تزوج احمد بالتوافق كما هي العادة سابقاً ، بتوافق ام العريس وام العروس.
بعد جولة كاملة من تخيلات بنات الحي والاقارب تختار له العروس حسب المثل القائل ( طبّ الطنجرة عا تمها بتطلع البنت لأمها)، وليس على طريقة الطغمة الفاسدة في الحكم في ظل نظام منهار الأساس ومبني على المحاصصة حسب حجم الطائفة .
تزوج احمد ابنة الحلال ، وكانت نعم المرأة ومثالها خادمة مطيعة تعرف الاصول والواجبات الزوجية ومن تصرفاتها مع زوجها ارست قواعد التفاهم والاحترام في العلاقة الزوجية وكان احمد ايضاً مثال الزوج متجاوباً مع زوجته .
بعد سنة من الزواج رزق الزوجان باكورة العلاقة الزوجية ابن سمياه " محمد " وقد ملأ حياتهما سعادة ، واخذت الزوجة تعد العدة لتربية محمد تربية صالحة وفق مفهومها كما امر به الله حتى ينشأ على قوله تعالى وبالوالدين احساناً دون ان تنسى واجباتها الزوجية وما يتطلبه الزوج ايضاً من رعاية .
بعد سنتين انجبوا الطفل الثاني وكذلك كل سنتين ينجبوا طفلاً ذكراً حتى بلغ العدد 4 ابناء ولما جاء الابن الخامس قال الأب ، لم يكرمنا الله ، لم يرحمنا الله ، وبقي يردد هذه الكلمات الى ان اصبح لديه 12 من الابناء .
ابو محمد يعمل فلاحاً وكان يعمل بجد ونشاط حتى يوفر لأولاده حياةً كريمة ونستطيع القول بأن ابو محمد كانت حياته من متوسطي الحال ، كما يطلق اليوم على هذه الفئة " البرجوازية " ، اندثرت هذه الفئة اليوم في مجتمعنا .
كان ابو محمد وام محمد لهما نظرة مستقبلية وان الأمور لن تبق على حالها ولا بد ان ياتي وقت يختلف عن وقتهم كما هم فيه الآن باختلاف وقتهم عن وقت اجدادهم ، فعملوا جاهدين على تعليم ابنائهم وتخرج محمد طبيباً وهكذا الأبناء الآخرينمنهم المهندس والمحامي وووو والمربي .
كان كل ما استحق العمر الزواج لاحدهم زوجوه في من يحب على طريقة عصرهم وليس كما هما تزوجا ، حيث لكل زمن ظروفه الخاصة وحسب البيئة التي يعيشون فيها باستثناء واحد منهم تزوج على طريقة الاختيار .
بلغ ابو محمد ال 65 من العمر وما زال يعمل وكالعادة كان الابناء يأتون بيت الوالد كل يوم جمعة مع زوجاتهم ومن له من الابناء ، وهذا اليوم وبحضور الجميع وقف الابن الاكبر "محمد" وقال يا ابي في نفسي سؤال منذ ان كنت تقول " لم يكرمنا الله ، لم يرحمنا الله " ، تبسم الأب وقال يا اولادي ، انني كرجل اعرف ماذا يخبئ الزمن للأبوين عند الكبر ، وان الولد لا يستطيع خدمة والديه حسب تكوينه وطبيعة عمله ، لذلك كنت اتمنى من الله ان يرزقني ابنة تقوم بخدمتنا عندما نكون بحاجة للخدمة ، لأن الولد اكثر ما يستطيع عمله اذا كان ميسور الحال توظيف خادمة لوالديه .
لما سمع الجميع الجواب قامت الزوجات جميعهن نحن كلنا بناتكم يا عم ، تبسم ابو محمد وقال بارك الله فيكم .
مضت السنون واصبح ابو محمد وام محمد وحيدين في البيت كما دخلاه اول مرة ولكن الظروف اختلفت بسبب فارق العمر ، والاولاد كل في بيته مع زوجته واولاده ومع متاعب الحياة ، والارض لم تعد تزرع كما كان في عهد الاب لأن الظروف تغيرت والزراعة لم تعد تناسب تخصصات الابناء ( ويل لأمة تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تنسج ) .
ربما حكمة من الله توفيت ام محمد وقد اصبح ابو محمد في ال 80 من العمر ،أجتمعت العائلة كلها لحضور مراسم الدفن ، وفتح بيت ابو محمد لتقبل التعازي لمدة 3 ايام كالعادة المتبعة ، وكان الابناء يترددون على البيت جمعاً وفرادى الى يوم الاربعين وبعد احياء هذه الذكرى وتقبل التعازي ذهب الجميع الى منازلهم وبقي ابو محمد فريد الدار .
مضت سنة على وفاة ام محمد وبالكاد كان احدهم يزور الاب وفي احد الايام حضر محمد لزيارة والده ، وقبل توديعه طلب منه ان يجمع اخوته وزوجاتهم الجمعة القادمة .
جاء الجميع يوم الجمعة وبعد السلام على الاب قال : هل تريدون معرفة تجمعكم اليوم ،احببت ولو مرة وقد تكون الاخيرة والاعمار بيد الله ان اراكم كما في السابق في حياة المرحومة ام محمد ، وأقول لكم انتن ايتها الزوجات ليس لي اي حق عليكن وانتن لستن شرعاً مجبورين بخدمتي ، وحتى اثبت لكم جميعاً اننيكنت محقاً عندما كنت اخاطب الله بأنه لم يكرمني ببنت كما اكرم البدوي ببنت وهو كاره لها واطلق عليها حينذاك ( يا سواد الوجه ) وعندما كبر وفقد البصر لم يجد في خدمته سواها ،وفي احدى الايام سألها من انتي التي اصطفاكِ الله لخدمتي اجابت وهي تظرف دموعها انا (سواد الوجه ) .
صمت الجميع وبعد فترة وجيزة من الصمت انبرت احداهن وقالت انا ابنتك يا عم لقد اكرمك الله ، قال : تقدمي لاراكِ من انتِ قالت : انا من اختارتني ام محمد زوجةً ل سعيد( المربي ) هل تقبلني في دارك ام تنتقل معي الى بيتي .
شكرها ابومحمد ولكنها اصرت على خدمته ، وهذه البادرة ادخلت السعادة
الى قلب ابو محمد وعاش مع هذه المرأة سنتان والتحق بأم محمد مسروراً .
* الحاج صبحي القاعوري
تعليقات: