سجن القبة مصنف بكونه الأسوأ حالاً بين السجون الأخرى (علي علوش)
عشية الثلاثاء 15 تشرين الثاني، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي خبر احتراق زنزانة في سجن القبة المركزي-طرابلس، أسفر عن إصابة أربعة مساجين بحروق خطيرة، بعضها من الدرجة الثالثة. ليتبين لاحقًا أن هؤلاء المساجين الأربعة كانوا قد حاولوا الفرار قبل ذلك بيومين، وتمكنت القوى الأمنية من إحباط هذه المحاولة، وما لبثت أن اقتادتهم لزنزانة انفرادية. هذا وقد أشارت المصادر الأمنية في سجن القبة، فضلاً عن المتابعة، أن المساجين قد لاقوا أشدّ أشكال التعذيب. وإزاء هذا الواقع قرر واحدٌ منهم إضرام النار في الملاءات القطنية محاولاً الانتحار، ليشب حريق ضخم اضطرت القوى الأمنية لإشراك عدد من المساجين الآخرين بإخماده.
تعذيب السجناء الأربعة
تتضارب المعلومات حول ظروف احتراق الزنزانة الانفرادية بنزلائها الأربعة في سجن القبة المركزي- طرابلس، فمنهم من يرجح محاولة المساجين الانتحار عبر إضرام النار بأنفسهم، بعد حملة تعذيب قامت بها القوى الأمنية بحقهم، تضمنت الضرب المبرح واستخدام أدوات حادّة وقذفهم بمواد كيماوية كالمسيل للدموع، ناهيك عن حلق شعرهم وحواجبهم، ومنهم من رجح حدوث ماس كهربائي، إلا أن أهالي السجناء الأربعة طلال إبراهيم، عمر مستو، صبحي أمهز، وسجين من الجنسية المصرية من آل البردان، حسموا هذا الجدال مؤكدين أن أبناءهم فضلوا الموت على العيش في هذه الظروف المهينة، وقد أضرم السجين بردان النار بالملاءات المخصصة للنوم. وبعد انتباه القوى الأمنية للنيران باشرت بإخمادها. وقد نُقل المساجين الأربعة المحترقين والغائبين عن الوعي بفعل الدخان إلى مشفى طرابلس الحكومي.
وفي هذا السّياق تواصلت "المدن" مع والدة طلال إبراهيم ( لبناني من طرابلس، 31 سنة، متأهل ولديه طفلتين)، أكدت أن ابنها يقبع في سجن القبة منذ سنة ونصف السنة من دون أي محاكمة، بتهمة حيازة وإخفاء مسروقات، وقد حاول الهرب بسبب ما يعاني منه داخل السجن من أمراض جلدية خطيرة وسوء تغذية، ناهيك عن الانتظار المستمر لمحاكمته، قائلةً: " قامت زوجته اليوم بزيارته في المشفى بعد مشاجرة مع القوى الأمنية، التّي رفضت بداية إدخالها، وعند رؤيتها لزوجها صُدمت. إذ أن معالمه تغيرت، وكان في حالة ذهول وبهتان، وسرعان ما قامت برفع شكوى قضائية متخذةً صفة الإدعاء الشخصي".
وقد اطلعت "المدن" على نصّ الشكوى التّي تضمنت التالي: "المدعية هي زوجة الموقوف في سجن القبة طلال عصام ابراهيم. منذ يومين وبعد أن فشلت محاولة فرار زوجي وبعض رفاقه من السجن، بدأت رحلة التعذيب والتنكيل فيهم من قبل عناصر الخدمة والتحقيق في قوى الامن الداخلي، حيث أبرحوه ضرباً على رأسه وكامل جسمه ولا تزال بقع الزرقاء الناتجة عن الضرب والتعذيب باديةً على كامل أعضاء جسمه، ونتيجةً لضراوة التعذيب والتنكيل التي تعرض لها زوجي، أقدم على محاولة حرق نفسه، ما استدعى نقله الى المستشفى الحكومي في القبة للمعالجة ثم أعيد الى سجن القبة.
وبما أن أعمال الضرب والتعذيب والتنكيل التي يتعرض لها زوجي من قبل عناصر الحماية والتحقيق في قوى الامن الداخلي العاملين في سجن القبة، تشكل جرائم معاقب عليها في قانون العقوبات اللبناني كما وجرائم مخالفة اتفاقية مناهضة التعذيب".
احتراق الأربع سجناء
وتُضيف والدة طلال إبراهيم: "علمت تمامًا ما حصل مع ابني، فقد اتصل بي عبر أحد أصدقائه في المشفى، وأخبرني عن الطريقة التّي تعذب بها. إذ قام الدركي المشرف على تعذيبه بصلبه على الحديد مع الكلبشات، بالرغم من كون طلال لديه كسور في يديه، وضربه ضربًا مبرحًا وجلده هو ورفاقه بأحزمة الزي العسكري، وتوجيه أفظع الشتائم له ولعائلته. وذلك حصل على مرأى ومسمع الضابط المناوب الذي بدوره قام بضربهم ليستلم بعده الدركي إيلي دحداح مهمة التعذيب".
حوالى الرابعة من ظهر الثلاثاء، أضرم السجين البردان من الجنسية المصرية النار بملاءات السرير في محاولة مدروسة من قبل الأربعة سجناء للانتحار، وما لبثت أن اشتدت النيران، وطالتهم، وتسبب لهم بحروق خطيرة. هذا وسرعان ما نقلتهم القوى الأمنية في السجن للمشفى وبعضهم في حالة إغماء، حسب ما أشارت المصادر المتابعة، وقد تم تسريب عدة فيديوهات وصور من داخل السجن المؤلف من طابقين ويشغله حوالى 850 سجيناً فيما تبلغ قدرته الإستيعابية 400 نزيل كحدٍّ أقصى. وبعد تواصلنا مع بعض الموظفين في المشفى تبين أن الأمن قد أعاد عدداً من المساجين إلى السجن تحت حراسة مكثفة.
وقد أفاد والد أحمد مستو أنه حاول زيارة ابنه، ولم تفلح محاولاته إلا بعد مشادة كلامية مع القوى الأمنية، وعند دخوله إلى الغرفة لم يعرف أي من السجناء ابنه بسبب تشوه معالمه، وعندما استدل عليه، رفع ملاءة السرير عن جسده ووجد على ظهره ووجهه ومختلف أنحاء جسده، كدمات زرقاء وجروحاً فضلاً عن الحروق، فيما أشار أن ابنه اختنق وغاب عن الوعي بسبب رمي الشرطة مسيل للدموع. هذا فيما لا يزال مستو موقوفًا منذ سنة، وأوراق إخلاء سبيله جاهزة منذ مدة، وبسبب التعطيل والإعتكاف القضائي، لم يتم إطلاق سراحه!
سجن القبة المركزي
هذا ودعا أهالي السجناء الذين تعرضوا للتعذيب لوقفة احتاججية أمام سجن القضبة الخميس في تمام السّاعة 11 ظهرًا.
يُذكر أن رائدة الصلح نائبة رئيس لجنة أهالي الموقوفين في السجون اللبنانية، هي من أوائل الذين أثاروا القضية على وسائل التواصل الاجتماعي. وفي حديثها مع "المدن" أكدت أن هذا ما حصل في سجن القبة، وهو مؤسف جدًا قائلةً: "السجناء حاولوا الهروب عبر قص حديد النافذة بمنشار صغير وسكاكين، بسبب الظروف القاسية التّي يعيشونها وبسبب الانتظار المضني للمحاكمة". ووصفت وضع سجن القبة بالمزري لما يحمله من معاناة من إكتظاظ وتلوث الغذاء. بين 50 و60 سجيناً ينامون في غرف لا تستوعب سوى عشرة سجناء، يأكلون طعامًا تمسه الجرذان والحشرات، ويستعملون حماماً واحداً. ونددت بالحادثة وطالبت الدولة وخصوصاً مجلس النواب بفتح ملف السجون ومعالجته عبر تفعيل المادة 108 من قانون المحاكمات الجزائية المتعلقة بمدة التوقيف الإحتياطي وتقصير السنة السجنية للستة أشهر، وتجريد الصفة الجرمية من المطلق سراحهم، ناهيك طبعًا عن ضرورة إيجاد حل للاكتظاظ وتبعاته وتفعيل دور اللجان الطبية.
أسهم مشهد محاولة هروب هؤلاء المساجين نهار الاثنين، وتعذيبهم، ومن ثم احتراقهم، في تسليط الضوء على واقع سجن القبة المزري والمصنف بين العارفين بأزماته بكونه الأسوأ حالاً بين السجون الأخرى، ولكونه سجنًا تأديبيًا، يخشاه المساجين، نظرًا لواقع المعيشة الصعبة، والإكتظاظ المقيت، والتعذيب، ناهيك عن إنتشار الأمراض والوفيات المتكررة داخله، نتيجة غياب الرعاية الصحية وسوء التغذية وتلوث المياه.
تعليقات: