يعمل كثر على تشكيل تكتلات أو تجمعات سياسية منطلقها بيروت
على وقع الانقسام السياسي اللبناني القائم، والذي يبدو أنه سيبقى طويلاً، في ظل انعدام مقومات التوافق، تشهد الساحة اللبنانية الكثير من العبث، والذي يتكاثر كلما اشتد وقع الفراغ، وانعدمت فيه الآفاق والرؤى. فإلى جانب الانقسام السياسي العمودي بين فريقين سياسيين أحدهما يمثل 8 آذار والثاني يمثل 14 آذار، هناك تكتل التغيير بالإضافة إلى المستقلين. إلا أن الانقسامات قائمة داخل كل فريق وحتى داخل بعض التكتلات النيابية أو الأحزاب. وهو ما يسري بالتحديد على السنّة والمسيحيين، فيما يبقى حزب الله وحركة أمل على موقف موحد.
على الجبهة المسيحية
على الساحة المسيحية الانقسامات على حالها، وقد اعتادها اللبنانيون منذ سنوات طويلة، كان الاستثناء فيها اتفاق معراب الذي لم يعش طويلاً، وهو قابل لأن يتكرر في لحظة أو ظروف مماثلة، هدفها قطع الطريق على سليمان فرنجية، والذي يبدو انه بدأ تحركاً واضحاً لتعزيز حضوره على الساحة، في ظل إصرار باسيل على رفض دعمه وتقديم خيار الاتفاق معه على مرشح. أما دون ذلك، فلا شيء سيمنع باسيل من إعلان ترشيحه ربما، حسبما تقتضيه الظروف. إذ كان قد حذّر سابقاً من أنه لم يعلن ترشيحه، لكنه قد يغيّر رأيه في حال عدم التوافق. هذه الانقسامات مرشحة للاستمرار حتى وإن حصل تفاهم موضعي أو مرحلي على استحقاق معين، فيما القرار لدى الثنائي الشيعي واضح بعدم الانقسام واستمرار التنسيق واتخاذ موقف موحد إزاء انتخاب الرئيس، وعدم تكرار تجربة العام 2016 وتسوية انتخاب ميشال عون.
التجربة الكارثية
كذلك تفيد المعلومات أن رئيس مجلس النواب نبيه برّي كان واضحاً في التشديد على حزب الله بعدم تبني ترشيح باسيل أو دعمه، مع حرص من قبل برّي على أن يبقى الموقف الشيعي موحداً، وعلى قاعدة أن لا يخرج الحزب عن ما يريده رئيس المجلس، لا سيما أن تجربة عون كانت كارثية ولا مجال لتكرارها. يبقى كل ذلك تحت سقف الطموح الماروني السرمدي لرئاسة الجمهورية في لبنان. فكل شخص ينتمي إلى الطائفة المارونية هو مرشح للرئاسة، وكل عامل في الحقل السياسي هو مرشح طبيعي. وهذا الصراع أساس في ضرب هيبة الموقع، نتيجة الصراعات الشخصية التي تبدو غالبة في معظم الاستحقاقات وفي معظم الحسابات.
انحدار السنّة
أما الأسوأ في كل ذلك، فهو الانحدار الذي يعيشه السنّة، والذين يتحولون إلى مرحلة مشابهة من مراحل الصراع على كرسي رئاسة الحكومة. وهو صراع باق ويتمدد، ولا يبدو أنه قابل للمعالجة، وسيتيح الإمعان أكثر في ضرب الموقع وضرب مرتكزات الدولة.
تحت سقف الصراع للوصول إلى رئاسة الحكومة، أو خلق حيثية في البيئة السنّية، يعمل كثر على تشكيل تكتلات أو تجمعات سياسية منطلقها بيروت، ومن هؤلاء من كان محسوباً على تيار المستقبل، ومن كان محسوباً على حزب الله وقوى 8 آذار، لكنه استفاق حديثاً على مواجهتهما.
تشهد بيروت ثلاثة لقاءات "سنّية".
الأول، يعمل على بلورته الوزير السابق محمد شقير، مع عدد من الشخصيات، لتشكيل ما يشبه التجمع السياسي، والهدف هو الوصول إلى رئاسة الحكومة. بعض المعلومات تفيد بأن هناك محاولات للحصول على غطاء من سعد الحريري وتيار المستقبل لهذا التجمع، خصوصاً أن شقير يكثف تحركاته على الساحة البيروتية والديبلوماسية.
اللقاء الثاني، يعمل على بلورته النائب فؤاد مخزومي، والذي يرفع منذ فترة شعارات كبيرة ضد حزب الله، وهو الذي كان على تحالف معه سابقاً ضد الحريرية. يعتبر البعض أن مخزومي، بالاستناد إلى مساعدات مالية وخدمات، بالإضافة إلى بعض اللقاءات والدعوات التي ينظمها، يسعى مع بعض العائلات البيروتية لتشكيل هذا التجمع السياسي. والغاية أيضاً رئاسة الحكومة.
أما اللقاء الثالث فتعمل على تأسيسه مجموعة شخصيات تضم الرئيس السابق لهيئة الرقابة على المصارف سمير حمود، وبعض الصحافيين والشخصيات لخلق جسم سياسي جديد.
على الرغم من أن مثل هذه التحركات ضرورية ومطلوبة، إلا أن ما يصيبها من عطب هو انها لا تبدو مبنية على أساس سياسي أو فكري أو ثقافي، بل قوامها العلاقات العامة، أو المصالح المالية والاقتصادية والاستثمارية، والتي يتم تغليفها بشعارات كبرى، من قبيل المواجهة وتحرير لبنان، ويرتكز ذلك إما على مواقف علنية دعائية، أو على تسريبات تقتضي اختلاق سيناريوهات والتسويق للقاءات موهومة أو وهمية، غايتها إحراق أي شخص يمكن أن يبرز أو يتقدم، على غرار الكثير من السيناريوهات التي تم بثها في الأيام الماضية حيال رئاسة الحكومة.
تعليقات: