يواجه نحو سبعين ثنائياً، اختاروا الزواج مدنياً على الأراضي اللبنانية، أو تأخروا في تثبيت عقود زواجهم التي عقدوها في الخارج، مشكلات إدارية عديدة ناجمة عن عدم موافقة وزارة الداخلية على تسجيل الزواج وبالتالي عدم تسجيل الولادات... وصولاً إلى رفض الاعتراف بالزيجات الأخيرة التي تمّت عن بعد عبر التطبيقات الإلكترونية
قبل عام تقريباً، عقد كل من خليل رزق الله وندى نعمة زواجهما المدني عن بعد، عبر تطبيق زوووم، مستعينين بقاض في ولاية يوتا الأميركية. سلك الثنائي المسار القانوني لتسجيل عقد الزواج، من السفارة اللبنانية في لوس أنجليس مروراً بالخارجية اللبنانية من ثم الداخلية. وبالفعل، سُجّل العقد، واستحصلا على إخراج قيد عائلي، ليتفاجآ اليوم بشطب الزواج نهائياً من سجلات المديرية العامة للأحوال الشخصية، تحت ذريعة عقد الزواج على الأراضي اللبنانية، بالتالي خضوعهما للقانون اللبناني لا الولاية الأميركية المعقود من خلالها هذا الزواج!
قرار يستغربه رزق الله، في اتصال مع «الأخبار» ويصفه بـ«التعسفي»، متحدّثاً عن امتلاكه كلّ الوثائق القانونية للزواج، ومتمسّكاً باعتراف السفارة اللبنانية بالعقد وتسجيله بالتالي في دائرة النفوس خصوصاً أن تداعيات الأمر تطاول الأطفال. فقد أصبح خليل والداً لطفل «مكتوم القيد»، ولد قبل شهر تقريباً في الولايات المتحدة الأميركية، لكنه حُرم من حق تسجيله في لبنان بعد شطب زواج ذويه، بالتالي حُرم من بقية حقوقه في الدراسة والطبابة والسفر.
محاصرة الزواج المدني
ورداً على هذه الخطوة، قدّم رزق الله اعتراضاً لدى وزارة الداخلية، متحدّثاً عن ضغوط سياسية ودينية لمحاصرة الزيجات المقامة أونلاين، رغم قانونيتها واعتراف لبنان بوثائقها، ساخراً من طلب الداخلية منه السفر إلى قبرص وعقد زواجه مرة ثانية هناك ليتمكن من تسجيل زواجه!
هذا الواقع تواجهه نحو سبعين حالة مماثلة، ومن هذه الحالات من نجح في تسجيل الطفل الأول وتوقف عن تسجيل الثاني، كما فعلت خلود سكرية ونضال درويش، الثنائي الذي كان أوّل من تزوّج مدنياً على الأراضي اللبنانية، وحظيا بتسجيل زواجهما في لبنان قبل أن تتراجع الدولة عن ذلك. فقد سجلا ابنهما الأكبر «غدي» في لبنان بعد الاستحصال على وثيقة قيد عائلية، لكن سكرية لم تسعَ، كما تقول لـ«الأخبار»، لتسجيل ابنها الثاني «رالف» الذي وُلد في السويد، بعد قرار وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق بإيقاف توثيق الزيجات في لبنان.
اللجوء إلى القضاء
تعقيدات جمّة تخصّ الزواج المدني الذي مرّ في لبنان بمراحل مختلفة، تأمل في بعضها اللبنانيون خيراً، بخاصة قبل 13 عاماً بعد إصدار تعميم شطب القيد الطائفي عن سجلات الأحوال الشخصية، ما فتح الباب أمام تسجيل أوّل زواج مدني في لبنان عام 2013. لكن الموضوع دخل أدراج المناكفات السياسية والمراجع الدينية، مع توقف تسجيل الزيجات في عهد وزير الداخلية الأسبق نهاد المشنوق، بعد رفضه توقيع العقود، لتكرّ السبحة في عهود بقية وزراء الداخلية إلى اليوم.
يتحدّث كاتب العدل جوزيف بشارة، الذي سجّل زواج سكرية درويش، عن وجود الكثير من العراقيل التي تحول دون تسجيل الزيجات المدنية وتوثيقها في دائرة الأحوال الشخصية «الأمر الذي دفع بالعديد منهم إلى توثيق الزواج دينياً عن غير قناعة، أو السفر خارج البلاد». يدعو بشارة في هذه الحالات إلى «اللجوء إلى المراجع القضائية المختصة لإلزام الموظف المعني بعدم مخالفة القانون، ليصار بعدها إلى استصدار إخراج قيد عائلي، ومن خلاله يستحصل الفرد على حقوقه في الضمان الصحي والسفر وغيرهما، أما خلاف ذلك «تقع الواقعة ويحرم من حقوقه المدنية».
يؤكد المحامي عباس على هذا الأمر مشيراً إلى مشكلة «غياب تسجيل الأولاد وحرمانهم بالتالي من بقية حقوقهم كالإرث على سبيل المثال، الذي تحرم منه الزوجة أيضاً». يحدث ذلك، بسبب غياب أي قانون ينظّم هذه الزيجات المدنية، فكيف إذا أضحينا أمام خلاف بين الزوجين، تترتّب عليه قضايا الحضانة، فمن يفصل هنا؟
من المدني إلى الديني
مع تجميد هذا الملف، انضمّت المحاكم الشرعية لضرب صيغة هذا الزواج والاستفادة من عدم تسجيله في لبنان. هذا ما حدث مع المخرج سعيد الماروق وزوجته السابقة جيهان أبو عايد، اللذين تزوّجا عام 2017 مدنياً، وعندما وقع النزاع، لجأ الماروق إلى المحكمة الشرعية السنية، ما يعفيه من مترتبات عقد الزواج المدني على الثنائي في حال الانفصال، واستفاد من ثغرة القانون هنا، بما أن الثنائي ينتمي إلى المذهب عينه، فلا يسجّل في كلّ الأحوال عقد الزواج المدني.
التعقيدات دفعت بكثر إلى توثيق الزواج دينياً عن غير قناعة أو السفر خارج البلاد
يشرح المحامي علي عباس، في حديث مع «الأخبار»، هذه الثغرة التي تمنع الزوجَيْن المنتميَيْن إلى المذهب نفسه من تسجيل زواجهما المدني، وعدم الركون إليه في حال النزاع أو الطلاق، فيلجأ أحدهما إلى «التحرّر» من «الذمة المالية الموحدة»، عبر بوابة المحاكم الشرعية كما فعل الماروق.
بين الداخل والخارج
تميّز المحامية بريجيت شلبيان بين عقود الزواج المبرمة داخل لبنان وخارجه، لأنّهما يختلفان في المعاملات الإدارية، إذ يتوجب على الزوجين بعد عقد زواجهما المدني خارج لبنان التوجه إلى السفارة اللبنانية في البلد الذي تم فيه الزواج لتحوّل الوثيقة إلى الخارجية اللبنانية، ومن ثم إلى دائرة الأحوال الشخصية. مسار طويل لا شك ستسلكه هذه الوثيقة إلى حين تثبيتها قانونياً في لبنان. أما المتزوجون داخل الأراضي اللبنانية، فتقول شلبيان إن عقود زواجهم غير معترف بها، نظراً لغياب قانون خاص بالأحوال الشخصية، بالتالي يُحرمون من حقهم في تسجيل الزواج، وينسحب ذلك على الولادات لتنضمّ فئة جديدة إلى مكتومي القيد.
الحال ليس أفضل لدى المتزوجين مدنياً خارج لبنان، الذين إن طالت معاملات التسجيل هنا، سينضمون بدورهم إلى الذين عقدوا زواجهم في الداخل، ويضحي أولادهم مكتومي القيد. وترى شلبيان أن الحل يكمن في الإسراع بتسجيل الزواج في السفارات اللبنانية من جهة، ومن جهة أخرى، انتظار إقرار قانون مدني خاص بالأحوال الشخصية، فيفسح المجال حينها بتسجيل الولادات تلقائياً. أما في حال الخلاف، بين الزوجين فترى شلبيان ضرورة «الرجوع إلى قانون البلد الذي تم فيه الزواج والركون إلى أحكامه، وإلا الدخول في معمعة المحاكم المدنية منها والشرعية، والتي يغيب عنها الاختصاص المباشر في أحكام الزواج المدني».
تعليقات: