عملية فرار هوليوودية في البقاع: هل يصل إلى البرازيل؟

من اعتصام عائلة المجذوب أمام قصر العدل في أيلول الماضي (المدن)
من اعتصام عائلة المجذوب أمام قصر العدل في أيلول الماضي (المدن)


انشغلت كافة القطعات الأمنية في منطقة البقاع، يوم الخميس، بقضية فرار الموقوف خالد المجذوب. رجل أعمال لبناني، مقيم منذ 35 سنة في البرازيل، تورط في قضية مقتل سيدة سورية، فأوقف منذ 15 شهرًا. أمضى خالد الأشهر الستة الأخيرة من توقيفه في مستشفى تعنايل بقضاء زحلة، بعد إصابته بداء التشمع الكبدي، معززا بتقارير طبية مددت فترة علاجه مرات عديدة، قبل أن يفر من المستشفى عشية نقله إلى السجن مجدداً، تاركاً خلفه إرباكاً كبيراً لدى الأجهزة الأمنية، التي ورطها إما بقضية تقصير أو تواطؤ.


تخدير الحراس

ليلة الهروب الكبير كانت عند العاشرة من مساء الأربعاء. وهي ليلة إضافية غنم بها خالد في المستشفى، بعدما كان مقرراً نقله إلى السجن في 22 تشرين الجاري إثر تعافيه من مرضه. يقول مقربون منه، "لم يتحمل خالد هذا الخبر، فأصيب بهبوط كبير بالضغط، وكان علينا التأكد من عدم إصابته بأي نوع من الشلل. ولذلك بعد أن أمضى ليلة في غرفة العناية الفائقة، نقل إلى غرفة عادية مجدداً، وكان ينتظر التمييز في مسألة نقله إلى المستشفى، خصوصاً انه حتى لو تعافى من داء التشمع الكبدي، فهو لم يكتسب المناعة الكافية التي تسمح بعودته إلى مكان كالسجن، هذا فضلاً عن حاجته لدخول الحمام بشكل متكرر".

مشاهدة فيديو الفرار في المقابل أظهرت خالد بصحة جيدة. مرتدياً ثيابه خرج خالد من باب غرفته التي يفترض أنها مراقبة من عنصري قوى أمن. صادف حينها ممرضة، فألقى التحية عليها بكل هدوء، ومن ثم توجه بخطوات ثابتة ومن دون توتر. تنقل في أرجاء المستشفى وصولاً إلى القسم الذي تخزن فيه أدوات المستشفى، ليخرج منه راكضاً بعد أن اشتبه رجال الأمن الخاصين بالمستشفى بأنه قد يكون لصاً.

لا ظهور لعناصر قوى الأمن في الفيديو. وذكر أنهم خدروا تماماً خلال عملية فراره، بعدما تناولوا نوعاً من العصير أو الشاي. ليختفي خالد من بعدها كلياً، وتختفي أثاره مع زوجته منى، المدعى عليها الثانية في القضية التي يحاكم بها.


قضية رأي عام.. وطريقة صوفية

قد لا يسترعي فرار خالد المجذوب بحد ذاته الاهتمام، خصوصاً أنها ليست عملية الفرار الوحيدة والأولى التي وقعت في الآونة الأخيرة. لولا تحوله شخصية عامة، منذ عملت عائلته على تحويل قضية توقيفه من دون محاكمة منذ 15 شهراً إلى قضية رأي عام، وتصويره كضحية للمماطلات الحاصلة بإصدار القرارات في المحاكم، وخصوصاً بعد أن دخل القضاء في مرحلة الاعتكاف عن العمل بالأونة الأخيرة.

فعلي كان قد أوقف قبل 15 شهراً بعد تورطه وزوجته بقضية مقتل سيدة سورية كانت برفقتهما. وفي القضية مدعى عليه ثالث هو علي ي. الذي يقود "الطريقة اليشرطية"، وهي طريقة صوفية في المعتقد، وخالد وزوجته والسيدة المتوفاة جميعهم من أبناء هذه الطريقة.

في اعتصام نفذته عائلة خالد في شهر أيلول الماضي أمام قصر عدل زحلة، للمطالبة بالإفراج عنه ومراعاة حالته الصحية، بدا واضحاً النفوذ المالي الذي يتمتع به خالد وعائلته، والذي لم ينعكس فقط بأعداد المشاركين في الاعتصام، وإنما أيضاً بالإمكانيات اللوجستية التي وفرتها العائلة للمشاركين في الاعتصام، من تأمين تنقلاتهم إلى طبع صوره على القبعات التي اعتمروها، وإحضار فرقة موسيقية وفريق من المصورين المحترفين لمواكبة المعتصمين.

ومع أن أبناء الطريقة اليشرطية، الذين نفذوا اعتصاماً آخر لهم أمام قصر العدل بعد أسابيع، حاولوا أن يحيدوا أنفسهم عن قضية خالد، وشددوا على أنهم حضروا ليعرفوا الرأي العام على الإنسانية التي تطبع عقيدتهم، بدت لافتة أصابع عائلة المجذوب في تنفيذ التحرك وإدارته.


عرقلة القضاء عمداً

طيلة هذه الفترة كانت عائلة خالد تركز على حالته الصحية، لتطالب القضاء بإطلاق سراح مشروط أقله. إلا أن مثل هذا القرار لم يصدر. وفي حين تصر مصادر قريبة من العائلة على أنه لم يحصل أي تقدم في ملفه منذ تحركها أمام قصر عدل زحلة، ترفض مصادر قضائية، في توضيح لـ"المدن"، ربط فرار خالد بتأخير البت بقضيته. بل تقول أنه "على رغم الاعتكاف، فقد تم النظر بملفه استثنائياً كونه مريضاً. وقد ختمت القاضية أماني سلامة تحقيقها فيه، وأحالته إلى النيابة العامة". وتؤكد المصادر "أن النيابة العامة أصدرت مطالعتها منذ ثلاث أسابيع، وهي مطالعة من 37 صفحة حولت إلى قاضي التحقيق الأول، أي القاضي سلامة، إلا أن أحد المدعى عليهم في الدعوى، وهو علي ي. قدم دعوى مخاصمة الدولة عن أعمال القضاة بوجه سلامة، وطلب برفع يدها عن الملف". وحسب المصادر القضائية هذا يعني أن التأخير ليس من القضاء إنما خلقته الجهة المدعى عليها كي لا يصدر قرار ظني.

وتشدد المصادر على أن القضاء استثنى القضية من الاعتكاف، مراعياً وضع المريض الصحي. وبرأيها فإن هذا الملف تعرض لكثير من الأساليب الملتوية التي حاولت الضغط على القضاء لإنتزاع قرار لمصلحة المدعى عليهم. وتعتبر المصادر أن من خلقوا العراقيل واستفادوا من الثغرات القانونية، عادوا ولجأوا إلى تهريب خالد، وهي كلها أمور غير قانونية.


تقصير أم تواطؤ؟

التحقيق بملف الهروب في المقابل، حرك الأجهزة الأمنية، التي بدأ التحقيق معها عسكرياً. للتأكد مما إذا كانت العملية قد جرت نتيجة للتقصير أو للتواطؤ. وفي الحالتين هناك عقوبات مسلكية ستلحق بالعناصر والضباط المسؤولين. علماً أنه وفقاً للمعلومات كان هناك 16 عنصراً أمنياً يتناوبون بعملية الحراسة على باب الغرفة رقم 411 في المستشفى، التي كان يفترض بعلي أن يكون نزيلاً سجيناً فيها، وبالتالي، لا يفترض أن يتمتع بحرية التنقل التي سمحت له بالتعرف على أرجاء المستشفى قبل الهروب.

وفي هذا الإطار عُلم أن القيادة الأمنية المركزية أرسلت ضابطاً من قبلها باشر بتحقيقات أمنية. بموازاة تنفيذ عمليات دهم طالت عدة منازل في منطقة البقاع الغربي، أسفرت عن توقيف عمر إ. ابن شقيقة خالد الذي كان يحضر له الطعام يومياً إلى المستشفى، ومحمد عبد اللطيف م. شقيق زوجة خالد، بالإضافة إلى العثور على السيارة التي يعتقد انها استخدمت في عملية الفرار.

يبقى أنه أيا تكون خاتمة هذه القضية، سواء بإلقاء القبض على خالد مجدداً، أو ظهوره في البرازيل بين أفراد عائلته التي تنتظره منذ أشهر، فهي لا شك عززت الانطباعات حول الانحلال الذي تخلفه أزمات لبنان المستمرة، والتي تركت تداعياتها على الأجهزة والمؤسسات الراعية لشؤون المواطنين، حيث باتت عملية فرار كتلك التي نفذها خالد مقبولة من وجهة نظر البعض، ممن يحمل القضاء مسؤولية المماطلة بالملفات، وتواطؤ رجال الأمن أو إهمالهم -إذا ثبتا- مبرراً، إذا ما أخذ بالاعتبار الواقع المتردي الذي يحيط بعمل الأجهزة الأمنية والقضائية، فيما لا يزال البعض يحرص على ضرورة تجنيب لبنان شريعة الغاب أياً كانت الصعوبات.

تعليقات: