عشرات المدارس مهدّدة بالانهيار (مروان بو حيدر)
استيقظت مدينة طرابلس صباح أمس على فاجعة، تمثّلت بوفاة التلميذة ماغي محمود (16 عاماً) وجرح زميلتها شذى درويش (16 عاماً)، بعد سقوط جزء من قنطرة سقف صفهما في مدرسة "الأميركان" في محلة جبل محسن عليهما. حادثة أعادت المخاوف من مصير مماثل ينتظر عشرات مباني المدارس الرسمية في المدينة، المترهّلة والمتصدّعة، والتي تحتاج إلى ترميم وتأهيل قبل وقوع كارثة أخرى، بالإضافة إلى تساؤلات عن مصير العام الدراسي لنحو 500 طالب في المدرسة المذكورة، بعد رفضهم العودة إليها قبل تأهيلها وتأمين سلامتهم فيها.
القنطرة... مرمّمة!
لا يعوّل الأهالي على عملية التأهيل والترميم المنتظرة، بل يخشون أن تكون مثل سابقتها التي حصلت العام الماضي وتسبّبت بالكارثة. فقد تولّت ورشة فنّية مهمة الترميم، وهدمت جداراً يفصل بين غرفتين داخل المدرسة، تاركة المدماك الأخير منه، وهو من الحجر الرملي، من غير أن تدعمه بعمود، بل عملت على "توريقه" فقط وتحويله إلى ما يشبه القنطرة، وهذا ما أدّى إلى الانهيار الذي وقع أمس.
سقوط جزء من القنطرة أحدث دويّاً في المدرسة، وأثار الرّعب والهلع في صفوف التلاميذ والأساتذة، الذين ظنّ بعضهم للوهلة الأولى أنّ انفجاراً ما قد وقع في المكان، قبل أن تتبيّن لهم حقيقة الأمر بعد مسارعة عدد منهم إلى الصفّ حيث وقعت الحادثة، ليجدوا الضحية وقد تضرّج رأسها بالدّماء نتيجة سقوط جزء من القنطرة فوقه، إضافة إلى سقوط أجزاء من سقف الصفّ على الأرض وفوق مقاعد التلاميذ.
مشهد أخرج التلاميذ من صفوفهم إلى باحة المدرسة الخارجية، وسط أجواء من البكاء والخوف والصراخ، وحصول حالات إغماء بينهم، في وقت كان فيه أهالي الطلّاب والسكّان المجاورون للمدرسة يُسارعون للوصول إليها لتفقّد أبنائهم، قبل وصول قوّة من الجيش اللبناني قامت بمنع دخول الطلاب والأساتذة إليها، إلّا المسؤولين فقط، حرصاً على سلامتهم.
«سنقفل المدرسة»
نقمة أهالي الطلّاب على المسؤولين كانت عارمة. "نرسل أبناءنا إلى المدارس ليتعلّموا لا لكي يموتوا، بعد أن نحرم أنفسنا من كلّ شيء تقريباً"، يقول أحدهم بغضب. ويسأل آخر: "هل يرضى أحد من المسؤولين هذا المصير لأولادهم؟"، مضيفاً: "دم الضحية في رقبة المسؤولين، من إدارة المدرسة ووزارة التربية والبلدية، والمتعهدين الفاسدين الذين لم يقوموا بواجبهم كما ينبغي، وكانوا بلا أخلاق وبلا ضمير".
وأكّد الأهالي أنّهم لن يرسلوا أولادهم إلى هذه المدرسة مرّة أخرى، "لأنّنا لسنا مضطرّين لأن نخسر شخصاً آخر نتيجة الإهمال والفساد" يقول أحدهم، ويضيف: "سنقفل المدرسة ولن نسمح بإعادة افتتاحها قبل ترميمها بشكل كامل وصحيح، لأنّه لم تعد عندنا ثقة بأيّ عملية ترميم".
مدرسة ثانية مهدّدة
وسط هذه الأجواء خرج الطلّاب والأهالي في مسيرة راجلة إلى مدرسة سليمان البستاني المتوسطة الرسمية للبنات، التي تبعد نحو 200 متر عن مدرسة الأميركان، وتبدو عليها آثار التصدّع والتشقّق، فيما أسقفها شبه المنهارة مدعّمة بدعائم خشبية. لم يتردّد المحتجّون في إخراج الطالبات، اللواتي يناهز عددهنّ 120 طالبة، من مدرستهنّ وإعلان تعليق الدروس فيها إلى حين ترميمها بشكل سليم، بعد تلاسن وقع بينهم وبين إدارة المدرسة. بالتزامن، قطع الأهالي الطريق الرئيسية في جبل محسن تعبيراً عن غضبهم. وعصراً، شيّعوا جثمان الضحية ماغي محمود بمأتم كبير، وسط دعوات إحداها من اللجان الطالبية لإعلان الحداد العام 3 أيّام، وإغلاق المدارس في طرابلس ولبنان اليوم الخميس.
يوم حداد
هذه الدعوات استجاب لها وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عبّاس الحلبي، الذي وصف الحادثة بـ"الفاجعة"، وأعلن عن "تعطيل المدارس والثانويات والمعاهد في طرابلس (اليوم) حداداً"، وأنه أوفد المدير العام لوزارة التربية عماد الأشقر ورئيس المنطقة التربوية في الشمال نقولا الخوري ومهندس المنطقة للكشف الميداني الأولي، وكلّف لجنة تحقيق هندسية وفنية "للتعمق بالكشف على المبنى، ورفع تقرير مفصّل حول أسباب الحادث والمسؤوليات المترتّبة عليه، ليُبنى على النتائج المقتضى القانوني سريعاً وعلى نحو حاسم"، مؤكّداً أنّه "سيتخذ أقصى العقوبات في حال ثبوت أيّ إهمال".
سنقفل المدرسة ولن نسمح بإعادة افتتاحها قبل ترميمها بشكل كامل
النائب فراس السلّوم تفقّد مبنى المدرسة، ونقل عن وزير التربية عبّاس الحلبي وعده "بوضع آلية لاستيعاب طلّاب المدرسة وعدم فقدانهم للعام الدراسي"، لافتاً إلى أنّ إدارة مدرسة البستاني "رفعت عريضتين إلى وزارة التربية تطالب فيهما بترميمها، لكنّ أحداً لم يستجب". فيما طالب النّائب ملحم خلف، الذي تفقّد المدرسة بدوره، بحضور "المسؤولين كافّة هنا، ومحاسبة المقصّرين". أما النائب أشرف ريفي، فقد ذكّر في تغريدة له، بـ"وجود أكثر من 400 مبنى في طرابلس مهدّدة بالانهيار".
مدرسة الأميركان
يُذكر أن مدرسة الأميركان يعود تاريخ بنائها إلى أواخر القرن التاسع عشر، اسمها الرسمي هو المدرسة الإنجيلية، حيث بناها مبشِّرون أميركيون وفق النمط الهندسي الذي تمّ فيه بناء الجامعة الأميركية في بيروت، وكان فيها قسمٌ داخلي للطلّاب الذين كانوا من أبناء العائلات الثريّة في طرابلس والشّمال. خلال سنوات الحرب الأهلية أصيب مبنى المدرسة بدمار كبير، وأرغم إدارتها للانتقال إلى مبنى آخر في منطقة الزاهرية، ثم إلى خارج طرابلس باتجاه قضاء الكورة المجاور، بينما تحوّل مبنى المدرسة إلى مقرّ لمخابرات الجيش السّوري في الشّمال حتى عام 2005، وبقيت المدرسة بعدها مُهمَلة لسنوات قبل أن تؤجّرها إدارتها لوزارة التربية التي استخدمتها لتكون مدرسة رسمية بعد تنفيذ أعمال تأهيل وترميم شكلية لها.
تعليقات: