهاب دمائها هدرًا، فيما يصفها رفاقها بـ"الشهيدة"، وضحية جرائم الإهمال.

توازيًا، استنكرت اللجنة الطالبية في لبنان "غياب الصيانة والمتابعة الدائمة للبنى التحتية للمباني التعليمية الرسمية جراء الموازنة شبه المعدومة المخصصة للقطاع التربوي"، ودعت للحداد على روح ماغي.

الجيش يشرف على مسرح الجريمة
الجيش يشرف على مسرح الجريمة


غضب في أحياء جبل محسن
غضب في أحياء جبل محسن


تعليقات: