منصّات النقل العام تغزو السوق اللبنانية.. سلبياتها تفوق الإيجابيات

النقل العام
النقل العام


لم يقوَ قاسم البالغُ مِن العُمر 28 عاماً على الاستمرار في ظلّ الأزمات التي تعصف بالبلد، والتي أنهكت مختلف قطاعاته، خاصةً بعد تعرضه لحادثٍ في عملِه السَابق، والذي تسبّب لهُ بإعاقةٍ حالت دون استمراره فيه.

كلّ ذلك دفع الشاب للجوء إلى العمل غير الشرعيّ، عبر منصات #النقل العام التي غزت السوق اللبنانية مثل منصة "#بولت"، التي تمّ إطلاقها في لبنان في السابع من تموز من العام الجاري، ويبلغ عدد مستخدميها نحو 30 مليوناً في أكثر من 35 بلداً حول العالم، خصوصاً في أوروبا وأفريقيا.

يقوم تطبيق "بولت" المجانيّ للهاتف المحمول "بربط السائقين والركاب"، إذ يستطيع أيّ شخص من خلاله "أن يطلب سائقاً لإيصاله إلى وجهته المحدّدة بطريقة سريعة وبأسعار معقولة"، ويُمكن للمستخدم أن يختار وسيلة النقل التي يُريدها مثل الدراجة النارية، أو السيارة أو "ميني فان".

تُمكن الشركة السائقين المسجّلين على المنصّة من كسب المال عن طريق قبول الطلبات الواردة من خلال التطبيق.

وتقدّم الشركة أسعاراً أقلّ بنسبةٍ تصل إلى 20 في المئة عن المنافسين الآخرين في السوق، الأمر الذي ينعكس سلباً على سائقي اللوحات الحمراء أي السّائقين الشّرعيين.

ومن المتعارف عليه أنَّ مكاتب سيّارات النقل القانونيّة تحقّق أرباحها من خلال اقتطاع نسب من أرباح السائق المتعاقد معها. ولكن الغريب أنَّ تكلفة النقل في هذه الشركة (بولت) تعود كاملةً للسائق، ولا تستوفي منها الشركة أيّ أرباح، ممّا يطرح العديد من علامات الاستفهام؟

من هذا المنطلق، اشتكى رئيس اتحاد نقابات السّائقين وعمّال النقل في لبنان مروان فياض من غياب الدولة، خاصّةً جهاز قوى الأمن الداخلي، الذي يتغاضى عن الخروقات القانونيّة من قبل منصّات شركات النقل، الأمر الذي جعلها تتمدّد وتتوسّع، حيث أنَّ الدرجات النارية التي تعمل معها تسبّبت بتراجع قطاع النقل العام بما يقارب الـ70 في المئة.

وكان وزير الداخلية بسام مولوي قد أصدر منذ شهرين مذكرة بملاحقة الآليات غير الشرعية، لكن مفعولها لم يدم سوى لثلاثة أيّام، ليعود ويتمّ إبطال مفعولها بسبب بعض الضغوط، بحسب فياض.


سائقون بلا رخص ومنافسة غير محقّة...ولكن!

تتميّز الشركة بالعديد من الجوانب الإيجابية؛ فالسائق يستوفي الأرباح بشكلٍ كامِل، وتُتيح الشركة للسّائق فرصة العمل في الوقت الذي يناسبه، فهو ليس مرتبطاً بدوام محدّد. أما الجوانب السلبية فتتمثّل بعدم شرعيّة المنصّة الذي يؤدّي إلى القلق الدائم لدى السّائقين المنتسبين للمنصّة؛ فهؤلاء لا يعلمون في أيّ وقت يُمكن إيقافهم عن العمل، في ظلّ الدعاوى المرفوعة ضدها من اتحاد النقل العام في لبنان، فضلاً عن افتقادهم إلى التأمين أو الضمان، سواء بالنسبة إلى السائق أو الزبون.

والغريب أنَّ أغلب الزبائن يعلمون أنَّ المركبات، خاصةً الدراجة النارية، لا تخضع لمقوّمات السلامة العامة، وليس هناك تأمين على سلامتهم خلال تنقّلهم مع الشركة، إلا أنَّ جُلَّ ما يهمّهم هو إيجاد التكلفة الأدنى. وتأكيداً على ذلك، يستشهد قاسم بحادثةٍ صادفها مع أحد الركاب الذي كان قد تعرّض لحادث مع أحد سائقي الشركة، وتسبّب بكسرٍ في قدمه، ليعود ويطلب سائقاً من الشركة بهدف مراجعة طبيبه.


تزوير وإستغلال

بالإضاقة إلى ذلك يعتري هذه الشركة الكثير من الشوائب منها عمليات التزوير، إذ يقوم الكثير من الشبان اللبنانيين، الذين تتوافر فيهم شروط الانتساب إلى المنصة كسائقين، بإنشاء حسابات خاصّة بهم ثم تأجيرها لشبان لا يملكون المستندات المطلوبة للانتساب إلى الشركة مقابل مبالغ مالية.

جدير بالذكر أن العديد من المستخدمين تعرّضوا لعمليات نصب من بعض سائقي الشركة، الذين ينتظرون الركّاب ريثما يصلون إلى وجهتهم المقصودة، ثم يطلبون منهم بدلاتٍ أعلى من تلك التي تحدّدها المنصّة.

قاسم يعلم أنَّ ما يحدث في قطاع النقل "حرام"، إذ مِن غير المنطقي أن يتكلف السائق العموميّ مبالغ كبيرة لقاء اللوحات الرسمية ذات الأسعار المرتفعة، وأن يدفع الضرائب للدولة ولشركات التأمين، في الوقت الذي يأتي فيه سائق غير شرعي لا يتكلّف أيّ رسوم ويدخل سوق المنافسة، مؤكّداً أن الظروف الصعبة دفعته إلى القيام بذلك.

القطاع الداعم للاقتصاد منسيّ...والدولة في غيبوبة!

يعتبر قطاع النقل في لبنان من أكبر القطاعات وداعماً أساسياً للاقتصاد اللبناني، إذ يتخطى عدد المركبات الـ56000 آلية عموميّة، تتقسم على النحو الآتي: "ما يقارب الـ35000 سيارة سياحيّة عموميّة، فانات 4000، 2600 أوتوبيس، 13000 ألف شاحنة و1800 صهريج للنقل الخارجي".

وفي هذا السياق يروي لنا أحد السائقين العمومين معاناته اليومية بسبب كل هذه الأزمات، فيقول أبو حسين: "إنَّ السائق العمومي أصبحت رزقته يومية، ومع ارتفاع أسعار النفط وارتفاع سعر صرف الدولار، تراجع مدخوله بشكل يومي ودائم، وبات السائق يترقب أسعار النفط بفارغ الصبر.

وبالرغم من الأعداد الكبيرة من السائحين التي زارت لبنان في موسم الصَّيف إلا أنَّ ذلك لم ينعكس بالشكل الإيجابي الذي كان متوقعاً، لأن السَّائق اللبناني ينتظر السَّائح الأجنبي وليس اللبناني، الذي يفضّل خيار التوجه لاستئجار سيارة خاصة".

ويتابع أبو حسين: "إنَّ كل ذلك لم يكن كافياً، لتأتي منصات شركات النقل غير الشّرعية وتكتسح سوق النقل، ممّا أثرَ بشكلٍ كبيرٍ على السائقين الشرعيين ودفعهم للقيام بالعديد من التحركات التي لم تأت بأي نتيجةٍ".


التصعيد آتٍ

وفي حديث مع النهار"، أكد رئيس اتحاد النقل بسام الطليس أنَّ هذه الشركات بعيدة كلّ البعد من القانون، موضحاً بأنّه تقدّم بعدة دعاوى ضدها، بانتظار تحرّك القضاء.

ووصف طليس هذه الخروقات بالتحدي الصّارخ على قطاع النقل، وتوعّد بتحركات غير مسبوقة بكلّ ما يتعلّق بقطاع النقل في لبنان.


ظاهرة جديدة تجتاح قطاع النقل البري

هذا ليس كل شيْء، فقد برزت في الأيام الأخيرة ظاهرة جديدة في قطاع النقل ألا وهي آليات "التوك توك"، التي بدأت تُحقّق انتشاراً في مختلف المناطق اللبنانية.

و"التوك توك" مركبة نارية ذات ثلات عجلات، لديها محرّك ذو أسطوانة واحدة، وبقوة تبلغ 400 cc. تُستخدم في أغلب الأحيان كوسيلة أجرة للانتقال، وتنتشر بكثرة في البلاد الآسيوية والعربية، لا سيما في البلاد العربية، خصوصاً في العراق ومصر والسودان. لكن هذه الآلية لا تقلّ خطورةً عن الدراجات النارية التي تغزو العاصمة بيروت، ويظهر ذلك من خلال ارتفاع عدد الوفيات اليومية في حوادث السير على الطرقات اللبنانية.

كل هذه الأزمات المادية دفعت بالشعب اللبناني لإيجاد طرق بديلة أقلّ تكلفة من التاكسي. وفي ظلّ هذه الفوضى العارمة التي أنهكت كاهل قطاع النقل، يبقى السؤال أين أصبحت خطة قطاع النقل البري، وأين أصبحت هبة الحافلات الفرنسيّة!

تعليقات: